هل تساءلتم يوماً: لماذا تميل الكلاب برؤوسها؟
في لوحة His Master's Voice الشهيرة، يظهر كلبٌ من سلالة "ترير" (Terrier) وهو يميلُ برأسه أثناء استماعه إلى صوت صاحبه الصادر من جهاز "غراموفون". وعنوان اللوحة التي رسمها الفنان الإنجليزي فرانسيس بارو في أواخر القرن 19، سيصبح لاحقاً اسماً لشركة تسجيل بريطانية كبرى (HMV).
الكلب الموجود في لوحة His Master's Voice يعود للرسام الإنجليزي نفسه، ويُدعى Nipper، والإيماءة التي يقوم بها تعتبر واحدة من أكثر الإيماءات المألوفة لدى أصحاب الكلاب.
لكن، لماذا تميل الكلاب برؤوسها؟
في دراسة نُشرت في دورية Animal Cognition عام 2021، أجرى باحثون من المجر أول تحقيقٍ علمي حول حركة الرأس عند الكلاب- وهذه بحدّ ذاتها مفاجأة- فوجدوا أن الكلاب قد تميل برؤوسها حين تتذكر تفاصيل مهمة بالنسبة إليها.
ووفقاً لأندريا سوميز، الباحث الرئيسي في الدراسة والمتخصّص في علم سلوك الحيوان، فإن إمالة الكلاب لرؤوسها هو سلوك معروف إلى حدٍّ ما، "لكن ما كان مثيراً للدهشة بالنسبة لي هو عدم البحث عن هذا الأمر من قبل".
في دراسة سابقة نُشرت عام 2021 في Scientific Reports، حلَّل سوميز وزملاؤه مقاطع فيديو من جميع أنحاء العالم يطلب فيها أشخاص من كلابهم الأليفة إحضار لعبتهم بعد نطق اسمها.
ورغم فشل 33 كلباً في أن يتعلموا أسماء أي ألعاب جديدة بعد 3 أشهر من التدريب، استطاعت 7 كلاب مميزة أن تحفظ أكثر من 10 أسماء خلال تلك الفترة، في حين نجحت كلبة واحدة من سلالة "بوردر كولي" (وتُدعى "ويسكي")، في التعرّف على 54 لعبة.
لاحظ الباحثون، أثناء تلك الدراسة، أن جميع الكلاب مالت برؤوسها أثناء الاختبارات. وانطلاقاً من هنا، بدأوا يحققون في توقيت إقدامها على تلك الحركة.
في الدراسة اللاحقة، التي نُشرت في Animal Cognition، وجد العلماء أن الكلاب الموهوبة والمدرّبة كانت تميل برؤوسها في 43% من الوقت حين كان يُطلب منها إحضار اللعبة بنطق اسمها (اسم اللعبة). في المقابل، أمالت الأخرى رؤوسها في 2% فقط من هذه الحالات.
سلوكيات الكلب مرتبطة بالإدراك الصوتي
وفي حديثٍ إلى موقع Live Science الأمريكي، أكد أندريا سوميز، الباحث الرئيسي في الدراسة: "نحن لا نزعم أن إمالة الرأس تقتصر على الكلب الذكي أو المدرّب فقط. في الواقع، كل الكلاب تميل برؤوسها، لكن في هذا الموقف المُحدّد أظهرت الذكية فقط تلك الإيماءة اللطيفة".
تشير تلك النتائج إلى أن إمالة الكلب لرأسه ترتبط بالأصوات، التي تعلَّم أنها تُشير إلى شيء مهم. وقد تميل رؤوسها في عدد من المواقف، لكن يبدو أنها تفعل ذلك فقط عندما تسمع شيئاً مهماً بالنسبة لها.
وهذا السلوك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإدراك الصوتي لدى هذه الحيوانات الأليفة، وقد تفعله عندما تحاول الإنصات إلى شيء ما، أو عندما تكون مرتبكة بعض الشيء، تماماً كما يفعل البشر.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن اتجاه ميل الرأس كان ثابتاً لدى الكلاب الذكية على مدار 24 شهراً من الاختبارات، لكن اتجاه إمالة الرأس عند الأخرى اختلف. وفقاً للعلماء، يشير ذلك إلى أن جانباً واحداً من دماغ كل كلب قد يفضل النشاط العقلي، الكامن وراء إمالة الرأس.
وأوضح العلماء أنه، مثلما يفضل البشر عادةً استخدام يد واحدة على الأخرى، يشير العديد من سلوكيات الكلاب إلى تفضيلها استخدام أحد جانبَي جسدها على الأخرى. ما يدفعنا لنسأل:
هل تفهم الكلاب لغة البشر؟
باستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي، استطاع علماء مجريون قياس نشاط مخ الكلب عندما يتلقى الأوامر لفظياً من صاحبه.
وفي دراسةٍ صدرت عام 2016، تبيّن أن هذه اليحوانات تنمّي مهارات معينة للتعرّف على الكلمات والمعلومات في مواقع مختلفة من دماغها، بطريقةٍ تتشابه كثيراً مع كيف ينمّي الإنسان مهاراته.
يمكن لهذه الحيوانات الأليفة أن تميّز الألفاظ من خلال الأصوات، فتفرّق بين المدلولات اللغوية. يعني مثلاً يستطيع الكلب أن يفرّق بين قول صاحبه Good Bye أو Good Boy؛ لذلك تختلف استجابته بين اللفظين، فهو يميّز اللكنة التي تُقال فيها الكلمات.
بحسب الدراسة، يوضح العلماء أنه مثلاً عندما يسمع الكلب صوتك عبر الهاتف، فهو لا يرى تعابير أو حركة جسمك؛ ما يعني أنه يتعاطى مباشرة مع المعلومات الصوتية. وقد كانت المفاجأة أن للكلاب القدرة على إدراك المعنى من خلال نبرة الصوت، ولا يتعلق الأمر عنده باللغة البصرية.
والكلب، بحسب الدراسة، يتميز بإدراكها للمكان من خلال التقليد والتماهي. فهو يتبعنا ويعرف أين نذهب، من خلال التصرفات المصحوبة بعملية ما قبل الذهاب، كأن نرتدي ملابس معيّنة.
ملابس الرياضة تعني أنك ذاهب إلى الرياضة، أما ملابس العمل فهي مختلفة، لهذا لا يمكن لنا أن نخدع الكلب مهما كانت نبرة صوتنا. ولو حاولنا الخداع سيعرف ذلك في حال رافقتنا في مشوارنا.
فللكلب ذاكرة بصرية أيضاً، ويمكنه أن يميّز بين الطريق إلى عيادة الطبيب والطريق إلى المتجر. إنها ببساطة تتبع عاداتنا وطريقة حياتنا، وتفهمنا أكثر مما قد نتصوّر.