في وقت كان ينشغل فيه كثير من الناس ببطولة كأس العالم لكرة القدم قطر 2022، أعلن باحثون في الولايات المتحدة عن اكتشاف علمي قد يكون البداية لتغيير مستقبل البشرية كلها.
هناك في منشأة الإشعال الوطني NIF، التابعة لمختبر لورانس ليفرمور الوطني بولاية كاليفورنيا، نجح الباحثون في الحصول على طاقة ناجمة عن عملية الاندماج النووي، تلك العملية المسؤولة عن توليد الطاقة في النجوم، بكمية أكبر من التي استخدموها لتوليد التفاعل الاندماجي. أي أنهم قاموا بتوليد شمس مصغرة على الأرض حرفياً.
يقصد بالاندماج النووي دمج العناصر الخفيفة لتشكيل عناصر أثقل، ما يؤدي لإطلاق دفعة طاقة هائلة في العملية، أشهر تفاعل اندماجي هو اندماج نظائر الهيدروجين لتكوين الهيليوم، وهو تفاعل ينتج كمية هائلة من الطاقة، تستخدم الشمس والنجوم عموماً هذا التفاعل لتوليد الحرارة والضوء.
يرى العلماء منذ بدأوا التجارب على توليد الطاقة من خلال الاندماج النووي في خمسينيات القرن العشرين، أن هذه التقنية لا تمثل فرصة كبيرة لمنحنا مصدر طاقة مستدامة ومنخفضة الكربون فحسب، بل يمكنها تغيير مستقبل البشرية نفسه.
لنتخيل أننا نجحنا في إنتاج الطاقة من الاندماج النووي على مستوى تجاري واسع. وأن المفاعلات الاندماجية أصبحت منتشرة في دول العالم بأشكال مختلفة وأحجام مختلفة، مثلها مثل المفاعلات النووية الانشطارية التقليدية الآن، كيف سيبدو شكل كوكب الأرض في هذا الوقت.
التغير المناخي
يعتبر الاندماج النووي، إذا أمكن إنتاجه على نطاق واسع، بمثابة "الكأس المقدسة" لتوفير الطاقة النظيفة وإبطاء الاحتباس الحراري، الذي يؤدي إلى زيادة الكوارث الطبيعية، وزيادة حموضة المحيطات، ويسبب الحرارة الشديدة والجفاف.
يطلق اندماج الذرات معاً ما يقرب من أربعة ملايين مرة طاقة أكثر من تفاعل كيميائي، مثل احتراق الفحم أو الزيت أو الغاز، وأربعة أضعاف تفاعلات الانشطار النووي.
تعمل الولايات المتحدة ومعظم دول العالم المتقدم على الترويج لمزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين والطاقة النووية التقليدية، لتحل محل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، بهدف تقليل انبعاثات الاحتباس الحراري في الهواء. تأمل العديد من الدول أن تسهم اقتصاداتها في خفض الانبعاثات بمقدار النصف بحلول عام 2030، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
كل هذه الآمال والأهداف يمكن أن تتحقق بسهولة حال تمكن العلماء من تطوير تقنية الاندماج النووي لإنتاج الطاقة، لأنها طريقة نظيفة تتضمن انبعاثات صفرية لغازات الاحتباس الحراري.
لا مشاكل بيئية
سيكون الاندماج عاملاً لتغيير قواعد اللعبة، لأنه يفتقر إلى مشاكل العلاقات العامة المرتبطة بدعاة حماية البيئة، الذين يطالبون بوقف أو تقليل العمل بالمفاعلات النووية التقليدية بسبب مخاطرها ونفاياتها السامة والإشعاعية.
في المقابل، لن تولد عملية الاندماج النووي في الأساس أي نفايات خطرة، ولن تتطلب حتى وقوداً خطيراً مشعاً مثل اليورانيوم، لا تنتج مفاعلات الاندماج النووي أي نفايات نووية طويلة العمر وذات نشاط عالٍ.
ليس هذا فحسب، من المحتمل أن تكون طاقة الاندماج النووي التشغيلية فعالة للغاية، لدرجة أنها ستخرج بشكل دائم معظم أشكال توليد الكهرباء الأخرى من العمل، إذ من المحتمل أن تكون رخيصة جداً، بحيث لا يمكن الالتفات إليها.
هذا سيغير من شكل المنظومة الاقتصادية التي يعاني فيها كثير من البشر من ارتفاع تكلفة فواتير الطاقة.
نقص النزاعات السياسية
أحد الأسباب الرئيسية للعديد من الصراعات الحالية يتعلق بالوصول إلى مصادر الطاقة، عند النظر إلى أزمة شرق المتوسط أو إلى مشاكل ترسيم الحدود البحرية في العالم مؤخراً، نجدها تتمركز حول الوصول للغاز الطبيعي كمصدر من مصادر الطاقة.
أيضاً، تمثل الطاقة ورقة ضغط في الصراعات السياسية والعسكرية، مثلما حدث مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، عندما أوقف العالم إمدادات النفط عنها، ليصبح هذا هو أحد أسباب الهجوم على ميناء بيرل هاربور وما تبعه من دخول الولايات المتحدة للحرب. انظر إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، وستجد استخدام الطاقة كورقة ضغط روسية على أوروبا بالكامل.
ولأن الموارد محدودة، فإن جميع الدول هم أعداء لبعضهم البعض، وسيتقاتل هؤلاء على تلك الموارد، كان هذا مصدر الكوارث الكبرى في القرن العشرين، برأي محللين وخبراء.
يمكن أن تنقذنا طاقة الاندماج النووي من إحدى فئات هذه الصراعات، فالهيدروجين الذي نحتاج له لإنتاج تلك الطاقة يمكن الحصول عليه من الماء، سواء كان مالحاً أو عذباً، وما أكثر المياه على كوكبنا.
استكشاف الكون
يوفر الاندماج النووي إمكانية الحصول على طاقة "غير محدودة" بمفهومها العام، نحن لا نقصد طاقة لانهائية، لكنها طاقة وفيرة من كمية قليلة من الوقود، تدوم لفترات طويلة، ما يفتح الباب لبعض التطبيقات والاستخدامات التي كان يمثل فيها حجم الوقود أزمة.
تخيل أنه يمكن أن ينتج غرام واحد فقط من مواد الاندماج النووي طاقة تعادل ما تنتجه ثمانية أطنان من النفط، لا يمثل الاندماج مجرد طاقة غير محدودة، بل هو نوع جديد من الطاقة، يمكننا من خلاله القيام بأشياء لا يمكننا القيام بها الآن.
باستخدام قوة الاندماج يمكننا إنشاء صواريخ اندماجية، والتي يمكن أن تصل إلى سرعات تصل إلى 10% من سرعة الضوء، ما يفتح الطريق أمامنا للوصول إلى النجوم، وليس مجرد كواكب المجموعة الشمسية. هذا يفتح باباً واسعاً للبشر لاستكشاف الكون.