مع بداية اليوم الثالث من شهر يوليو/تموز، تبدأ "أيام الكلب الصيفية"، وهي باختصارٍ الأيام التي تكون فيها درجات الحرارة بذروتها، وتعتبر الأيامَ الأكثر حرارة وقسوة في نصف الكرة الشمالي، لكن لماذا سميت بهذا الاسم؟
ما هي أيام الكلب الصيفية؟
تمتد هذه الأيام شديدة الحرارة ما بين الثالث من يوليو/تموز والحادي عشر من أغسطس/آب، وهي الفترة التي يرتفع فيها نجم سيروس في السماء والذي يُعرف أيضاً بنجم الشعرى اليمانية أو نجم الكلب، ومن هنا استمدت هذه الأيام الحارة تسميتها.
فيما مضى، ربط المنجمون ارتفاع هذا النجم في السماء بظواهر طبيعية مثل الحرارة والجفاف والعواصف الرعدية المفاجئة وغير المتوقعة، كما ربطوه أيضاً بانتشار الخمول والحمى بين الناس، وهيجان الكلاب المجنونة، وبالنسبة لكثير من المنجمين كانت أيام الكلب مقترنة بالحظ والفأل السيئ.
وترجع تسمية "أيام الكلب" إلى الحضارة الرومانية، إذ حدد الرومان الأيام الأكثر حرارة، وأطلقوا عليها هذا الاسم نسبة إلى نجم الشعرى اليمانية الذي أضافه الرومان إلى مجموعة الكلب الأكبر في القرن الخامس عشر.
وبعيداً عن درجات الحرارة المرتفعة، ونظراً إلى أن شهر يوليو/تموز هو عادةً أحد أكثر شهور السنة هدوءاً في سوق تداول الأسهم، يُستخدم مصطلح "أيام الكلب" أحياناً للإشارة إلى الخمول الذي يصيب الأسواق خلال فترة الصيف.
نجم سيروس أو الشعرى اليمانية والحضارات القديمة
لاحظ القدماء نجم الشعرى اليمانية أو نجم الكلب، لا سيما أنه الأكثر سطوعاً في سماء الليل، وذلك بسبب قربه من كوكب الأرض، إذ يبعد عنا مسافة 8.7 سنة ضوئية فقط، وهي مسافة قصيرة إذا ما قورنت بحجم الكون الضخم. وكانت لهذا النجم دلالات مميزة لدى الحضارات المختلفة حول العالم.
ففي مصر القديمة على سبيل المثال، اقترن ظهوره ببداية فصل الصيف، وعرف المصريون أن بداية أيام الكلب تعني اقتراب الموعد السنوي لفيضان نهر النيل الذي يقترن مع الخيرات المصاحبة لموسم الزراعة، لذلك كان نجم الكلب يُعبد في مصر القديمة باسم الآلهة سوبديت.
لكن لم تكن نظرة اليونانيين إلى أيام الكلب مماثلة لنظرة المصريين، فقد كانت تلك الفترة الحارة غير مستحبة في اليونان القديمة، واعتبر اليونانيون أن نجم الكلب مسؤول عن انتشار الحمى في البلاد، كذلك ارتبط ظهوره بوقوع العواصف الرعدية المفاجئة.
وقد اعتاد كهنة الجزيرة اليونانية المعروفة باسم "كين"، على تقديم أضحيات سنوية للإله زيوس "بصفته صانع المطر ورب الرطوبة"؛ وذلك أملاً منهم في أن يمنع زيوس الجفاف الحارق خلال أيام الكلب الصيفية.
أيام الكلب في الأدب القديم
ورد ذكر أيام الكلب في عدد من الكتب القديمة، على سبيل المثال أورد أرسطو ذكرها في كتابه "الفيزياء"، وأشار إليها عدد من الكُتاب والفلاسفة الآخرين على مر التاريخ.
إذ ألقى الشاعر الروماني فيرجيل في قصيدته "الجورجيون" اللوم على نجم الشعرى اليمانية الذي سبَّب الحرارة والخمول والأمراض خلال أيام الكلب.
كذلك تحدث أوديب عن "حرائق نجم الكلب المميتة"، بينما نصح عالم الطبيعة الروماني "بليني الأكبر" بإطعام الكلاب روث الدجاج خلال فترة أيام الكلب؛ وذلك للتخفيف من طبيعتهم الشرسة التي تتضخم خلال تلك الأيام.
هل نجم الشعرى اليمانية هو المسؤول عن أيام الكلب؟
اعتقد القدماء أن نجم الشعرى اليمانية، أو "نجم الكلب" هو السبب في ارتفاع درجات الحرارة في أيام الكلب، لكن العلماء اليوم يعلمون أن ظهور النجم في السماء لا علاقة له بارتفاع درجات الحرارة على الإطلاق.
ببساطة ترتفع درجات الحرارة في هذه الأيام بسبب الميل المحوري لكوكب الأرض، إذ إنّ ميل محور الأرض في أثناء فترة الصيف بالنصف الشمالي للكرة الأرضية يؤدي إلى تعرُّض الأرض لأشعة الشمس مباشرةً ولفترة أطول، ما يؤدي إلى ارتفاع واضح في درجات الحرارة.
وعلى الرغم من أن نجم الشعرى اليمانية يظهر في السماء صيفاً بالتزامن مع أيام الكلب، فإن موقعه يتغير في واقع الأمر، لكن هذا التغير بطيء للغاية، ويتوقع العلماء أن النجم سيظهر في فصل الشتاء بعد 10000 عام.