ارتبط اسمه بشركة “آبل” دائماً.. “جوني أبلسيد”، البطل الشعبي الأمريكي الذي زرع أشجار التفاح أينما ذهب

عربي بوست
تم النشر: 2023/08/02 الساعة 13:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/08/02 الساعة 13:22 بتوقيت غرينتش
صورة توضيحية متخيلة لجوني أبلسيد/ مواقع التواصل

ليس غريباً أن تهتم شركة بحجم ومكانة "آبل" العالمية بأدق التفاصيل. وفي حال لم تكن قد لاحظتَ ذلك من قبل، ففي جميع مؤتمراتها -منذ عرض أول آيفون وحتى اليوم- دائماً ما تكون هناك بعض الثوابت التي لا تتغير. 

عند عرض أي صورة عن هاتف آيفون مثلاً، دائماً ما تكون الساعة 9:41، وغالباً ما تكون زاوية فتح أجهزة الماك بوك 70 درجة، ولم يكن ستيف جوبز يتصل إلا بشخصٍ واحد يُدعى جوني أبلسيد، حين يريد شرح مميزات المكالمات الهاتفية.

والحقيقة أن جوني أبلسيد، بطل هذه السطور، ليس شخصية عادية في التاريخ الأمريكي؛ بل هو أشبه ببطلٍ شعبي خلّدته الروايات التي تمّ تناقلها من جيلٍ إلى آخر، منذ مطلع القرن الـ19 وحتى اليوم. 

فمن هو جوني أبلسيد الذي تتصل به آبل دائماً؟ 

روايات شعبية كثيرة وصفت جوني أبلسيد على أنه غريب الأطوار، في حين صوّرته ديزني كمزارعٍ ودود. لكن الحقيقة الثابتة أنه، وبفضل هذا الرجل، بدأت بساتين التفاح في الظهور عبر الحدود الأمريكية منذ مطلع القرن 19.

حتى إن البعض يذهب أبعد من ذلك ويعتبره ساهم بشكلٍ أو بآخر بترسيم الحدود الأمريكية. 

قبل أن يُعرف باسم جوني أبلسيد (Appleseed)، أي جوني بذرة التفاح، كان جوني تشابمان يتجول من مكانٍ إلى آخر مع كيسٍ مليء ببذور التفاح، حافي القدمين وهو يرتدي خرقاً بالية وقبعة تحميه من أشعة الشمس. 

لكن الحقيقة أن جوني أبلسيد كان أيضاً رجل أعمال ماهراً، ولم يكن يزرع التفاح لمجرد حبّه للطبيعة أو خدمةً لبلاده. وقد يُفاجأ محبّو الصورة التي صدَّرتها ديزني عنه كيف كان يُستخدم التفاح الذي زرعه. 

وقبل الدخول في هذه التفاصيل، من المهم أن نذكر أن جوني تشابمان وُلد في 26 سبتمبر/أيلول 1774، بولاية ماساتشوستس الأمريكية. 

ورغم أنه لا يُعرف الكثير عن حياته في ذلك الوقت، فقد عاش طفولةً صاخبة، بعدما توفيت والدته وهو في الثانية من عمره حين كانت تنجب مولودها. فتزوج والده من امرأةٍ أخرى، وقد أنجبا 10 أطفال. 

قاتل والده، ويُدعى ناثانيال تشابمان، في الجيش القاري تحت قيادة الجنرال جورج واشنطن خلال حرب الاستقلال الأمريكية. فنشأ الابن خلال فترة توسع الأمة السريع نحو الغرب، حين لعب التفاح دوراً مهماً، لا سيما في ولاية أوهايو.

في العام 1792، كان التفاح جزءاً من صفقة الإقامة في أوهايو. فقد أبرمت شركة "أوهايو كومباني أوف أسوشيتس" صفقة مع عددٍ من المستوطنين تنصّ على التالي: أي شخص يرغب في بناء منزل دائم في البرية، ويمكنه إثبات أن مسكنه وما حوله من أرض كانت دائمة، عن طريق زراعة 50 شجرة تفاح و20 شجرة خوخ في غضون ثلاث سنوات؛ سيُمنح مساحة 100 فدان من الأرض. 

وبعد فترة من التجوال في البرية ذهاباً وإياباً مع أخيه الأصغر غير الشقيق، وضع جوني أبلسيد مخططاً لزراعة التفاح عبر الحدود الغربية. وهكذا بدأ يزرع البساتين على طول الطريق، ثم يبيعها للمستوطنين الجدد.

