غالباً ما يُنظر إلى الزلازل على أنها كارثة من صنع الطبيعة تماماً، لا يمكن التنبؤ بمكانها أو زمانها، ولكن هذا الأمر هو نصف الحقيقة، لأنّ النصف الآخر هو أنّ هناك العديد من الزلازل التي حصلت في العالم على مرّ التاريخ كانت من صنع البشر، وكان بالإمكان تجنبها.
زلازل من صنع البشر
في دراسة أجريت في سبتمبر/أيلول 2017 ونُشرت بمجلة Seismological Research Letters، أكدت أنه على مدار الأعوام الـ150 الماضية، حدثت زلازل في 730 موقعاً بالعالم، كان سببها النشاط البشري وليس الطبيعة.
وأضافت الدراسة أنّ العلماء كانوا يعرفون منذ فترة طويلة، أن البشر كانوا سبباً في حدوث الزلازل، ولكن المفاجأة كانت أن النشاط البشري تسبب في حدوث زلازل وصلت قوتها إلى 7.9 على مقياس ريختر، وأن الزلازل بسبب البشر آخذة في الارتفاع بشكل واضح، في بعض مناطق العالم.
ما نوع النشاط البشري الذي يسبب الزلازل؟
قد تكون تأثيرات الزلازل التي يسببها الإنسان مشابهة لتلك التي تُحدثها الطبيعة، ولكن غالباً ما تُرى في المناطق ذات النشاط الزلزالي السابق أو ليس لديها نشاط زلزالي سابق، وتحدث معظم الزلازل الطبيعية على طول خطوط الصدع حيث تتلاقى الصفائح التكتونية، لكن الزلازل الناتجة عن النشاط البشري يمكن أن تحدث بعيداً عن حواف الصفائح التكتونية أيضاً.
مايلز ويلسون، وهو جيوفيزيائي يدرس في جامعة دورهام البريطانية، أكّد أنّ مشاريع التعدين والمياه المحتجزة خلف السدود هي الأسباب الأكثر شيوعاً لهذا النوع من الزلازل، كما أنّ مشاريع استخراج النفط والغاز غير التقليدية باستخدام التكسير الهيدروليكي، أصبحت الآن من الأسباب أيضاً، إضافة إلى التفجيرات النووية.
ووفقاً لبيانات الدراسة، فإنّ التعدين يمثل أكبر عدد من الزلازل التي يسببها الإنسان في جميع أنحاء العالم بنسبة 37%، إذ يمكن أن تؤدي إزالة المعادن والمواد من الأرض إلى عدم الاستقرار، مما يؤدي إلى الانهيارات المفاجئة التي تؤدي إلى حدوث الزلازل.
بينما تمثل السدود واحتجار المياه داخلها نسبة 23% من الزلازل التي تسبب بها البشر، إذ يُمكن أن يسبب وزن المياه المحتجز تحركات في الصدوع والصفائح تؤدي إلى زلازل قوية.
في حين أنّ السبب الثالث للزلازل البشرية يأتي من "التكسير الهيدروليكي" للنفط والغاز الطبيعي، المستخدم بكثرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكي، يمكن أن يؤدي التكسير الهيدروليكي إلى نشاط زلزالي، سواء بشكل مباشر من خلال الحقن العميق للتخلص من تدفق التكسير الهيدروليكي، أو من خلال التخلص من مياه الصرف الصحي المستخدمة في العملية وهي محلول ثانوي يستخدم لتصديع وتكسير آبار النفط والغاز، ويمكن لهذا المحلول عالي الضغط تكسير الصخور.
ولهذه الأسباب يخضع التكسير الهيدروليكي للتدقيق الدولي، إذ إنه مقيد في بعض البلدان، ومحظور تماماً في بلدان أخرى.
أما رابع الأسباب فهو التفجيرات النووية التي تسببت في زلازل بـ22 موقعاً في العالم، وفقاً لما ذكره موقع National Geographic.
أقوى الزلازل التي حصلت بسبب الإنسان
فيما يلي أقوى وأخطر الزلازل التي حصلت في العالم بسبب النشاط البشري في الألفية الجديدة.
1- زلزال ونتشوان في الصين 2008 ( 7.9 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: نحو 87 ألف شخص.
في عام 2008، ضرب زلزالٌ قوته 7.9 درجة مقاطعة سيتشوان، وخلَّف أكثر من 87000 شخص بين قتيل ومفقود، كان الزلزالَ الثامن عشر الأكثر فتكاً في كل العصور.
نتج الزلزال عن اصطدام الصفائح الهندية الأسترالية والأوراسية بطول (249 كم) عند صدع "Longmenshan"، حيث أدت الضغوط الناتجة عن الصفيحة الهندية الأسترالية المتجهة شمالاً إلى نقل جزء من هضبة التبت شرقاً.
كما أدت القوى الانضغاطية الناتجة عن هذا التحول إلى قص الأرض في موقعين على طول الصدع، مما دفع الأرض إلى الأعلى نحو 9 أمتار في بعض الأماكن.
ووفقاً لما ذكرته منظمة International Rivers الأمريكية، فإنّ كثيراً من العلماء أكدوا أن اصطدام الصفائح وتحركها كانا بسبب الوزن الكبير للمياه المحتجزة بواسطة "خزان Zipingpu" الذي يقع بالقرب من مركز الزلزال ويبلغ ارتفاعه نحو 156 متراً.
