اشتهر بلقب "الهاكر المبتسم"، وأصبح البعض يعتبره بطلاً، وأسطورة في مجال القرصنة الإلكترونية، بعد انتشار خبر اعتقاله في تايلاند، بتهمة قرصنة العديد من الحسابات البنكية عبر العالم وسرقة أموالها، ثم التبرع بها إلى دولة فلسطين، والجمعيات الخيرية في إفريقيا.
إنه الشاب الجزائري حمزة بن دلاج، الذي تم إدراج اسمه في قائمة أخطر 10 هاكرز في العالم، بعد أن قام بتطوير فيروس للحاسوب، يقوم من خلاله باختراق أنظمة العديد من البنوك العالمية، في الفترة ما بين 2010 و2012، وسرقة أموالها، والمعلومات الخاصة بالعملاء، من أجل بيعها بمبالغ مالية مهمة.
حمزة بن دلاج.. من مهندس كمبيوتر إلى "هاكر"
وُلد حمزة بن دلاج سنة 1988، في مدينة تيزي وزو المتواجدة شرق العاصمة الجزائر، وبعد أن وصل إلى سن المراهقة، أصبح مهتماً بكل ما له علاقة بعلوم الحاسوب والتكنولوجيا، وأصبح يقوم برصد بعض الثغرات المتواجدة في أنظمة بعض الشركات الكبرى، ومراسلتها من أجل إصلاحها؛ إذ كان يجني مبالغ مالية كبيرة جداً من خلال هذا العمل الذي يقوم به، وعمره لم يتجاوز حينها 20 عاماً.
اختار بن دلاج تخصص الإعلام الآلي بعد التحاقه بالجامعة، وتخرج سنة 2008، كما درس هندسة الكمبيوتر، وأصبح خبيراً في كل ما له علاقة بالحاسوب، إذا استمر في العمل مع الشركات العالمية، التي تعاني من ثغرات في نظامها الرقمي.
وفي سنة 2010، وخلال عملية البحث عن زبائن جدد من أجل حل مشكلة الثغرات التي يعانون منها، وصل بن دلاج إلى ثغرة في الحساب المالي لأحد البنوك الفرنسية، وقرر سرقة المال منه، وتحويله لحساب فتحه في تايلاند، عوض الاكتفاء بالمبلغ المالي الذي سيصله من البنك مقابل خدماته.
اخترق أنظمة 217 بنكاً حول العالم
تمكن بن دلاج من إتمام مهمته بنجاح، وقام بتحويل ملايين الدولارات إلى الحساب الذي فتحه خارج الجزائر، إذ قام بصرف بعض تلك الأموال، فيما ترك مبلغاً مهماً منها مجمداً في الحساب.
وخلال نفس السنة، 2010، طوَّر حمزة بن دلاج برنامج قرصنة خاصاً به، يسمى "Spy Eye"، رفقة صديق له من روسيا، وتمكن من خلاله، وإلى غاية سنة 2012، من اختراق حسابات 250 بنكاً حول العالم أغلبها في أمريكا، والسطو على أموالها.
وحسب المعلومات التي تم الكشف عنها، من طرف مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي"، كما أوردت العديد من الصحف العالمية، فقد حوَّل بن دلاج وشريكه مبالغ مالية إلى حساباتهم، وصلت قيمتها إلى ما يعادل 3.4 مليار دولار.
ليس هذا فقط، فقد تم الكشف عن قيامه باختراق حسابات شركات كبرى عبر العالم، وتسببه في إفلاسها، إضافة إلى اختراقه مواقع مؤسسات وشركات إسرائيلية.
سحب المال المسروق من تايلاند فقُبض عليه
تزوج حمزة بن دلاج ورُزق بطفلة واحدة، خلال الفترة التي امتهن فيها القرصنة، وفي يناير/كانون الثاني 2013، قرر السفر إلى تايلاند من أجل قضاء عطلته رفقة عائلته الصغيرة.
لم يكن الشاب الجزائري حينها يعلم أن "إف بي آي" كان يراقب حسابه في تايلاند، والذي خبَّأ فيه الأموال التي سرقها خلال أول عملية قام بها، وذلك لأن الشرطة تمكنت من الوصول إلى المكان الذي حُولت إليه الأموال، دون معرفة القائم على هذه العملية.
