وصل الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية إلى أدنى مستوى سُجل له على الإطلاق، في شهر فبراير/شباط 2023، بحسب ما أظهرته تسجيلات الأقمار الصناعية التي تساعد العلماء منذ 44 عاماً على تتبع مقدار الجليد الذي يطفو على المحيط، حول ساحل القارة القطبية الجنوبية البالغ طوله 18 ألف كيلومتر.
صحيفة The Guardian البريطانية ذكرت، السبت 4 مارس/آذار 2023، أن المياه المحيطة بالقارة تشهد تحولات هائلة كل عام، إذ يبلغ الجليد البحري ذروته عند نحو 18 مليون كيلومتر مربع في شهر سبتمبر/أيلول من كل عام.
لكن الجليد البحري انخفض إلى ما يزيد قليلاً على مليوني كيلومتر مربع في شهر فبراير/شباط 2023، وخلال عقود من متابعة الأقمار الصناعية لمقدار الجليد، لم يُسجل قط مستوى أقل له من الذي كان عليه في فبراير/شباط الماضي.
تُشير الصحيفة إلى أنه في صيف عام 2022، انخفضت كمية الجليد البحري إلى 1.92 مليون كيلومتر مربع، لكن في 12 فبراير/شباط 2023، تحطم هذا المستوى القياسي لعام 2022، إذ استمر الجليد في الذوبان، ليصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 1.79 مليون كيلومتر مربع في 25 فبراير/شباط ليحطم المستوى القياسي السابق بمقدار 136 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تزيد على مساحة تسمانيا بالضعف.
يُعد مصير القارة القطبية الجنوبية- خاصة الجليد على الأرض- أمراً مهماً، لأن القارة تحوي جليداً يكفي لرفع مستوى سطح البحر عدة أمتار في حال ذوبانه.
صحيفة The Guardian نقلت عن عدد من العلماء قولهم، إنه صحيح أن ذوبان الجليد البحري لا يرفع مستويات سطح البحر مباشرة لأنه يطفو بالفعل على الماء، إلا أن له تأثيرات غير مباشرة.
إذ يساعد الجليد البحري على صد تأثير العواصف على الجليد المتصل بالساحل، ولو بدأ يختفي لفترة أطول، فقد تؤدي حركة الموجات المتزايدة إلى إضعاف تلك الجروف الجليدية العائمة التي تعمل بدورها على تثبيت الصفائح الجليدية الضخمة خلفها على الأرض.
كذلك فإن أحد مصادر القلق الرئيسية ذوبان الجليد الملحوظ حول بحري أموندسن وبلنغهاوزن في غرب القارة، فحتى مع نمو متوسط كمية الجليد البحري حول القارة حتى عام 2014، شهد هذان البحران المتجاوران خسائر في جليدهما.
تنبع أهمية هذه المنطقة من كونها موطن جليدة ثويتس، المعروفة باسم "جليدة نهاية العالم"، لأنها تحوي كمية من المياه تكفي لرفع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر.
ويقول البروفيسور مات إنغلاند، عالم المحيطات والمناخ بجامعة نيو ساوث ويلز: "بدأنا نرى علامات ربما تدل على ارتفاع درجات الحرارة وانحسار الجليد البحري في القارة القطبية الجنوبية. ورؤيتها تصل إلى هذه المستويات تثير القلق بكل تأكيد، لأنها قد تزداد".
تُشير الصحيفة البريطانية إلى أن من الصعب دراسة القارة القطبية الجنوبية لا لأنها نائية فقط، وإنما أيضاً لصعوبة جمع البيانات عن القارة المعرضة لتغيرات هائلة في الرياح والعواصف من جميع الجهات.
من جانبه، قال الدكتور تيد سكامبوس، خبير الجليد البحري في جامعة كولورادو بولدر: "منذ عام 2016 تراجع الجليد البحري بدرجة ما، خاصة مع هذه المستويات القياسية التي حدثت على مدار سنوات متتالية، وهذا يجعل المجتمع العلمي يتساءل إن كان هذا مرتبطاً بتغير المناخ على مستوى العالم".
أضاف سكامبوس أنه رغم أن هذا الرقم القياسي الأخير ربما يكون مرتبطاً جزئياً بظاهرة "النينا المناخية" التي عادةً ما ترسل رياحاً دافئة إلى شبه جزيرة القارة، فهذا لا يفسر ذوبان الجليد في مناطق أخرى.
سكامبوس تابع أنه "ما زلنا نحاول استيعاب الاختلاف الآن. ولكن من الواضح أن تراجع مستويات الجليد البحري سيكون له تأثير على الجليد القاري، لأن جزءاً كبيراً من الساحل سيكون مكشوفاً".
أما الدكتور أريان بوريش، عالم المناخ في جامعة موناش، فقال: "قد تبدو القارة القطبية الجنوبية بعيدة، لكن التغيرات حولها يمكن أن تؤثر على المناخ العالمي، وذوبان الصفائح الجليدية يؤثر على المدن الساحلية على مستوى العالم. ولا ينبغي لأحد أن يستهين بما يحدث في القارة القطبية الجنوبية".
كان علماء قد أعلنوا في مارس/آذار 2022، أنَّ جرفاً جليدياً بحجم مدينة نيويورك قد انهار في شرق القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) بعد ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، وأشار موقع Axios الأمريكي إلى أن ذوبان المياه المتجمدة في شرق القارة القطبية الجنوبية، سوف يرفع مستويات سطح البحر لأكثر من 160 قدماً (48.7 متر) حول العالم.