في كل عام ومع اقتراب موعد عيد الأضحى، يبدأ محمود الذي يعمل بمهنة الجزارة بمنطقة سوارس التابعة لمدينة قليوب المجاورة للعاصمة المصرية القاهرة، في سنّ السكاكين وتجهيز عدة الذبح والسلخ، استعداداً لموسم أضاحي العيد الذي يحقق له أرباحاً جيدة.
محمود في هذه الأيام لا يصبح جزاراً فقط بل تاجر ماشية أيضاً. لكن هذا العام "اختلفت الأمور تماماً"، بحسب قوله. إذ إن الارتفاعات المتتالية في الأسعار التي تشهدها مصر منذ 4 شهور نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية التي ازدادت بفعل الحرب الروسية الأوكرانية، أثرت بشكل حاد على ميزانية الملايين من المصريين.
محمود قال لـ"عربي بوست" إنه حتى في أيام جائحة كورونا، "لم نشهد هذا التراجع في الإقبال على شراء الأضاحي".
يدلل محمود على ذلك بوقائع كثيرة حدثت معه تثبت أن الأزمة الاقتصادية أثرت بشدة على موسم الأضاحي، قائلاً: "أحد تجار قطع غيار السيارات بمنطقة السبتية كان يتصل بي سنوياً من أجل شراء 3 عجول على الأقل، ويشترط ألا يقل وزن الواحد عن 800 كيلو. أما هذا العام، فطلب مني 3 خراف فقط على ألا يزيد سعر الواحد عن 4000 آلاف جنيه".
سأل محمود التاجر عن سبب هذا التغيير الذي لم يحدث من قبل طوال 15 عاماً، أجابه أن الدنيا ضاقت عليه، وأن دخل المحل الخاص به لم يعُد كالسابق، بسبب ضعف القوة الشرائية للناس بفعل التضخم.
ارتفاع أسعار العلف
لم تكن حالة محمود الجزار حالة منفردة، فشوادر الأضاحي التي تنتشر في جميع مدن ومحافظات مصر مع اقتراب موعد عيد الأضحى، تشهد حالة كساد في ظل الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأعلاف، وما تبعه من ارتفاع أسعار اللحوم.
يقول محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين باتحاد الغرف التجارية، إن أسعار اللحوم ارتفعت بشكل ملحوظ في الأسواق قبل عيد الأضحى المبارك، مشيراً إلى أنه من الطبيعي ارتفاع الأسعار في ظل ارتفاع أسعار العلف.
وأضاف وهبة لـ"عربي بوست" أن سعر كيلو اللحم الضاني (القائم) يتراوح بين 85 و90 جنيهاً، موضحاً أن أسعار العجول البقري القائم تراوحت بين 75 و80 جنيهاً للكيلو. أما بالنسبة لسعر العجول الجاموسي القائم فتراوح بين 63 و68 جنيهاً في الأسواق، وذلك على حسب نوع الماشية وحالتها وعمرها.
ويقصد بكيلو اللحم القائم في الأضحية، أي الكيلو قبل ذبح الأضحية وليس كيلو اللحم الصافي.
تحويشة الأضحية
اعتادت قطاعات كبيرة من المصريين ممن يحرصون على شراء أضاحي العيد كل عام على أن يقوموا بـ"تحويش" أو توفير ثمن الأضحية قبلها بعدة أشهر، وتحديداً منذ شهر رمضان أو بعده مباشرة.
لكن التضخم وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والأدوية هذا العام، أثرت على قدرة قطاعات كبيرة من الطبقة المتوسطة على شراء أضحية كاملة كالخرفان والماعز أو حتى المشاركة في عجل أو جاموسة أو جمل مثلما كان يحدث قبل الأزمة الاقتصادية والحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في ارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية، خاصة القمح، بشكل غير مسبوق، بالإضافة لارتفاع أسعار الوقود.
تقول نجلاء العربي إنها اعتادت كل عام على مشاركة خالاتها في شراء عجل للأضحية، وإنها كانت تفعل ذلك بشكل مستمر حتى في العامين اللذين ضربت فيهما جائحة كورونا مصر والعالم. لكن هذا العام لم تستطِع القيام بذلك، ليس بسبب ارتفاع أسعار اللحوم فقط، ولكن بسبب أن نفقات أسرتها الشهرية تضاعفت بفعل زيادة أسعار السلع، ولم تستطِع أن توفر ثمن الأضحية.
وأضافت لـ"عربي بوست" أنها قامت بالاشتراك في شهادات الاستثمار التي أعلنت عنها الدولة ذات العائد المرتفع، والتي تدر لها دخلاً شهرياً يصل إلى 8500 جنيه، بالإضافة إلى معاش والدتها الذي يصل لـ3 آلاف جنيه. "دخلي الشهري أكثر من 11 ألف جنيه لكن لا يتبقى منه أي شيء في نهاية الشهر. أنا أعيش مع أمي وابني في شقة تمليك ولا ندفع إيجاراً"، على حد قولها.
ويقول الصحفي محمد شحاتة، إنه كان معتاداً على ذبح عجل في كل عيد، لكن هذا العيد لن يقوم بشراء أضحية نظراً لارتفاع سعر الكيلو القائم والذي وصل لـ85 جنيه في الخرفان، بينما العام الماضي كان بحدود 45 – 55، أي تقريباً النصف.
وأضاف شحاتة لـ"عربي بوست" أن الحالة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وقلة الدخل كانت أحد الأسباب في ارتفاع أسعار الأضاحي هذا العام.
نسبة الإقبال على شراء أضاحي العيد 10% فقط
وكان سعيد زغلول، نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة الجيزة التجارية، قد أكد في تصريحات للإعلام المحلي على أن هناك انخفاضاً ملحوظاً في الطلب على شراء المواشي والأضاحي خلال الفترة الحالية، وأن السوق في الوقت الحالي يعاني من ركود واضح وملحوظ.
وأضاف أن نسبة الإقبال على شراء الأضاحي لا تزيد عن 10% فقط، مشيراً إلى أن الركود وانخفاض الطلب على الأضاحي، يأتيان نتيجة ارتفاع أسعار الأضاحي بسبب زيادة التكلفة، ما رفع السعر على كثيرين وجعلهم يعزفون عن الشراء.
أغنام الشارع وماعز البيوت
تختلف أسعار الأضحية خاصة في الماعز والأغنام وفقاً للمكان الذي يتم بيع فيه الأضحية. فسعر كيلو اللحم في الأغنام القائمة التي تتم تربيتها في البيوت على الأعلاف لا يقل عن 80 أو 85 جنيهاً، في حين أنه لا يزيد بأي حال من الأحوال عن 50 جنيهاً في الأغنام المعروضة في الشوارع والتي تأكل من الشارع بما فيها أكياس البلاستيك والقمامة.
ينطبق الحال نفسه على الماعز، إذ ينخفض السعر إلى ما يقارب النصف بين تلك التي تتم تربيتها في المنازل على الأعلاف والمراعي وبين تلك التي تأكل من خشاش الأرض.