يعرف عالمنا العديد من الألغاز التي حدثت عبر التاريخ، والتي لم يوجد لها حل إلى يومنا الحالي، إذ تعتبر إحداها أحد أشهر الألغاز في تاريخ الولايات المتحدة، إذ لا يزال البحث جارياً عن سر اختفاء أكثر من 100 شخص لأكثر من أربعة قرون.
نعود بالتاريخ إلى أواخر القرن السادس عشر، وبالتحديد إلى مستعمرة رونوك في الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر هذه الأخيرة أول مستعمرة بريطانية في القارة الأمريكية، وانقسمت المستعمرة إلى ثلاثة أقسام.
التاريخ ما قبل الاختفاء الغامض
قبل ثلاث سنوات من حادث الاختفاء الشهير انطلق جون وايت، وهو فنان ورسام خرائط لديه شغف باستكشاف المناطق الجديدة في رحلة استكشافية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف رسم الخرائط، إلا أن هذه الرحلة عرفت بالمشؤومة، إذ كانت نسبة النجاة منها ضئيلة بسبب حرب نشبت بين المستوطنين القادمين من بريطانيا والسكان الأصليين للمنطقة.
رغم الأيام الصعبة الذي عاشها معظم البريطانيين في المنطقة إلا أن عدداً منهم قرر فيما بعد التوجه مرة أخرى إلى المستوطنة بعد مرور ثلاث سنوات على الحادث، وذلك سنة 1587، من بينهم وايت الذي ظل متحمساً للعودة إليها، لدرجة أنه عين حاكماً مرتقباً للمستعمرة.
لم يكتفِ وايت بقبول العرض، بل أقنع عائلته أيضاً، انطلق بعدها هو وزوجته وبنته و115 شخصاً آخرين إلى المستعمرة المحفوفة بالمخاطر للبحث عن مغامرة جديدة ومكان للاستقرار، كانت البعثة هذه المرة مختلفة عن سابقتها، إذ حملت ضمنها نساءً وأطفالاً على عكس الرحلات الأولى.
لم تكن الأسابيع الأولى للاستيطان سهلة؛ إذ قتل قرابة 15 شخصاً على يد السكان الأصليين للمنطقة، حسب ما جاء بالموقع الأمريكي "nationalgeographic". كانت بداية هذه الحادثة عندما قام أحد المستوطنين البريطانيين بشن غارة على إحدى القبائل الودودة من السكان الأصليين للمنطقة.
استمرت الأوضاع على ما هي عليه إلى حين ولادة أول طفلة في صفوف المستوطنين ، ما جعل الأوضاع تستقر نوعاً ما، لكن مع نقص الإمدادات القادمة من السفن بدأت مهمة البحث عن الإمدادات.
لهذا كان على وايت التوجه إلى إنجلترا والعودة بالإمدادات للمستوطنة، لكنه كان مترداً في ذلك؛ إذ لا يريد أن يترك عائلته وحفيدته في المستوطنة، إلا أنه انطلق برفقة عدد من الرجال إلى إنجلترا على أمل العودة قبل موسم تساقط الثلوج بالمنطقة.
حرب بريطانيا وإسبانيا المفاجئة
بعد رحلة دامت عدة أيام تلقت الملكة إليزابيث الأولى خبر انطلاق سفن إسبانية لغزو بريطانيا، ما جعلها تعلن مواجهة الإسبان في حرب البحار، منعت السفن البريطانية من مغادرة الميناء، ما جعل وايت يتأخر عن العودة للمستعمرة.
كان وايت يائساً، وبعد ما يقرب من عام من البحث غير المجدي، وجد أخيراً سفينتين صغيرتين جداً وخشنتين بحيث كانتا مفيدتين في الدفاع عن إنجلترا. أقنع أصحابهما بضرورة الإبحار في المحيط الأطلسي.
لم تصل السفن الصالحة للإبحار إلى جزيرة رونوك. إذ تعرضوا للهجوم في الطريق من قبل القراصنة الفرنسيين، الذين أخذوا جميع المواد المخصصة لمستعمري رونوك. بعد ذلك بعامين من الحادثة، عندما كان الأسطول الإسباني حطاماً في قاع المحيط، عاد وايت أخيراً إلى رونوك.
كان رجلاً محطماً تقريباً. كانت الرحلة سيئة مرة أخرى، حيث فقد سبعة بحارة في الهبوط في رونوك وحدها. وقد ابتلي بمعرفة أنه متأخر جداً، وطئت قدمه أرض كارولينا الشمالية في اليوم نفسه الذي ولدت فيه حفيدته قبل ثلاث سنوات.
عندما وصل إلى المستوطنة، في صدى غريب لاكتشاف المستعمرين قبل ثلاث سنوات، وجد أن فرجينيا "مستوطنة رونوك" لم تكن موجودة فحسب، بل لم يكن هناك أحد، كما لم تكن هناك أي آثار لحرب أو غارة مفاجئة، إلا أن القوارب كانت مختفية.
الاختفاء الغامض لمستعمرة رونوك البريطانية
حسب موقع "all that's interesting" خلال البحث عن سكان المستوطنة وجد وايت رسالة منحوتة على إحدى الأشجار في المنطقة وتحمل كلمة "Croatoan"، وهو اسم إحدى القبائل الأصلية للمنطقة، ما عزز فكرة انتقال القبيلة للعيش هناك.
فيما تقول بعض الفرضيات أن القبيلة قد ماتت بسبب بعض الأوبئة المنتشرة بسبب نقص المناعة الناتج عن عدم وجود الإمدادات الأساسية للعيش بعد انطلاق الحرب الإسبانية البريطانية، بالإضافة إلى انتقال بعض الناجين للعيش مع قبائل مختلفة من السكان الأصليين للمنطقة.
بحلول القرن التاسع عشر، ادعى عدد من قبائل كارولينا الشمالية أنهم ينحدرون من مستعمرة رونوك المفقودة، ولكن مع مرور السنين، أصبح من المستحيل تقريباً التحقق من صحة أقوالهم.
حسب موقع "history" كشفت الحفريات في جزيرة هاتيراس، التي كانت تسمى ذات مرة Croatoan، عن قطع أثرية مثيرة للاهتمام، ولكن لا شيء يمكن أن يُنسب بشكل قاطع إلى مستعمرة روناك.
يعتقد الكثيرون أن 400 عام من تآكل السواحل هي السبب في عدم وجود أدلة، كما أعطى اكتشاف رقعة غامضة على إحدى خرائط جون وايت أملاً جديداً لعلماء الآثار، الذين يعتقدون أن رمز الحصن المغطى بالورق، والذي يظهر فقط عند وضع الخريطة فوق مصدر الضوء، قد يشير إلى معسكر سري غير محفور.
سلك آخرون طريقاً مختلفاً، بحثاً عن أدلة في الحمض النووي لسكان اليوم. لقد قاموا بدعوة الأشخاص من أصول أمريكية أصلية وأولئك الذين لديهم ألقاب تتطابق مع مستعمر رونوك لتزويدهم بالحمض النووي، في محاولة لتوضيح الغموض مرة واحدة وإلى الأبد.
إذا أثبتت جهودهم نجاحها، فربما في الوقت المناسب سيتم العثور على مستعمرة رونوك المفقودة، ما يضع نهاية لـ400 عام لجون وايت.