مكان ولادة جوني أبلسيد/ Wikipedia
مكان ولادة جوني أبلسيد/ Wikipedia

جوني أبلسيد.. بين الحقيقة والواقع 

في حدود العام 1803، انطلق جوني أبلسيد في جولةٍ مؤقتة. وعلى متن زورقين صغيرين، سافر مع أخيه عن طريق النهر عبر الحدود، وشق طريقه عبر أوهايو، وبنسلفانيا، وحتى إنديانا. 

ولم يكن يحمل معه سوى ملابسه التي كان يرتديها، وبعض الأدوات مع حقيبة جلدية محشوة ببذور التفاح التي كان يجمعها من مطاحن عصير التفاح، خلال سفره عبر الحدود. 

ورغم أن الأسطورة تشير إلى أن أبلسيد كان فقط يرمي البذور في طريقه، لكنه كان حريصاً على إلقاء البذور في أماكن محددة. ثم يقوم بتسييج المنطقة بالأشجار المتساقطة وجذوع الأشجار، ويعود دورياً إليها لرعاية الشتلات، قبل أن يبيع الأرض في النهاية للمستوطنين. 

وقد أشار موقع ati الأمريكي إلى أن الحقيقة التي قد لا يدركها كثيرون هي أن التفاح الذي زرعه جوني أبلسيد لم يكن يؤكل، بل كان يُستخدَم لصنع عصير التفاح الصلب، وهو شراب مُسكِّر. كان المفضل بين المستوطنين وقتئذٍ، وقد شرب بعضهم أكثر من 10 أوقية منه يومياً. 

لم يمض وقت طويل حتى بدأ رجل بذور التفاح يكتسب شهرةً بين المستوطنين، وقد كان غريب الأطوار بالنسبة إليهم. لم يكن يرتدي إلا رداءً قماشياً مخصصاً لتعبئة بذور التفاح، وبها فتحتان يخرج منهما ذراعاه، ونادراً ما كان يرتدي حذاء. 

حتى أن بعض الروايات تزعم أنه كان يرتدي وعاءً على رأسه، وكأنه قبعة. لكن من المرجح أن تكون هذه المعلومة غير دقيقة، لأن مثل هذه القبعات غالباً ما تكون ثقيلة للغاية.

وفي حين أن التفاح والحياة البسيطة شكلا بالفعل جوهر هذه الشخصية المحبوبة لدى الأمريكيين، فإن قصة جوني أبلسيد الحقيقية هي أكثر تعقيداً وتنطوي على استقرار الغرب الأوسط وظهور دين جديد. 

صورة لجون أبلسيد نُشرت في  <em>Harper's New Monthly</em> عام 1871/ Wikipedia
صورة لجون أبلسيد نُشرت في  Harper's New Monthly عام 1871/ Wikipedia

حقائق لا يعرفها كثيرون عن جون أبلسيد 

اسمه الحقيقي لم يكن جوني أبلسيد، ولا حتى جوني تشابمان، لنبدأ من هنا. لقد كان اسمه جون تشابمان. وقد أكد جيف تايلور، الرئيس السابق لجمعية جوني أبلسيد، أن الأدلة التي بحوزتهم -كجمعية- تشير إلى أنه لم يفضل حقاً أن يُدعى جوني. 

وفي حديثٍ إلى موقع Fox Weather، أوضح تايلور أن تشابمان لم يفضل أن يُطلق عليه أيضاً لقب "أبلسيد"، وأنه وقّع على وثائق باسم جون تشابمان. وتوجد وثيقة واحدة فقط كان قد وقع عليها باسم جوني أبلسيد. 

وقد يكون تحديد الحقائق الأخرى عن حياته أمراً صعباً بالنسبة إلى تايلور، وهو مدرس متقاعد وأستاذ في التربية، حيث ترك أبلسيد وراءه عدداً قليلاً جداً من المتعلقات، وبالتالي القليل جداً من الأدلة. 

ظهر في سجل التصويت في ماونت فيرنون، أوهايو، التي يشير إليها الناس في أوهايو على أنها مدينة جوني أبلسيد. وعملياً، هذا هو المكان الذي أمضى فيه الكثير من وقته، منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى ثلاثينيات القرن.

من أشهر الروايات عن جون أبلسيد ملابسه غير العادية. فهو بالفعل كان يرتدي ثياباً متناثرة، كجزء من اختياره للعيش ببساطة، وأحياناً كان يرتدي أكياساً قديمة من القماش بعد أن كانت تُستخدم لاحتواء القهوة والدقيق.

لكن من بين كل الأشياء الغريبة التي كان يرتديها، لم يرتدِ أبداً أدوات المطبخ. ووفقاً لتايلور، فإن قصة وعاء القصدير ملفقة بالكامل، إذا "لا يوجد دليل واحد على أنه كان يرتدي قبعة من الصفيح على الإطلاق".