ومباشرة بعد إتمامه وعائلته إجراءات الدخول إلى البلاد، توجَّه بن دلاج إلى أقرب آلة صرف، وقام بأول عملية سحب للمال من الحساب الذي كان مجمداً قبل 3 سنوات.
وفي تلك اللحظة بالضبط، أصبحت هوية حمزة مكشوفة لدى الشرطة التايلاندية، وأجهزة الإنتربول الدولية، التي توصلت بإشعار خاص بعملية السحب من البنك تلك.
إذ تمت ملاحقته، ومعرفة اسمه وهويته، وجميع المعلومات التي تخصه، من خلال تتبع كاميرات المراقبة المتواجدة في مطار بانكوك.
استمر الشاب الجزائري، رفقة عائلته الصغيرة، في رحلته الاستجمامية، متنقلاً بين شواطئ وجزر تايلاند، وهو غير مدرك لما ينتظره بعدها، إذ تم القبض عليه مباشرة بعد وصوله إلى المطار من أجل العودة إلى بلده.
"الهاكر المبتسم".. اعتقال حمزة بن دلاج
عرفت لحظة اعتقال حمزة بن دلاج، البالغ من العمر حينها 24 عاماً، تغطية إعلامية كبيرة، وتم التقاط العديد من الصور، والفيديوهات له، التي ظهر فيها مبتسماً، وكأنه غير مبالٍ بما ينتظره، وهو الذي صُنّف من بين أخطر 10 "هاكرز" في العالم.
إذ تم تسليمه من طرف شرطة بانكوك مباشرة إلى الولايات المتحدة، بتهمة تورطه في جرائم إلكترونية، وخلال التحقيقات، تبين أنه الشخص المسؤول عن عمليات القرصنة التي تمت من خلال برنامج "Spy Eye" رفقة شريكه الروسي.
استمرت محاكمات بن دلاج إلى غاية سنة 2015؛ حيث تم الحكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة قابلة للاستئناف، وهو الحكم الذي خالف جميع الشائعات التي انتشرت حينها، وتقول إنه حُكم عليه بالإعدام.
وكانت السفيرة الأمريكية في الجزائر قد نفت هذه الأخبار، من خلال تغريدة لها، قالت فيها إن الجرائم التي قام بها حمزة بن دلاج لا تصل عقوبتها إلى الإعدام، وإن التهم التي يحاكم على خلفيتها هي "زرع برامج للقرصنة على الحسابات المالية بالبنوك".
شائعات بإعدامه والحقيقة مختلفة!
انتشرت العديد من الأخبار حول الأموال التي سرقها بن دلاج، من بينها أنه كان يتبرع بها لدولة فلسطين، والجمعيات الخيرية في إفريقيا، وأن هدفه من السرقات كان القيام بأعمال خيرية.
ومن هنا بدأت حملة التعاطف الكبيرة مع الشاب الجزائري، الذي أصبح البعض يعتبره بطلاً حقيقياً؛ لأنه تمكن من تسخير تلك الأموال التي تعود لأشخاص أغنياء، لمساعدة الضعفاء والمساكين.
إلا أن بعض الروايات الأخرى تقول إن حمزة قد نفى كل هذه الادعاءات خلال محاكمته، وقال إنه لم يتبرع بأي من تلك الأموال إلى أية جهة.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني من سنة 2022، أطل بن دلاج لأول مرة بتصريح صحفي من داخل السجن، نشرته قناة النهار الجزائرية، قال فيه إنه سيعانق الحرية قريباً، وذلك في نهاية شهر مايو/أيار من سنة 2024، بعد أن حصل على تخفيف في الحكم خلال الاستئناف.
كما أنه فتح حساباً خاصاً به على تطبيق إنستغرام، وقام بنشره صورة واحدة فقط، وهي تلك التي توثق لحظة القبض العليه مبتسماً في تايلاند، وحصل الحساب على ما يزيد على مليوني متابع في فترة قصيرة.
كما أن قناة "كنال+" الفرنسية قررت إنتاج فيلم خاص بالهاكر الجزائري، وأعلنت عن شروعها في مرحلة انتقاء بطل الفيلم والذي غالباً ما سيكون جزائرياً.
فيما تم الاتفاق مع المخرجين البلجيكيين، من أصل مغربي، بلال فلاح وعادل العربي، من أجل الإشراف على هذا العمل الذي سيتم إنتاجه باللغة الإنجليزية.