مع نهاية القرن التاسع عشر، كانت الأمريكية جوزفين ميرتل كوربين واحدة من أشهر الشخصيات في مجال العروض و"الترفيه" على الصعيد الوطني، لم يكن ذلك بسبب صوتها الغنائي أو قدرتها على التمثيل. لكنها عرضت حالتها الغريبة، باسم الفتاة ذات الأربعة أرجل.
الفتاة ذات الأربع أرجل: حمل طبيعي وولادة فاجأت الجميع
في عام 1865 تزوج ويليام كوربين، وهو جندي سابق، نانسي سولينز. وكان هذا زواج نانسي الثاني، وقد أنجبت بالفعل من زواجها الأول فتاة تتمتع بكامل صحتها.
سرعان ما أنجب الزوجان ويليام ونانسي، طفلتين بصحة جيدة، وبعدها بسنوات حملت نانسي بطفلة ثالثة، ولم يكن هناك أي شيء غير طبيعي، أثناء فترة حمل وولادة نانسي لطفلتها الرابعة، لكن مع بداية عملية الولادة صُدم الأطباء بما رأوه.
كان جذع الطفلة الرضيعة طبيعياً ويتمتع بصحة جيدة، لكنها كانت بحوضين ملتصقين وأربع أرجل. من الخارج كان زوج الأرجل طبيعياً، على الرغم من أن القدم اليمنى عرجاء، ومن الداخل كان هناك زوج من الأرجل لكنهما أصغر، وكانت الأرجل الأربع تتحرك مع فارق أن الأرجل الصغيرة كانت حركتها أضعف.
بحسب مقال صحفي عام 1868، كتب الأطباء شهادتهم عن ولادة وصحة "الفتاة ذات الأربع أرجل" جاء فيها:
"تمتلك الرضيعة جوزفين ميرتل كوربين 4 أرجل وعضوين أنثويين خارجيين، مع فتحتين خارجيتين في مجرى البول. تختلف الأعضاء البولية والتناسلية الخارجية كما لو كانت تنتمي إلى شخصين منفصلين.
الرأس والجذع هما لرضيع واحد، يتمتع بصحة جيدة ونشط، ويبلغ (وقت كتابة المقال) نحو خمسة أسابيع من العمر، بينما ينقسم الجزء السفلي بالقرب من نهاية العمود الفقري، إلى قسمين مختلفين".
ويستمر الأطباء بالقول: "بقدر ما أمكننا فحصنا للطفل، فإننا قادرون على الاعتقاد بأن الجزء السفلي من العمود الفقري منقسم أو مشقوق، وأن هناك حوضين يدعمان أطرافه الأربعة".
كانت كلمات الأطباء قاسية ووصفهم لجوزفين بـ"الوحش"، في الخلاصة قال الأطباء: "في الواقع هذه الحالة تفوق التوقعات، ونرى أن هذا الوحش الحي المثير للاهتمام يتجاوز في تجسيده المثير للفضول قوى الطبيعة في الإنتاج غير الطبيعي، لحالة (التوائم السيامية) الشهيرة".
اعتبرت قضية جوزفين ميرتل كوربين شكلاً نادراً من أشكال التوائم الملتصقة، التي تسمى "الديبيجوس". وهو تشوه خلقي شديد، حيث يتشعب الجسم على طول الجذع مع تضاعف الطرف الأسفل (الحوض والساقين)، حيث تظهر أطراف سفلية مكررة ويمكن أن تشمل أعضاء إضافية أو هياكل جسدية.
استغلال حالة الفتاة ذات الأربع أرجل في عرض "للمسوخ"
واجه والد جوزفين تحدياً في توفير المال لعائلته، كان يعاني من إعاقة إلى حد ما بسبب إصابة أثناء مشاركته في الحرب الأهلية الأمريكية، وعندما كانت ميرتل تبلغ من العمر خمسة أسابيع تقريباً، كان الجيران فضوليين بشأن مظهرها النادر.
لذلك قرر الأب جني الأموال عن طريق فرض رسوم لإلقاء نظرة على ابنته مقابل سنت واحد لكل شخص.
مع مرور السنوات، كبرت جوزفين وعلى الرغم من حالتها، فإنها لم تسمح بتأثر نظرتها للحياة، فعاشت حياتها على أكمل وجه. وعلى مدى السنوات التالية، حاولت التعود على الأشخاص الذين يحدقون فيها بتعجب ودهشة.
عندما كبرت جوزفين، اعتمدت على ساقيها الخارجيتين للمشي، على الرغم من صعوبته، لأن ساقيها الداخليتين لم تتطورا أو تنموا بشكل طبيعي، وكان يمكنها الإحساس بهما وتحريكهما، لكن لا يمكن الاعتماد عليهما.
