كواحدٍ من أكبر الحيوانات المفترسة على الإطلاق، لطالما استحوذ قرش الميجالودون على خيال الناس. ولسببٍ وجيه، فقبل نحو 3 ملايين سنة، كانت محيطات الأرض خاضعةً لهيمنة نوعٍ ضخم من سمك القرش.
والحقيقة أن الميجالودون هو سمكة قرش ضخمة بشكلٍ لا يُصدّق، تخيّلوا فقط أن وزنها يعادل وزن 30 سمكة قرش بيضاء كبيرة، ويصل طولها إلى 18 متراً؛ وفوق ذلك هي مخيفة المظهر، وذات أسنان كثيرة وضخمة.
يكفي أن الاسم العلمي لقرش الميجالودون هو (Otodus megalodon)، ومعناه "السن الكبير"، وهي تسمية يسهل تفسيرها؛ فحجم أسنان هذا القرش يساوي 3 أضعاف حجم أسنان القرش الأبيض.
انقرض قرش الميجالودون، لكن هناك شائعات اليوم تقول إن تلك القروش الضخمة لا تزال على قيد الحياة، من خلال مقاطع فيديو -تنتشر على تطبيقَي تيك توك ويوتيوب- وتتكهن بالطريقة التي نجت بها تلك الأسماك المفترسة.
لكن قبل الإجابة على سؤال: "هل من الممكن فعلاً أن يكون حياً حتى اليوم، ويختبئ في أعماق المحيطات بطريقةٍ ما؟"، لنتعرف قليلاً على قرش الميجالودون.
ما هو قرش الميجالودون وماذا يأكل؟
تعود أقدم حفريات ميغالودون إلى ما يُقدّر بنحو 20 مليون سنة. وعلى مدى الـ13 مليون سنة التالية، سيطر هذا القرش الضخم على المحيطات، حتى انقرض قبل ما يقارب الـ3.6 مليون سنة.
والحقيقة أن الميجالودون لم يكن أكبر سمكة قرش في العالم فحسب، بل كان أيضاً أحد أكبر الأسماك الموجودة في المحيطات على الإطلاق. وكل من شاهد فيلم The Meg الذي صدر عام 2018، سيتذكر أن قرش الميغالودون كان بطله وهاجم مجموعة من العلماء.
لكن في الواقع، كان هذا القرش أقصر قليلاً من الوحش الخيالي الذي ظهر في فيلم The Meg وكان يبلغ طوله 23 متراً.
تشير التقديرات إلى أن طول ميغالودون الفعلي يتراوح ما بين 15 و18 متراً، ما يعني أن طوله مشابه لأكبر أسماك قرش الحوت اليوم، والتي يبلغ طول أكبرها 18.8 متر، وأطول من حيتان الأوركا القاتلة.
ووفقاً لـNational Geographic، تعتمد هذه الأرقام على حجم أسنان الميجالودون التي يمكن أن يصل طولها إلى 18 سم، لاسيما مع عدم توفر هيكلٍ عظمي كامل لقياس الطول الفعلي لهذه الأسماك الضخمة.
ووفقاً لحجم الأسنان، يُرجح أن يكون قرش الميجالودون قد أكل الحيتان والأسماك الكبيرة، وأسماك القرش الأخرى. وإذا كنت بهذا الحجم، لا بدّ أنك ستحتاج إلى تناول اللحوم والكثير من الطعام.
ووفقاً لـNatural History Museum، من الممكن أن يكون هذا القرش الضخم قد تناول الدلافين الصغيرة والكبيرة، مثل الحيتان الحدباء. كما توجد أدلة أخرى على عادات تغذية الميجالودون في شكل عظام الحيتان المتحجرة.
ففي مايو/أيار 2023، تمّ العثور على علامات أسنان قرش الميغالودون في حطام سفينة تيتانيك بعد أكثر من قرنٍ على غرقها. فقد التقطت شركة رسم خرائط صوراً لمجوهراتٍ ذهبية تظهر عليها إحدى أسنان الميجالودون النادرة، التي عثر عليها في حطام تيتانيك.