ووفقاً لتايلور، يبدو أن جوني أبلسيد "كان يؤمن بما يمكن أن أسميه البساطة المسيحية، فكرة أن العيش ببساطة هو التزام، وأن دورنا في العالم هو أن يكون مفيداً للآخرين". وهذا الجانب من شخصية رجل بذور التفاح كان غير معروفاً. 

فقد كان شديد التدين، وغالباً ما كان الناس يشاهدونه ممسكاً بالكتاب المقدس، بعدما انضمّ إلى كنيسة سويدنبورغ غير المعروفة آنذاك. مؤسّس هذه الكنيسة هو العالم والفيلسوف إيمانويل سويدنبورغ، الذي اعتقد أن الملائكة كانت تنقل له رسائل مكتوبة سرية من الله. 

غالباً ما كان جون أبلسيد يحمل قطعاً من تعاليم سويدنبورغ في قبعته، لقد أراد التبشير بهذه التعاليم التي اقتنع بها بنفسه، فكان يعطي هذه المنشورات للمستوطنين الذين التقى بهم خلال رحلاته. 

رسم تصوري لجون أبلسيد/ Wikipedia
رسم تصوري لجون أبلسيد/ Wikipedia

موت جوني تشابمان وتخليده بطلاً شعبياً

باختصار، لم يكن الأمر مجرد أن جوني أبلسيد أَحبَّ التفاح وزرع أشجار التفاح. ليس الأمر بهذه البساطة. فقد كان هناك سوقٌ حقيقي لأشجار التفاح في الولايات المتحدة، وقد خدم أبلسيد هذا السوق.

في ذلك الوقت، كان التفاح أكثر من مجرد فاكهة صحية، بل تعددت استخداماتها. وقد ساعدت الناس، بشكلٍ أو بآخر، في البقاء على قيد الحياة وازدهار مزارعهم.

غالباً ما كان يتم استخدام التفاح لإطعام الخنازير وتسمينها، لجعلها مطلوبة في السوق، وذات قيمة أكبر. تم استخدام التفاح أيضاً في صنع الخل، وهو مادة حافظة ومنظف، وهو خليط مهم في المناطق البعيدة عن مراعاة الشروط الصحية.

كما تم استخدام التفاح لصنع عصير التفاح الصلب، الذي يُقدّر أنه يحتوي على حوالي 2٪ من الكحول، وقد كان عصير التفاح الصلب أحد أكثر المشروبات المنعشة في هذا الوقت.

وفقاً للأسطورة، مرض جوني أبلسيد مرةً واحدة في حياته، وحينها كان على فراش الموت. ذُكِرَ أنه ظهر في مقصورة صديقه ويليام وورث، في منتصف مارس/آذار 1845 وطلب البقاء هناك. رحب به وورث، وقدم له الحليب والخبز.

ورغم أن الرجل البالغ من العمر 70 عاماً قد قطع مسافة 15 ميلاً في ذلك اليوم، فقد أمتع مضيفيه بالأخبار التي كان قد حصل عليها خلال رحلاته، وبقصص من كتابه المقدس. ولكن بحلول الصباح، أُصيبَ بحمى شديدة، وتُوفي بعدها ببضعة أيام من طاعون الشتاء. 

بحلول ذلك الوقت، أصبح جوني أبلسيد أشبه بالبطل الشعبي. نشرت إحدى الصحف المحلية نعياً له، وأثنت عليه باعتباره أحد أتباع سويدنبورغ. وأشارت الصحيفة إلى أنه "من المفترض أن يمتلك ممتلكات كبيرة، لكنه حرم نفسه من كل الضروريات العامة للحياة تقريباً". لكن في الواقع، امتلك أبلسيد مساحة 1200 فدان من الأرض. 

ومع ذلك، اختفى معظم التفاح الذي زرعه أبلسيد. بموجب حظر الكحوليات في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي، جاء عملاء فيدراليون إلى بساتين أبلسيد، ودمروا الأشجار بالفؤوس لئلا تُستخدم في عصير التفاح الصلب. 

خلّدته ديزني كمزارع تفاح ودود في فيلم Melody Time عام 1948، رغم أن النسخة التي قدّمتها لا تذكر أن تفاح جوني أبلسيد كان يُستخدَم لصنع عصير التفاح الصلب. ذُكر جوني أبلسيد كذلك في أغاني الأطفال، التي غالباً ما أكدت لطفه وإحسانه.

تبدأ إحدى الأغنيات بعبارة "كان هناك رجلٌ يُعرف بجوني أبلسيد"، ثم تقول: "بذور التفاح هي كل ما يحتاجه. زرع البساتين في طريقه من الغرب. يرتدي وعاءً على رأسه. تحت الأشجار يفرش سريره. يقول الناس تفاح جوني هو الأفضل".

علامات:
تحميل المزيد