لعل أول ما يتبادر إلى الأذهان عند سماع كلمة "مومياوات" هم الفراعنة والمصريين القدماء، إلا أن العالم ملئ بالعديد من المومياوات التي اكتشفت في بلدان مختلفة.
إلا أنّ المومياوات التي سنتنناولها في هذا التقرير مختلفة كليةً عن المومياوات المُحنّطة. فهذه المومياوات لم تحنّط كالمعتاد، بل تعود أسباب تحنيطها لعوامل أخرى، صنِّفت على إثرها كأغرب المومياوات في العالم، واسمها غريبٌ للغاية: مومياوات المستنقعات. أو ما يعرف بالإنجليزية بـ "Bog Mummies".
دفنت حسب التقاليد المسيحية بعد اكتشافها
اكتشفت هذه المومياوات بالصدفة في العديد من الدول الأوروبية، حيث كانت وبقيت مجهولة الهوية بعكس نظيراتها الفرعونية، كما أنها لم تدفن بالطريقة المعتادة بل وجدت ضمن مستنقعات "الخث"، وهي نباتات متفحِّمة تتعفن ببطء في المرحلة الأولى لتكوِّن الفحم، وقد كانت هذه النباتات تستخدم قديما للتدفئة كنوع من الوقود.
يعود أول اكتشاف لهذه المومياوات إلى القرن السابع عشر في مدينة هولستين الألمانية سنة 1640، ومن ثم اكتشفت مومياء أخرى في جزيرة فين الدانماركية سنة 1773 وأخرى في أيرلندا سنة 1791 وأطلق عليها اسم "مومياء كييلغارن".
إلا أن كل هذه المومياوات حظيت بالدفن حسب التقاليد المسيحية من قبل سكان المنطقة التي اكتُشِفَت فيها ظنا منهم أنها تعود لأناس توفوا حديثا، فقد كانت المومياوات وكأنّها جثث حديثة لم تتحلّل. ولم يكن هناك أحد لدفنهم فحملوا على اعتاقهم مهمة إخراجهم ودفنهم بعدها، حسب ما جاء في تقرير نشرته "ناشيونال جيوغرافيك" سنة 2014.
ظل الأمر على هذا المنوال فيما يخص دفن المومياوات المكتشفة، حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأ الاهتمام بدراسة الآثار القديمة والأثريات لتبدأ الشكوك حول هذه الجثث وتاريخ وفاتها.
وقد أثبتت أول الدراسات التي تعود لسنة 1871 أن أغلب تلك المومياوات المكتشفة تعود للعصر الحديدي أي قبل 4 آلاف سنة، أما أَقْدَمَهَا فيعود تاريخ وفاتها إلى العصر الحجري المتوسط أي تعود لأكثر من 12 ألف سنة.
اكتشفت مومياء أخرى في الدنمارك سنة 1941، وأطلق عليها اسم "كويلجيرمان"، وقد كانت عبارة عن هيكل عظمي فقط. أما أول مومياء مستنقعات تكتشف كاملةً في الدنمارك فيعود تاريخها للعصر الحديدي وأطلق عليها إسم "كاشيلمان".
أول من قام بخطوة لدراسة هذه المومياوات كان الأمير الدنماركي "فريدريك" سنة 1843 بعدما اكتشف سكان المنطقة مومياء، وكسابقاتها من الجثث قام سكان المنطقة بدفنها حسب التقاليد المسيحية، إلا أن وصل الأمر للأمير الذي كان مهتماً بالأثريات وأمر بعدها بإعادة إخراجها وإرسالها إلى المتحف الوطني الدنماركي.
لغز مومياوات المستنقعات الغامض
أبرز هذه المومياوات أطلق عليها اسم "تولوندمان"، وقد اكتشفت في الدانمارك سنة 1950، حيث اعْتُقِدَ في البداية أنها جريمة قتل ليتم استدعاء الشرطة التي عجزت بدورها من تحديد تاريخ وفاته.
قامت الشرطة بعدها باستدعاء أحد علماء الآثار الذي أكد أنها تعود إلى العصر الحديدي وبالتحديد إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
نقلت الجثة إلى متحف الدانمارك قصد دراستها كباقي المومياوات المكتشفة، حيث تقول "كارين فري" في تقرير منشور في مجلة "The Atlantic"، وهي عضو فريق دراسات حول هذا الموضوع "أن هذه المومياء تعطيك شعورا أنها توفيت قبل ثلاثة أيام فقط، كما أنه يمنحك الشعور أنه سيفتح عينيه ويكلمك وهو شعور حتى مومياء توت عنخ أمون لم تمنحنا إياه".
بعد سلسلة من الدراسات الجادة في الموضوع تم الكشف عن اللغز الغامض لمومياوات المستنقعات، في البداية تمحور الأمر حول الطبيعة التي وجدت بها هذه الجثث، فبعضها كان محفوظاً بشكل كلي والآخر بشكل جزئي.
حسب ما جاء في تقريرٍ نشر على "BBC" يعود السبب في بقاء الجثث محفوظة بشكل جيد إلى نبات الخث الذي ينتشر في المستنقعات حيث يجعل المياه الأسيدية عالية "أي حموضة المياه مرتفعة" بالإضافة إلى الحرارة المنخفضة والنقص الحاد في الأوكسيجين.
أغلب المومياوات المكتشفة كانت لا تزال تحتفظ بشكل ممتاز على الجلد والأعضاء الداخلية والشعر، إلا أن لون الجلد قد تحول إلى القاتم بفعل الطبيعة الأسيدية للمستنقعات.
ما أثار دهشة العلماء هو أن المستنقعات كانت بمثابة قبور للمومياوات فهي لم تدفن أو تحرق كما جرت العادة في تلك العصور ما فتح باب التساؤلات حول سبب وفاتها.
هل كانوا قرابين بشرية؟
في بداية الدراسات وضع العلماء فرضيات تقول أن هؤلاء الأشخاص كانوا مجرمين أو خارجين عن القانون وذلك بسبب الجروح المختلفة وآثار التعذيب التي وجدت عليهم بالإضافة إلى ذبح العنق، أو أنهم كانوا قرابين بشرية قدمت للآلهة لتكفير عن ذنوبهم.
حسب دراسات نشرتها "BBC" لعالم الأنثروبولوجيا في جامعة كوبنهاجن "نيلز نيليروب" أن الدراسات المجراة على المومياوات عززت فرضية القرابين البشرية، حيث يرجح أن لهذه المومياوات مكانة خاصة داخل مجتمعاتهم ما خولهم من تقديمهم كقرابين التي كانت تعتبر فخرا لتلك الشعوب.
ما يعزز هذه الفرضية هو أن أغلب المومياوات كانت تحتوي على آثار لباس وذهب التي تحللت داخل المستنقع مع مرور السنين.
لازالت الأبحاث مستمرة حتى الآن من أجل الكشف عن سبب وفاة وهوية هذه المومياوات التي لازال الغموض يرافقها ما جعل العلماء يصفونها بأغرب المومياوات حسب تقرير "BBC".