كثيراً ما نسمع عن بعض الاضطرابات النفسية والمتلازمات التي كانت هي السبب في تحريك ورسم دوافع بعض أكبر طغاة العالم. ومن أبرزها متلازمة نابليون، أو ما يُعرف أحياناً بـ"اضطراب الطُغاة"
فبداية من اتهام الغُزاة عبر التاريخ بحالات "جنون العظمة"، وصولاً لإرجاع عمليات القتل والاعتقال العشوائية إلى إصابة زعماء الدول بـ"الارتياب والبارانويا"، بات من الضروري الوقوف على بعض تلك الاضطرابات وفهم تأثيراتها النفسية على سلوكيات الشخص.
خاصة لو كان هذا المصاب يملك سلطة كافية تخوله لحُكم دولة كبرى لعشرات السنين، وأن يغزو دولاً أخرى لتحقيق طموحات شخصية يُقتل على إثرها الآلاف من البشر.
ومن بين تلك الاضطرابات "متلازمة الرجل الصغير"، أو "متلازمة نابليون"، والتي تم اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالإصابة بها، وأنها كانت السبب في غزوه أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2022.
اتهام بوتين بالإصابة بـ"متلازمة نابليون"
قال رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الأربعاء 29 يوليو/حزيران 2022، إن الرئيس الروسي لم يكن ليغزو أوكرانيا لو أنه كان امرأة.
وبرهن على حديثه أنه يؤمن تماماً بأن تلك الحرب ما هي إلا تعبير ممتاز عن "الذكورة السامة".
تلك الاتهامات لنوعية شخصية بوتين دعمها بدوره بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، قائلاً إن فلاديمير بوتين "مجنون"، ويعاني من "متلازمة الرجل الصغير"، التي يحاول تعويضها بتغيير التاريخ من خلال "العنف والغزو".
وتابع والاس في تصريحات تداولتها الصحف العالمية: "أعتقد بالتأكيد أن نظرة بوتين لنفسه والعالم هي نظرة الرجل الصغير، نظرة مفتول العضلات".
فما هي متلازمة نابليون، أو اضطراب الرجل الصغير، التي يُعتقد أن بوتين مصاب بها؟
ما هي متلازمة "الرجل الصغير"؟
تشير الأبحاث في علم النفس والاجتماع والسلوكيات أن الرجال الذين يشعرون بأنهم أقل "ذكورية" وقوة بدنياً هم أكثر عرضة بـ3 مرات تقريباً لارتكاب أعمال عنف مقارنة بأولئك الذين يشعرون بالراحة تجاه أجسادهم وقدراتهم الجسمانية.
بمعنى آخر، يأتي تعريف عقدة النقص كالتالي: الشخص يعوِّض عن افتقاره إلى الطول والقوة البدنية من خلال كونه عدوانياً أو متسلطاً في المواقف الاجتماعية.
يشير علم النفس إلى هذا السلوك على أنه "متلازمة نابليون"، وهي صورة نمطية اجتماعية سلبية، يعززها تفضيل المجتمع للرجال طوال القامة.
لماذا يُسمى اضطراب الرجل الصغير بـ"متلازمة نابليون"؟
هناك رواية، يشكك البعض في مدى صدقها، تقول إن نابليون بونابرت كان قصيراً. وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن صحيحاً، إذ كان نابليون يبلغ طوله 1.7 متر، وهو أعلى من متوسط الطول بالنسبة للرجل في ذلك الوقت.
وبحسب موقع New Ideas للمنوعات، جاءت تلك المعلومات المضللة في المقام الأول من الدعاية البريطانية الحريصة على السخرية منه في نظر الجماهير في القرن التاسع عشر.
رأي علم النفس في المتلازمة
وجدت دراسات حديثة أن متلازمة الرجل الصغير موجودة بالفعل، بعد أن أثبتت الأبحاث أن الرجال الذين يشعرون بأنهم أقل ذكورةً معرضون أكثر لخطر ارتكاب أعمال عنف.
تم التوصل إلى هذه النتائج من قِبل باحثين من جامعة فريجي في هولندا، وتم نشرها في مجلة New Scientist للأبحاث العلمية.
