رغم صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها المواطن الأردني، وتراجع القدرة المالية لدى الكثيرين، في ظل الغلاء المعيشي الذي يتزايد يوماً بعد يوم، يحرص عدد كبير من الأردنيين على المحافظة على أجواء عيد الأضحى، خصوصاً أضحية العيد.
من أجل ذلك لجأ العديد من الأردنيين إلى الاستدانة لأجل إحياء نسك الأضحية، الذي بات أحد الأعراف والمظاهر الدينية والاجتماعية التي لا يستغني عنها الأردنيون.
ورغم غلاء أسعار الأضاحي في سوق المواشي الأردنية فإنّ الأردنيين أقبلوا بشكل واضح على تقديم الأضاحي، لكن مع تغيير نوع الأضحية. فقد كان الأردنيون في المواسم السابقة لعيد الأضحى يلجأون لنحر الأضاحي البلدية التي لم تكن تتعدى في أسعارها 200 دينار (280 دولاراً)، إلا أنَّها بالموسم الحالي تزايدت أسعارها لتصل حتى 300 دينار (420 دولاراً).
الاستدانة من أجل شراء أضحية العيد
لجأ عبد الكريم المحارمة، من منطقة سحاب، الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من العاصمة عمّان، إلى استدانة ثمن الأضحية كما يقول، لإحياء نسك الأضحية كعادته في السنوات الماضية، مشدداً على أنّ مثل هذا العرف والعادة لا يمكن الاستغناء عنهما في عيد الأضحى.
وأشار إلى أنه لا يمكنه تخيل مجيء عيد الأضحى دون أضحية، حتى وإن أدى ذلك الأمر إلى استدانته ثمن الأضحية من أقربائه، رغم صعوبة الأوضاع المالية التي يعيشها.
ويؤكد المحارمة أنّه كان كل عام يشتري أضحيته من سوق المواشي القريب من منطقته التي يقطنها في سحاب، حيث كان ينتقي أجود أنواع الخرفان البلدية، ولم يكن يتجاوز سعر الخروف البلدي 200 دينار (280 دولاراً).
أما في الموسم الحالي فقد فوجئ بزيادة في أسعار الخرفان من كافة الأنواع، الأمر الي دفعه إلى العزوف عن شراء الخروف البلدي واستبداله بالخروف الروماني، الذي يشبه إلى حد كبير في جودته وطعمه الخروف البلدي.
وأضاف المحارمة لـ"عربي بوست" أنه اشترى الخروف الروماني بنفس التكاليف التي كان يدفعها كل عام، "كنت أدفع ثمن الخروف البلدي 200 دينار، والآن قمت بشراء الخروف الروماني بنفس الثمن".
إقبال كبير على شراء أضحية العيد المستوردة
تؤكدّ المصادر الرسمية وتجار المواشي أنّ هناك إقبالاً منقطع النظير على شراء الخراف المستوردة، وعلى رأسها الرومانية والأسترالية والسودانية، في موسم عيد الأضحى، والتي باتت تسيطر على السوق، بل تعتبر الأكثر رغبة لدى المواطنين الأردنيين، ويوجد ما يزيد عن 400 ألف رأس بالسوق تكفي لسد حاجة الأردنيين في موسم عيد الأضحى.
ويتراوح سعر الأضحية الروماني بين 180-200 دينار (250-280 دولاراً)، في حين يتراوح سعر الخروف البلدي الذي كان الأردنيون يفضلونه قبل ارتفاع الأسعار بين 200-300 دينار (280-420 دولاراً)، بحسب وزنه وحجمه.
كما شهدت الأعلاف ارتفاعاً في أسعارها، نتيجة تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تدخل في تسمين الخراف المستوردة، الأمر الذي انعكس على أسعار المواشي بجميع أنواعها في السوق الأردنية.
استدانة ثمن الضحية لبث الفرحة بنفوس الآخرين
بدورها لجأت ليلى ست أبوها، من مدينة إربد، الواقعة في شمالي الأردن، إلى استدانة ثمن الأضحية من شقيقتها الكبرى، لإحياء نسك الأضحية، على الرغم من حاجتها لهذا المال.
