فيما يقترب عام 2022 من طي صفحته، يستذكر الإسرائيليون جيداً مرارة ما مروا به خلال العام، بعد أن استطاعت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية فرض تحركات ميدانية استثنائية.
وأثارت المقاومة الفلسطينية عاصفة من الانتقادات والسجال السياسي بين الحكومة والمعارضة الإسرائيلية بعد سلسلة عمليات فدائية ضربت العمق الإسرائيلي مطلع العام الجاري، وقضّت مضاجع المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل.
وقد سجل هذا العام ذروة النشاط المقاوم في الضفة الغربية، متجاوزاً كل التوقعات والتقديرات الإسرائيلية التي راهنت بأن تبقى الضفة رهينة صراعات داخلية وجانبية، بعيداً عن أي عمل عسكري مقاوم موجه ضد إسرائيل.
ويمكن القول إن ما جرى خلال العام 2022، كان بمثابة فشل استخباراتي مُنيت به إسرائيل على كافة الأصعدة، فوفقاً لآراء الخبراء الإسرائيليين تحولت الضفة لما يشبه "قنبلة موقوتة"، قد تنفجر في أي لحظة، ما سيفرض على المستويين السياسي والعسكري بدولة الاحتلال إعادة النظر في سياساتهم تجاه الفلسطينيين، الذين باتوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية والأمنية حالياً.
"عرين الأسود".. نموذج تخشاه إسرائيل
باتت خلايا "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" كابوساً لاحق إسرائيل طوال العام 2022، وذلك بعد أن فشلت سياسات الضغط العسكري التي انتهجها الجيش الإسرائيلي لملاحقة أفراد هذه الجماعات.
وشبهت المحافل الإسرائيلية استراتيجية "عرين الأسود" في عملياتها ضد الجيش والمستوطنين بطابع أطلقت عليه وصف "الذئاب المنفردة"، أي إن أفراد هذه الخلايا لا يتبعون لتنظيم هرمي، أو يتبنّون أيديولوجية مشتركة يمكن من خلالها تحديد مراكز القوة والسيطرة فيه.
بل عكس ذلك، كان المنتمون لهذه الخلايا أفراداً من كافة التنظيمات والشرائح الاجتماعية، فجزء منهم يتبع لحركة فتح وعناصر الأجهزة الأمنية، إضافة إلى مؤيدي فصائل حركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها.
الحاضنة الشعبية
في آخر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، أشار إلى أن 72% من الجمهور الفلسطيني يؤيدون تشكيل جماعات مسلحة على غرار "عرين الأسود"، لا تكون خاضعة لأوامر السلطة الفلسطينية.
كما رفض 79% من المستطلعة آراؤهم قرار السلطة ملاحقة المقاومين أو تسليم أسلحتهم، كما عبَّر 87% من الجمهور الفلسطيني عن شعورهم بأن السلطة لن تستطيع توفير الحماية لمن سلَّم نفسه أو سلاحه للأجهزة الأمنية.
أمام هذه المؤشرات قال المراسل العسكري أمير بوخبوط، في تقرير لموقع "واللا" العبري: "نحن أمام ظاهرة ليست عابرة، فأغلب المنتمين لهذه الجماعات من جيل انتفاضة الأقصى وما بعد العام 2005، وبالتالي نحن نتحدث عن شريحة عمرية تشكل ربع سكان الضفة الغربية، وهذا بمثابة كابوس بالنسبة لإسرائيل".
عملية "كاسر الأمواج"
شنَّ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية في الضفة الغربية أطلق عليها "كاسر الأمواج" منذ مارس/آذار 2022، شرع الجيش من خلالها في تنفيذ اقتحامات شبه يومية عبر أذرع الجيش والاستخبارات المختلفة من ألوية المشاة وجفعاتي واليمام ودوفودفان وشرطة حرس الحدود، تركزت في مدن شمال الضفة وتحديداً جنين ونابلس؛ في محاولة لتوجيه ضربة استباقية لخلايا العمل العسكري هناك.
صحيحٌ أن الجيش الإسرائيلي أقر بوقوع 281 عملية إطلاق نار استهدفت جنوده ومستوطنيه خلال العام 2022، مقارنة بـ91 هجوماً طوال عام 2021، ولكنه في المقابل اعترف بإحباط 500 هجوم كان ينوي الفلسطينيون تنفيذها، كما تمت مصادرة 250 قطعة سلاح في إطار نشاط عملية "كاسر الأمواج".
ليس ذلك فحسب، اعترف الجيش بمقتل 30 من أفراد قواته ومستوطنيه خلال العام 2022، كما أصيب نحو 500 آخرين، في أكبر حصيلة لقتلى إسرائيليين منذ انتفاضة الأقصى قبل عقدين الآخرين.
فرضت المقاومة الفلسطينية على إسرائيل أن تستنفر قواتها بشكل غير مسبوق، فقد أقر وزير الدفاع السابق، بيني غانتس، بأن نصف قوات الجيش من المشاة تتمركز في شمال الضفة الغربية، ويعكس هذا الإقرار من رأس هرم المؤسسة العسكرية بحجم الضغط الميداني الذي عاشته إسرائيل طوال العام 2022.
وفي سياق متصل تسببت الحالة الأمنية بالضفة الغربية في نشوب خلافات حادة وغير مسبوقة بين رئيس الأركان أفيف كوخافي ووزير الدفاع غانتس، بسبب رغبة قيادة الجيش في استخدام الطائرات المسيّرة في نشاطات الجيش أثناء اقتحام المدن الفلسطينية.
العام الأكثر دموية منذ عقود
صنفت الأمم المتحدة عام 2022 على أنه العام الأكثر دموية بالنسبة لجرائم القتل الإسرائيلية في الضفة الغربية، فمنذ مطلع العام وحتى 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ارتقى 224 شهيداً، منهم 165 شهيداً في الضفة الغربية، و59 بقطاع غزة.
وفقاً للتقرير الأممي أعدم الجيش الإسرائيلي 52 طفلاً و16 سيدة، منهم الصحفية الفلسطينية في قناة "الجزيرة" القطرية شيرين أبو عاقلة، والأسير ناصر أبو حميد.
بموازاة ذلك تجاوز عدد المعتقلين في هذا العام 5500 أسير، منهم 750 طفلاً. أما جرائم الاستيطان واستباحة المسجد الأقصى، فقد وصلت لأرقام قياسية.