كانت المناطق الاستوائية، وشبه الاستوائية الدافئة، مركزاً لقرش الميجالودون؛ لكنه كان منتشراً على نطاقٍ واسع في جميع محيطات العالم، لدرجة أنه تم العثور على أسنانه في كل قارة باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
يمكننا حتى اليوم أن نجد الكثير من أسنان الميجالودون قبالة الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، وعلى طول السواحل، كما في قاع جداول المياه المالحة، وأنهار كارولينا الشمالية والجنوبية، وفلوريدا.
كما أن قرش الميجالودون كان موجوداً بكثرة قبالة سواحل المغرب، وأجزاء من أستراليا. يمكن حتى العثور عليه في بريطانيا.
هل يوجد قرش الميجالودون حتى اليوم؟
يُعدّ الباحث جاك كوبر رسالته في الدكتوراه، التي تدرس التنوع البحري على مر العصور. وقد أمضى سنوات في دراسة قرش الميجالودون، ويقول إنها انقرضت بصورةٍ شبه مؤكدة.
ففي حديثٍ إلى موقع Live Science الأمريكي، يقول كوبر: "أي مقترح يقول إن قرش الميجالودون ما زال موجوداً اليوم في مناطق المحيطات غير المستكشفة هو محض هراء، ولا يستند إلى أي دليل موثوق".
ورغم عدم استكشاف غالبية أجزاء المحيط، لكن كوبر يقول إن هناك العديد من الأسباب التي تنفي إمكانية اختباء الميجالودون في محيطاتنا، أوّلها أن شكل السلسلة الغذائية سيبدو مختلفاً للغاية اليوم.
وأوضح: "كانت الميغالودون من القروش الساحلية الضخمة للغاية، ولا بدّ أن نرصدها بالعين المجردة لو كانت موجودة حتى اليوم. كما كانت من المفترسين العلويين، ما يعني أنها تحتل موقعاً أعلى من أي مفترس بحري آخر في الشبكة الغذائية. وبناءً عليه، كانت تلك القروش ستُحدث أثراً ضخماً على الأنظمة البيئية للمحيط".
والحقيقة التي لا يختلف اثنان عليها أن اختفاء قرش الميغالودون كانت له تداعيات متتالية؛ فقد كانت الحيتان من فرائسه الرئيسية، وبعد انقراضه أصبحت أحجامها أكبر، لعدم وجود أي مفترس حولها يستطيع التهامها.
كما أن بعض أكبر الثدييات البحرية اليوم تطور بعد انقراض الميجالودون، ومنه الحوت الأزرق. ما يعني أن شبكة التغذية المعاصرة أصبحت بشكلها الحالي، نتيجة غياب الميجالودون جزئياً.
وفي الحقيقة، فإن فهم كيفية انقراض قروش الميجالودون مفيداً لمساعدتنا في فهم الأسباب التي ستجعله غير قادر على النجاة في محيطات اليوم. وقد يكون السبب المحدد لانقراض تلك القروش مجهولاً، لكن هناك العديد من النظريات السائدة في هذا الصدد.
يتفق كوبر مع الرأي القائل إن تغير المناخ قد يكون السبب الرئيسي لانقراض قرش الميجالودون. إذ قال إن انقراضه يُعزى بدرجةٍ كبير إلى انخفاض مستوى سطح البحر في العصر البليوسيني (قبل 5.3 مليون إلى 2.6 مليون سنة).
وأردف: "كان ذلك الانخفاض سيؤثر بدرجة دراماتيكية على الموائل الطبيعية الساحلية لقرش الميجالودون ولفرائسها على حدٍّ سواء".
ما كان يعني تقليل المساحة المتاحة أمامها للعيش، وتقليل توافر الغذاء الضروري لتزويدها بكميات الطاقة الضخمة، التي تحتاجها لتحريك أحجامها المهولة وعيش أسلوب حياتها الافتراسي.
ولا تزال مستويات سطح البحر اليوم أقل بكثير مما كانت عليه في العصر البليوسيني بشكلٍ عام، أي إن الظروف الحالية هي أبعد ما يكون عن المثالية بالنسبة لها.