تبحث كوريا الجنوبية بمزيد من الاستماتة عن طرق لرفع معدل المواليد الذي سجّل انخفاضاً قياسياً، في ظل سعيها لعكس الاتجاه الذي يخاطر بدفعها نحو كارثة اقتصادية، لكن هذه الأفكار التي تسعى البلاد لتطبيقها تواجه انتقادات، وفق ما ذكرته صحيفة The Guardian البريطانية، الخميس 30 مارس/آذار 2023.
من بين المقترحات التي ظهرت في الأيام الأخيرة؛ إعفاء الرجال الذين لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر بحلول سن الثلاثين من التجنيد العسكري الإجباري، و"إهداء" الوالدين إعفاءات ضريبية كبيرة بناءً على عدد أطفالهما. وهناك اقتراح آخر قدمه عشرات المُشرّعين، من شأنه السماح لعمال المنازل الأجانب بالعمل في كوريا الجنوبية بأجر أقل من الحد الأدنى للأجور؛ في محاولة لتخفيف عبء الأعمال المنزلية على العائلات.
بيد أنَّ هذه التحركات أثارت غضب قطاعات من المجتمع الكوري الجنوبي، وأثارت مجموعة من الانتقادات ضد تقنين العبودية الحديثة وتفضيل الرجال على النساء. ويأتي الضغط من أجل أفكار جديدة في الوقت الذي تواصل فيه البلاد صراعها مع أدنى معدل مواليد في العالم، والذي انخفض إلى رقم قياسي جديد آخر العام الماضي.
فقد انتقد نشطاء حقوق المرأة فكرة الإعفاء من التجنيد باعتبارها تفيد الرجال فقط، زاعمين أنَّ المشكلة ليست انخفاض معدل المواليد، لكن التمييز. وكتبوا في بيان مشترك: "ما نحتاجه ليس الإعفاء من الخدمة العسكرية، بل مجتمع لا تتعطل فيه الحياة المهنية للمرأة حتى بعد الولادة… ومن الطبيعي أن يشارك الرجال في رعاية الأطفال والأعمال المنزلية".
"العبودية الحديثة" في كوريا الجنوبية
كما أدى مشروع قانون العمال الأجانب الذي من شأنه استثناء هؤلاء العمال من قانون الحد الأدنى للأجور، إلى انقسام في الآراء. ويجادل مؤيدو النظام بأنَّ توفير الطعام والإقامة لهؤلاء العمال يجعلها صفقة أفضل مما يمكن لهم الحصول عليه في بلدانهم الأصلية.
فيما أيدت صحيفة Chosun Ilbo المحافظة مشروع القانون. وذكرت الصحيفة في افتتاحية: "في هذه الحالة المُلِحة، إذا لم نحاول حتى اتخاذ تدابير جريئة ومتنوعة لرعاية الأطفال، فسنكون أكثر انعداماً للمسؤولية".
على الجانب الآخر، انتقد حزب العدالة المعارض الخطوة، ووصفها بأنها أقرب إلى "العبودية الحديثة" ومحاولة "إضفاء الشرعية على التمييز العنصري". كما وصفها أعضاء النقابات العمالية بأنها خطوة "عفى عليها الزمن".
حسب الصحيفة البريطانية فإن هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها معدل المواليد المنخفض في البلاد موضع جدل.
16 عاماً من السياسات فشلت
برغم أنَّ المقترحات الأخيرة قوبلت بانتقادات، فإن كوريا الجنوبية تتعرض لضغوط متزايدة لمعالجة معدل المواليد الضعيف. وتؤدي هذه المشكلة إلى تفاقم التحديات التي تفرضها شيخوخة السكان، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير سلبي في اقتصاد الدولة والقوى العاملة والقدرات الدفاعية.
حيث طالب رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، الحكومة بوضع "إجراءات جريئة ومضمونة" لمعالجة هذه القضية. ومن المتوقع أن يعلن مكتبه عن استراتيجية طويلة المدى في غضون الأشهر القليلة المقبلة.
كما أعلنت إدارة يون بالفعل زيادة العلاوة الشهرية للآباء والأمهات الذين لديهم أطفال حتى سن عام واحد، إلى 700000 وون (535 دولاراً). ومن المقرر أن يرتفع هذا المبلغ إلى مليون وون، العام المقبل.
في اجتماع الثلاثاء 28 مارس/آذار، لمعالجة هذه القضية، أعلن الرئيس أنَّ إنفاق 280 تريليون وون على مدى الأعوام الـ16 الماضية لعكس انخفاض معدل المواليد قد "فشل"، مشيراً إلى أنَّ القضية "متداخلة… مع القضايا الاجتماعية" الأخرى؛ مثل الرفاهية، والتعليم والوظائف والسكن ومتابعة المرأة للأنشطة الاقتصادية.
فيما أشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أن كوريا الجنوبية تمتلك بعضاً من أطول ساعات العمل في العالم المتقدم، وتُصنَّف باستمرار ضمن الدول ذات أدنى معدلات تكافؤ الفرص في مكان العمل للمرأة.