ليلى ترى أنّها لا بد أن تقوم بإحياء هذه الشعيرة كل عام، لبثّ الفرحة والسرور على المحيط الاجتماعي الذي تعيش فيه من أقاربها وجيرانها، مشيرةً إلى أنّ الكثير من العائلات الأردنية لا تعرف أكل اللحم إلا مرة واحدة في العام خلال عيد الأضحى، على حد قولها.
وترى أن عيد الأضحى يعد فرصة كبيرة ومتنفساً وحيداً لكثير من العائلات الفقيرة للحصول على اللحوم، وتناول لحم الخرفان والعجول، الذي حرم الكثير منهم من تناوله على مدار العام، مؤكدةً في حديثها لـ"عربي بوست"، أنّها سعيدة جداً بإدخالها مظاهر البسمة والفرحة على قلوب العديد من جيرانها وأقاربها، كونها تعيش وحيدةً بمفردها، فهي غير متزوجة ولا تملك الأبناء.
عمل مشروع ومقبول
رغم لجوء الكثير من الأردنيين إلى الاستدانة لأجل شراء الأضاحي، فإنّ هذا الأمر لا تعتبره دائرة الإفتاء الأردنية عملاً غير مشروع.
هذا ما أكد عليه مدير مكاتب دائرة الإفتاء الأردنية، أحمد عمران، بالقول إن استدانة تكاليف الأضاحي تعدّ أمراً مباحاً، وتُقبل أضحيته عند الله.
لكنه أشار إلى أن الأصل- وفق رؤيته- هو أن الأضحية تكون على المستطيع والمقتدر والذي يملك ثمنها.
وأضاف لـ"عربي بوست" أنّ الأولى أن يسدّ الشخص ديونه المتراكمة عليه، وأن يردّ الحقوق إلى أهلها، حيثّ إنّ إحياء نسك الأضحية وتوزيعها لا يعتبر فرضاً أو واجباً، بل هو سنة مؤكدة لدى الشافعية والمالكية والحنابلة، في حين يرى أتباع المذهب الحنفي أنّها سنة واجبة.
وفي السياق ذاته، يؤكد الداعية الأردني الشهير مصطفى أبو رمان، أنّ لجوء العديد من الأردنيين إلى استدانة ثمن الأضحية يعدّ أمراً فوق طاقتهم، بل هو نوع من التضييق على أنفسهم، والله تعالى لم يطلب منهم ذلك.
وأشار في حديثه مع "عربي بوست، إلى أنّ هذا العمل يعتبر سنة مؤكدةً على المقتدر، فلا بدّ من التوازن في الحياة الاجتماعية، خاصة أنّ البعض بهذا الأسلوب يضيق على نفسه وأسرته التي هي أولى من غيرها بمثل هذا المبلغ.
ويرى أبو رمان أنّ الكثير من الأردنيين بهذه الطريقة يدخل نفسه في الرياء في تحقيق الأعمال الصالحة، التي في الأصل يجب أن تكون خالصة لوجه الله، معتبراً أنّ الأصل سداد الديون التي هي حق للآخرين، وربما يكون صاحبها يحتاج إليها بمثل هذا الموسم أكثر من غيره من الأيام؛ كون عيد الأضحى مناسبة دينية واجتماعية مهمة لكل المسلمين.
لكنّ أبو رمان يذهب إلى مشروعية مثل هذا الأمر في اللجوء إلى الاستدانة لإحياء نسك الأضحية، إذا ما شعر أنّه يريد أن يدخل البهجة ويرسم البسمة على محيطه الاجتماعي من أقاربه وجيرانه، في ظل أنّ الكثير من العائلات الأردنية الفقيرة والمتعففة لم تذُق طعم اللحم لفترات طويلة، بل إنّ البعض محروم منه منذ عدة سنوات، نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية في الأردن بعد جائحة "كورونا".
"هنا يكون العمل مشروعاً ومستحباً شريطة أن تكون النية حاضرة لوجه الله تعالى، وألا يدخل فيها الرياء والمباهاة أمام أقاربه ومحيطه الاجتماعي"، على حد تعبيره.