تعتبر ظاهرة الجندي العائد من بين أغرب الظواهر التي لم يجد لها العلماء والباحثون تفسيراً منطقياً ومقنعاً إلى الآن، وذلك بسبب ارتفاع نسبة إنجاب الذكور مقارنة بالإناث، في الفترات ما بعد الحروب.
وقد اختلفت التفاسير حول هذه الظاهرة، فكانت أكثرها انتشاراً هي تلك التي ترجح أن هناك سبباً طبيعياً يعمل على إعادة التوازن بين الجنسين، بعد وفاة عدد كبير من الرجال خلال الحروب.
فيما تشير بعض التفاسير إلى أن التغيرات الطبيعية الحاصلة في فترات الحروب، والتي تؤثر على الأمهات المستقبليات، من بين العوامل المؤثرة في هذه الظاهرة.
إنجاب الذكور أكثر من الإناث.. ظاهرة الجندي العائد
كان أول من لاحظ ظاهرة الجندي العائد هو كارل دوسينغ، أحد دكاترة جامعة يينا الألمانية، سنة 1883، الذي أشار لها على أنها ظاهرة طبيعية تنظيمية لنوع الجنس في العالم، بعد وفاة عدة جنود خلال الحروب التي عرفتها عدة دول في مختلف القارات، ابتداءً من سنة 1800 إلى 1899.
فيما قام طبيب أسترالي يدعى آرثر دافنبورت، سنة 1899، بإعادة دراسة النتائج التي وصل إليها دوسينغ، وتوصل إلى تفسير آخر لظاهرة الجندي العائد، وهي أن السبب في إنجاب الذكور بكثرة، هو صحة الجندي المعتلة، مقارنةً بصحة شريكته الجيدة.
أبحاث جديدة ونتائج مختلفة
بعد الحرب العالمية الثانية تبين مرة أخرى أن نسبة المواليد الذكور ارتفعت مقارنة بالإناث، من خلال نتائج أبحاث نشرت سنة 1954، من طرف الباحثين بريان ماكماهون وتوماس إف، وأشارت إلى أنه في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الفترة ما بين 1945 و1947 كانت هناك زيادة ملحوظة في المواليد الذكور، وذكرت بعض الأسباب المحتملة، من بينها عمر الأم، وبنيتها الجسمانية.
الجنود الأطول قامة ينجبون الذكور أكثر من الإناث!
فيما توصل عالم النفس الأمريكي ساتوشي كانازاوا إلى نتيجة أخرى، من أجل تفسير ظاهرة الجندي العائد، إذ نشر في ورقة بحثية علاقة طول الجنود بإنجاب الذكور.
وأشار في بحثه إلى أن الجنود قصار القامة هم الأكثر عرضة للموت خلال الحروب، فيما يتمكن طوال القامة من النجاة والعودة سالمين إلى ديارهم.
وبما أن الرجال الأطول قامة لهم فرصة إنجاب الذكور أكثر من الإناث، فإن هذا هو السبب وراء هذه الظاهرة التي لم يتم حلها منذ سنوات طوال.
وقد استند في بحثه هذا إلى الجنود البريطانيين في الحرب العالمية الأولى، والتي مات فيها الجنود قصار القامة أكثر من الطوال.
ارتفاع عدد الأمهات يؤدي إلى زيادة إنجاب الذكور
وقد كشفت الدكتورة إيلونا نينكو من مركز أبحاث جامعة ياغيلونيا في بولاندا عن التغيرات التي تحصل في جسم المرأة، عند الحمل بجنين ذكر، لمحاولة تفسير ظاهرة الجندي العائد.
إذ إن النساء في فترة الحمل بالذكور تحتاج لنسبة طاقة أكبر، كما أن الصبغة الجنسية كروموسوم Y الموجودة في الذكور تنتج بروتينات غريبة على جسم المرأة خلال الحمل، ما يعتبره الجسم على أنه كائن متطفل، ويسبب خللاً هرمونياً، ما يقلل احتمالية حملها بعد ذلك لفترة طويلة.
وفي المقابل فإن فترات الحروب والكوارث الطبيعية من الممكن أن تؤثر في الأم المستقبلية، وعند حملها في تلك الفترة، غالباً ما يكون الجنين فتاة.
ومن أجل تفسير ظاهرة الجندي العائد، فإن حالة انخفاض إنجاب الذكور خلال فترات الحروب تتغير، وتعود الأمور إلى وضعها الطبيعي، ما يجعل النساء قادرات على إنجاب الذكور من جديد.
وبما أن عدد النساء يرتفع بدوره في فترات الحروب، فإن عدد الأمهات يرتفع كذلك خلال فترات حروب أخرى، ما يؤدي إلى حالات حمل أكثر، إذ يبدو أن نسبة الذكور ارتفعت لكن الأمر غير حقيقي في الواقع.