إذ تم تقسيم مجموعة من المتطوعين في الدراسة إلى أزواج، وسُمح لهم بمقابلة خصومهم. ثم مُنحوا وقتاً قصيراً لتقييمهم، قبل نقلهم إلى غرف منفصلة.
ثم مُنح كل منهم مبلغاً نقدياً صغيراً من العملات المزيفة على شكل رقاقات، ثم سُئلوا عن المبلغ الذي يرغبون في الاحتفاظ به لأنفسهم، وكم سيتركون لخصمهم.
وبالفعل اتضح أن أقصر الرجال في الدراسة، الذين بلغت أطوالهم بحوالي 1.7 متر، احتفظوا بـ14 رقاقة لأنفسهم في المتوسط. في حين قام الرجال الأطول قامة، الذين بلغ طولهم قرابة مترين، فقد احتفظوا بتسع رقاقات فقط.
الرجال طوال القامة أكثر نجاحاً
يدعم ذلك نتائج سابقة أن الأشخاص طوال القامة عادة ما يكونون أكثر ثراءً، وأكثر نجاحاً في وظائفهم، وأكثر صحة بشكل عام، بل يتمتعون بحياة عاطفية أفضل من نظرائهم من الرجال صغيري الحجم.
إذ وجدت دراسة أجراها عالم النفس، تيموثي جادج، عام 2004 أن الأشخاص طوال القامة يكسبون مزيداً من المرتبات.
وتم حساب أن كل بوصة إضافية من الطول في قامة الشخص تعادل ما يقارب إضافة 789 دولاراً أمريكياً إلى راتب الشخص السنوي.
كذلك وجد استطلاع حول إدارة نصف الشركات الأمريكية الكبرى، أن 58% من الرؤساء التنفيذيين كانوا بطول 1.8 متر على الأقل.
قصار القامة أكثر عدوانية عند امتلاك السُّلطة
في المقابل، وجدت دراسة أخرى نُشرت في مجلة رابطة العلوم النفسية دليلاً على أن الرجال الأقصر من المحتمل أن تظهر عليهم أعراض متلازمة نابليون عندما يوضعون في موقع القوة ضد خصم أطول قامة.
لقد اختبروا ذلك من خلال جعلهم يلعبون لعبة Dictator، ويكون الهدف منها كذلك هو تقسيم الأموال بشكل عادل بين اثنين من المشاركين.
وفي النهاية وجد الباحثون أن الرجال الأقصر هم أكثر عرضة للاحتفاظ بكل الأموال لأنفسهم إذا اعتقدوا أن المشارك الآخر أطول منهم.
لكن دراسة أجرتها جامعة Vrije Universiteit الهولندية عام 2018 عالجت هذه المشكلة من وجهة نظر تطورية، ووجدت أنه قد يكون هناك سبب نفسي، وليس اجتماعياً، لظاهرة أن يكون قصيرو القامة من الرجال أكثر ميلاً إلى أن يصبحوا أكثر عدوانية.
واتضح أن دماغ الذكر قوي القدرة على المنافسة في المواجهات الاجتماعية، لذلك عندما يتفوق ذكر آخر في الصفات الجسدية، يحاول الدماغ التعويض عن طريق تبني طرق بديلة لفرض السيطرة.
الأمر ليس نمطياً بالضرورة
في حين أن "متلازمة الرجل القصير" قد تكون شيئاً يحتاج علم النفس إلى دراسته بشكل تفصيلي أكثر، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن جميع الرجال قصار القامة لديهم السلوكيات والمعتقدات نفسها.
إذ تختلف هذه المفاهيم وفقاً للثقافة العامة وظروف التربية والبيئة والتعرُّض لتجارب مختلفة تجعل من طول القامة أمراً يستحق التعويض عنه بالعنف أو حب السيطرة.
وفي نهاية المطاف، من يدري؟ قد تكون رغبة فلاديمير بوتين في السيطرة على دولة مجاورة عائدة إلى إصابته بمشكلات أخرى أكثر خطورة نكتشفها في المستقبل القريب.