رصد علماء الفلك أكبر انفجار كوني على الإطلاق اشتعل قبل ثلاث سنوات، في حدثٍ تذهب التقديرات إلى أنه نتج عن احتشاد سحابة عملاقة من الغاز ثم ابتلاعها في ثقب أسود هائل، بحسب صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 12 مايو/أيار 2023.
الصحيفة أشارت إلى أن الانفجار الذي تتبَّعه العلماء على بعد 8 مليارات سنة ضوئية، أكثر سطوعاً بما يزيد على 10 مرات من أي "مستعر أعظم" معروف لنا، وقد استمر أكثر من 3 سنوات حتى الآن، ما يجعله الانفجار الأكثر نشاطاً على الإطلاق.
ويعرف العلماء "المستعرَ الأعظم" بأنه نجم يتألق فجأة تألقاً هائلاً، ويتضاعف إشعاعه مئات مرات، ويحدث ذلك حينما يتعرض لانفجار في كامل كتلته خلال مراحل التطور الأخيرة لحياة نجم عملاق، إذ ينفجر النجم ويقذف بغلافه في الفضاء، فيكوِّن سحابة براقة كروية من حوله، وتنتشر طاقة الانفجار في الفضاء ثم تتحول إلى أجسام غير مرئية في غضون أسابيع أو أشهر، أما مركز النجم فينهار على نفسه.
إلى ذلك، قال الدكتور فيليب وايزمان، عالم الفلك في جامعة ساوثهامبتون البريطانية الذي قاد عمليات الرصد: "بدأ الانفجار دون أن يلاحظه أحد لمدة عام حتى ازداد سطوعه تدريجياً".
ولم يقدِّر علماء الفلك هول الحدث الذي لا يكاد يُتصور، إلا حين كشفت ملاحظات المتابعة عن مدى البعد الشديد لمسافة الانفجار.
وتابع وايزمان: "تشير تقديراتنا إلى أنها كرة نارية أكبر بمئة مرة من حجم النظام الشمسي، وسطوعها يبلغ نحو 2 تريليون ضعف سطوع الشمس"، و"على مدار 3 سنوات، أطلق هذا الانفجار نحو 100 ضعف الطاقة التي يُتوقع أن تطلقها الشمس في عمرها البالغ 10 مليارات سنة".
كما يذهب العلماء إلى أن الانفجار، المعروف باسم "إيه تي 2021 إل دبليو إكس" AT2021lwx، نتج عن احتشاد سحابة ضخمة من الغاز -ربما تكون أكبر بآلاف المرات من شمسنا- ثم ابتلاعها على نحو لا مفر منه في ثقب أسود هائل. ربما تكون سحابة الغاز قد نشأت من "الدونات" (doughnut) الغُبارية الكبيرة التي تحيط عادة بالثقوب السوداء، وإن لم يتضح السبب الذي أدى إلى خروجها عن مسارها من مسارها لتسقط في هذه البالوعة الكونية.
"انفجار أشعة غاما"
لا يعد هذا الانفجار أكثر الظواهر المماثلة سطوعاً على الإطلاق، فقد رُصد العام الماضي "انفجار أشعة غاما" أكثر سطوعاً في مجرة بعيدة، وعُرف باسم "جي آر بي 221009 إيه" GRB 221009A، لكن هذا الحدث لم يستمر سوى عدة دقائق. أما هذا الانفجار، فلا يزال سطوعه بالغ القوة، ما يعني أن إجمالي الطاقة الناشئة عنه أكبر بكثير.
كما رصدت "منشأة زويكي العابرة" للمسح الفلكي في كاليفورنيا الانفجارَ لأول مرة في عام 2020، ذلك أنها تستكشف سماء الليل بحثاً عن أي زيادات مفاجئة في السطوع التي يمكن أن تشير إلى الأحداث الكونية مثل المستعرات الأعاظم أو الكويكبات والمذنبات العابرة.
لم يلتفت العلماء إلى الحدث في البداية، ولكن لما كشفت ملاحظات المتابعة حسابَ المسافة، أدرك علماء الفلك أنهم التقطوا حدثاً بالغ الندرة.
وأضاف وايزمان: "حين أخبرت فريقنا ببيانات المسافة، هالَهم الأمر جميعاً"، إذ "ما إن أدركنا مدى سطوعها الشديد، كان علينا أن نتحرى عن سبب حدوثها".
كان الانفجار يتجاوز النطاق المعروف لنا لحوادث انفجار المستعرات الأعاظم (النجوم المتفجرة)، فالتفت علماء الفلك إلى السيناريو الشائع الآخر الذي يتسبب في ومضات ساطعة في سماء الليل، وهو ما يسمى حدث "اضطراب المد والجزر"، الذي يحدث في العادة حين يكون النجم بعيداً بمسافة كبيرة عن الثقب الأسود وينفجر، ثم يبتلع الثقب جزءاً منه وتتمدد باقي أجزائه في قرص دائري.
لكن عمليات المحاكاة أشارت إلى أن هذا الانفجار "إيه تي 2021 إل دبليو إكس" يحتاج إلى نجم يزيد حجمه 15 مرة على كتلة الشمس. وقال وايزمان: "مواجهة مثل هذا النجم العملاق أمر نادر الحدوث، لذلك نرجح أن سحابة الغاز الناتجة كانت أكبر بكثير".
عادةً ما تُحاط الثقوب السوداء الهائلة بهالة شاسعة من الغاز والغبار، ويتوقع الباحثون أن بعض هذه المواد ربما تكون قد تعثرت في الخروج -ولعل ذلك بسبب اصطدامٍ للمجرات- فابتُلعت إلى الداخل. ولما تصاعدت المادة تصاعداً حلزونياً نحو أفق الانفجار المبتلع في الثقب الأسود (حدوده الخارجية الكروية)، أصدرت كميات هائلة من الحرارة والضوء، فأضاءت جزءاً من الدونات ورفعت درجة حرارته إلى ما بين 12 ألفاً إلى 12 ألف درجة مئوية.