قد تكون دار مجوهرات كارتييه العالمية معروفة بجذورها الباريسية، لكنها بحثت منذ فترة طويلة عن الإلهام خارج حدود فرنسا.
إذ تضمنت زخارفها نبات الصبار الصحراوي، ومجموعة من التماسيح الغريبة، ورسومات جسدت القطط الكبيرة. ليظل التأثير الأكبر الذي شكّل أبرز أعمال العلامة المصنعة للمجوهرات الفخمة هو الفن الإسلامي.
وفي معرض بعنوان "بحثاً عن الحداثة"، أُقيم في العاصمة الفرنسية باريس، نظم متحف الفنون الزخرفية ومتحف دالاس للفنون برنامجاً لتسليط الضوء على الدرجة التي استلهمت منها مجوهرات كارتييه أشهر وأنجح تصاميمها مما اقتبسته من الفن القديم في الحضارة الإسلامية والفنون الشرقية.
لمسة فريدة ومباشرة للفنون الإسلامية
العرض الرائج الذي تم تنظيمه منتصف عام 2022، ولا يزال حتى الآن يثير الكثير من النقاشات والتحليلات، لما ورد فيه من أعمال وتصميمات، كان يضم أكثر من 500 قطعة أصدرتها الدار بتأثير مباشر من الفن الإسلامي.
يقول بيير رانيرو، مدير العلاقات للعلامة التجارية وأسلوبها وتراثها، بحسب صحيفة Financial Times البريطانية: "يبدو أن الأشكال المختلفة للفن الإسلامي كان لها تأثير عميق على اللغة الإبداعية في كارتييه"، وتابع أن هذا الأسلوب استمر لسنوات طويلة بسبب الاحتمالات اللانهائية للأنماط الهندسية التي ابتدعها المسلمون.
تأسيس الدار والعلامة الفاصلة التي غيّرت تصميماتها
أسس لويس فرانسوا كارتييه الشركة لأول مرة عام 1847 كمزود متخصص للفنون الجميلة والمجوهرات، لكن حفيديه لويس وجاك كارتييه اكتشفا أنه يمكن استخدام الزخارف التراثية القديمة في تصميم مجوهرات حديثة.
وفي مطلع القرن، سافر جاك من باريس إلى الدول العربية في منطقة الخليج، وعاد بلآلئ براقة ورسومات وصور فوتوغرافية التقطت انطباعاته التي تأثر بجمالها وتفرّدها.
ثم في العام 1911، واصل جاك رحلاته ليبلغ الهند، وهناك تبادل الأفكار، وحتى الأحجار الكريمة المميزة، مع المهراجا. في هذه الأثناء، أصبحت باريس نقطة محورية لتجار وجامعي الفن الإسلامي والقطع الفريدة.
في أوائل القرن الجديد، قام لويس شقيق جاك، الذي كان يجمع القطع الأثرية والأعمال الفنية والكتب القديمة، بزيارة معرض أساسي حول هذا الموضوع في متحف الفنون الزخرفية.
شكلت هذه التأثيرات شهرة المجوهرات والأشياء الثمينة التي أصدرتها دار كارتييه، حيث تم تفكيك الأساليب الفنية التي تعود إلى قرون مضت واستخدامها في التصاميم المعاصرة.
وتشمل أبرز معالم التصميمات المقتبسة من الفن الإسلامي تاجاً من البلاتين والماس منقوشاً بأشكال الفيروز وسعف النخيل تعود لعام 1936؛ علاوة على طريقة رسم الحبر والقلم الرصاص والغواش لصندوق مساحيق مزخرف بنمط من الفسيفساء العربية.
العثور على الإلهام في تصميم مسجد بإيران
من بين أبرز القطع وأثمنها التي صممتها الدار عقد أرجواني للرقبة يعود لعام 1947، والذي اشتراه دوق وندسور وأحد نبلاء بريطانيا منتصف القرن الماضي، وهو مصبوب من الذهب والبلاتين الملتوي المرصَّع بالألماس والجمشت والفيروز.
وبحسب صحيفة The Times البريطانية، يعود شكل تلك القطعة الفريدة وتصميمها المتناسق إلى فن العمارة في القرن التاسع عشر. حيث يعكس الهيكل الهندسي ومجموعات الألوان في هذه القلادة سقف مسجد ناصر الملك في شيراز بإيران.
يقول لي لورانس، في تقرير حول البصمة الإسلامية في تصميمات كارتييه منشور بصحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن تلك الرحلة بدأت في أوائل القرن العشرين "عندما أطلق تدفق الفن الإسلامي العنان لموجة جديدة من الاهتمام في أوروبا وأمريكا التي انبهرت بالفنون من المغرب وإسبانيا ومصر، وصولاً إلى إيران والهند".
علاقة عشق عميق للهندسة الإسلامية
وقد وصفت مجلة Smithsonian الأمريكية للمنوعات، علاقة دار الأزياء بالفن الإسلامي بأنها "علاقة حب".
موضحةً أن الأخوين لويس وجاك وبيير، المؤسسَين الرئيسيين لنمط وأسلوب دار المجوهرات "استلهما من الهند وإيران وشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وما وراءها لتطوير أسلوب العلامة التجارية وبصمتها الفنية، والذي تطورت من الكلاسيكية الجديدة إلى الفن الحديث إلى الآرت ديكو المقتبس من الفنون القديمة".
ويتضح ذلك مثلاً في خط Tutti Frutti الخاص ببيت المجوهرات في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، الذي "دمج الياقوت والزمرد والياقوت الأزرق في أشكال الزهور والتوت والأوراق الموجودة في المجوهرات الهندية التقليدية المغولية، وتصاميم الزخارف في الأعمال العربية القديمة مثل روايات ألف ليلة وليلة".
ومع الكشف عن التأثير الإسلامي في دار المجوهرات، يتضح أن دار المجوهرات نجحت على مدى الـ175 سنة الماضية من الانصياع لهيمنة الفن الإسلامي، وترجمته في تصميمات هندسية معقدة لتشكيل جواهرها.