2- زلزال نيبال 2015 ( 7.8 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: نحو 8800 شخص
في صباح 25 أبريل/نيسان 2015، ضرب نيبال زلزالٌ قوته 7.8 درجة، وبعد ذلك بأسبوعين أو أكثر قليلاً تعرض البلد لهزة أخرى من توابع الزلزال قوتها 7.3 درجة، أسفرت عن مزيد من القتلى والدمار، وهو أعنف زلزال يضرب نيبال لأكثر من 80 عاماً.
وكانت نقطة الزلزال في شمال غربي كاتماندو، وتبعد 68 كيلومتراً من بوخارا ثاني أكبر مُدن نيبال والواقعة على سفوح جبال الهيمالايا.
السبب الطبيعي لوقوع الزلزال كان اندفاعاً مفاجئاً وإطلاق ضغط متراكم تسبب في غوص الصفيحة الهندية الواقعة أسفل جبال الهيمالايا، تحت الصفيحة الأوراسية التي تحمل أوروبا وآسيا، وفقاً لما ذكرته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.
في حين أن بيل ماكجواير ، وهو حالياً أستاذ الجيوفيزياء والمخاطر المناخية في جامعة كاليفورنيا، يعتقد أن السبب الحقيقي وراء تحرك الصفائح كان التغير المناخي الذي هو من صنع الإنسان.
وقال ماكجواير وفقاً لما نقله التلفزيون الهندي India TV News: "إن ذوبان القمم الجليدية في الهيمالايا وارتفاع مستوى سطح البحر أعادا توزيع الوزن على خطوط الصدع القاري الموجودة في نيبال، وبالتالي أثرا على حدوث الزلزال".
3- زلزالا إميليا-رومانيا في إيطاليا 2012 (6.1 و5.8 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: نحو 47 شخصاً.
في دراسة نشرتها مجلة Nature العلمية البريطانية، أجريت في عام 2017، وجدت أنَّ الزلازل التي حدثت في عام 2012 بمقاطعة إيميليا-رومانيا الإيطالية، كان سببها الأنشطة الهيدروكربونية في حقول النفط الموجودة بوادي بو.
وأكدت الدراسة أنّ الأنشطة المتعلقة بالهيدروكربون بدأت منذ عام 1980، عندما بدأ انخفاض إنتاج النفط بسبب نضوب الآبار، وبالتالي استمر الحقن في عمق الآبار لسنوات طويلة؛ من أجل مواصلة استخراج النفط حتى وصلوا إلى عمق نحو 3335 متر.
وهو الأمر الذي تسبب في حدوث زلزالين بمقاطعة إيميليا-رومانيا؛ الأول شدته 6.1 درجة على مقياس ريختر في 20 مايو/أيار 2012، وتسبب في وفاة نحو 27 شخصاً، والثاني شدته 5.8 في 29 مايو/أيار 2012 وتسبب في وفاة نحو 20 شخصاً.
4- زلزال كوريا الشمالية 2017 (6.3 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: لا يوجد.
في يوم 3 سبتمبر/أيلول 2017، أجرت كوريا الشمالية سادس اختبار نووي في تاريخها، وقد تسبب هذا الاختبار في حدوث زلزالٍ شدته 6.3 على مقياس ريختر شعر به سكان المنطقة الحدودية في الصين.
فيما قالت سلطات كوريا الجنوبية إن سبب الزلزال يبدو بشرياً، ما يشير إلى وقوع تجربة نووية.
فيما أفاد كل من الماسح الجيولوجي الأمريكي وإدارة الزلزال الصينية بوقوع زلزال ثانٍ أصغر في الموقع ذاته أعقب الحدث الأولي بعد مضي عدة دقائق، والذي وصِف بأنه انهيار لتجويف.
5- زلزال ولاية يوتا في أمريكا 2017 (3.4 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: لا يوجد.
أفادت محطات قياس الزلازل التابعة لجامعة يوتا الأمريكية، بأن زلزالاً طفيفاً بلغت قوته 3.4 درجة وقع في سبتمبر/أيلول 2017 جنوب ولاية يوتا، وتحديداً أسفل هضبة سيفير، على بعد 6 كيلومترات إلى الجنوب الشرقي من المدينة ريتشفيلد، وقد تبين فيما بعد، أنّ الزلزال الخفيف ناتج عن انهيار منجم للفحم في المدينة.
6- زلزال بوهانج في كوريا الجنوبية 2017 (5.4 درجة على مقياس ريختر)
عدد الوفيات: لا يوجد.
ضرب زلزال نادر بقوة 5.4 درجة مدينة بوهانغ في مقاطعة غيونغسانغ الشمالية بكوريا الجنوبية يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، واهتزت على أثره مبانٍ دون أن يسفر عن خسائر مادية كبيرة أو إصابات.
وقالت هيئة الأرصاد الكورية في إفادة صحفية، إن الزلزال وقع على بعد تسعة كيلومترات شمالي ميناء بوهانج في جنوب شرقي البلاد.
ووفقاً لما ذكرته شبكة تلفزيون PBS الأمريكية، فإن الزلزال حدث بالقرب من موقع للطاقة الحرارية الأرضية، حيث تم تنفيذ الحقن الهيدروليكي مؤخراً.