في الـ13 من عمرها، سافرت جوزفين إلى مدن مختلفة بصحبة والدها، لأداء عروض يطلق عليها العروض الجانبية أو "عروض المسوخ" "Freak show"، مكنتهما تلك العروض من كسب كثير من المال. ودخلت كوربين حياة العروض بلقب "الفتاة ذات الأربع أرجل من تكساس".
جوزفين ميرتل كوربين تلتقي حب حياتها وزوجها المستقبلي
في الوقت الذي بلغت فيه سن 14 عاماً، حصلت جوزفين على عقد للظهور في "عرض المسوخ" براتب مرتفع بشكل غير عادي قدره 250 دولاراً في الأسبوع، وهو ما يعادل نحو 8000 دولار في وقتنا الحالي. ومع ذلك، كانت الفتاة المراهقة قد سئمت من كل الاهتمام والفضول لما كان يحدث تحت تنورتها، فقررت الاعتزال.
بمجرد توقف جوزفين عن الأداء، ظهر العديد من النساء ذوات 4 أرجل، لكنهن كن مزيفات ويضعن أرجلاً صناعية من أجل كسب المال والمشاركة في العروض. وفي سن 19 عاماً، ارتبطت جوزفين بطبيب يدعى جيمس كلينتون بيكنيل.
بسبب السفر المستمر كانت جوزفين فتاة ذكية ومثقفة، ورغم تقدم عدة أشخاص لطلب يدها، قبل جيمس،ف فإنها رفضتهم جميعاً، لأنهم كانوا أكثر اهتماماً بقدرتها على جني الأموال بدلاً من أي اهتمام رومانسي حقيقي. لكن جيمس كان مختلفاً، لأنه كان طبيباً ولم يكن بالضرورة بحاجة إلى دخل إضافي، لذا عندما كان يتودد إليها، أخذت جوزفين طلبه على محمل الجد، وتزوجا في 1886.
حمل مفاجئ ومخاطر صحية على الفتاة ذات الأربع أرجل
في ربيع عام 1887، بعد نحو عام من زواجها عانت جوزفين ألماً في جانبها الأيسر، مع الحمى والصداع وانخفاض الشهية، وعند زيارتها الطبيب لاحظ أن القيء وانقطاع الطمث استمرا شهرين.
عند فحصها كانت المفاجأة: اكتشف الطبيب وجود رحمين منفصلين لدى جوزفين، وأن الرحم الأيسر يحوي جنيناً، وعلى الرغم من فرحة جوزفين وزوجها بالحمل، فإن تلك الفرحة لم تدم طويلاً، تسبب الحمل في إصابة جوزفين بمضاعفات صحية خطيرة، وبعد التشاور بين الأطباء، قرروا إجراء عملية إجهاض بعد ثمانية أسابيع من فحصها الأولي.
لكن الحظ ابتسم مرة أخرى لجوزفين، وبعد فترة من تعافيها تماماً، لم يمنعها الإجهاض السابق ولا وضع جسدها الفريد، من الحمل مرات أخرى وإنجاب 3 أطفال بصحة جيدة، أشارت إحدى المقالات الصحفية إلى أن جوزفين كانت بصحة بدنية جيدة، وقادرة على أداء جميع واجباتها المنزلية، بينما وُصفت في مكان آخر بأنها ذكية جداً.
عام 1928 وعن عمر يناهز 59 عاماً وحياة حافلة، أصيبت جوزفين ميرتل كوربين، بعدوى جلدية لم يكن لها علاج في عشرينيات القرن الماضي. ورحلت جوزفين عن عالمنا، تاركةً وراءها عائلة مُحبة وقصة لا تصدَّق عن الإصرار وحب الحياة.
حتى بعد وفاتها لم يترك الفضوليون جثمانها يرقد بسلام، كان الأطباء وأصحاب عروض المسوخ، على استعداد لدفع كثير من المال مقابل جثتها، لكن عائلتها رفضت بشكل قاطع، واحترمت رغبتها أثناء حياتها في اعتزال تلك العروض.
بعد وضع جثمانها في القبر، صبت عائلتها كمية من الخرسانة فوق القبر؛ لمنع سرقة جثتها، فيما راقب أفراد عائلتها القبر لعدة أيام حتى جفت الخرسانة بما يكفي لتجنب سرقة جثة ابنتهم من قبل لصوص القبور، لتنتهي معها قصة حياة "الفتاة ذات الأربع أرجل".