قد تكون محاولات الهروب الناجحة من السجون من القصص الأكثر إثارة وتشويقاً. وبالإضافة إلى استحواذها على الكثير من الاهتمام، فقد ألهمت هذه القصص الكثير من الكتب والفيديوهات الوثائقية، وحتى الأفلام التي تحدثت عنها وصوّرتها.
ومن بين أبرز قصص الهروب وأكثرها شهرة على مر التاريخ، حادثة "هروب ألكاتراز الكبير" كما عُرفت إعلامياً، وفي أوساط هوليوود فيما بعد عندما ألهمت الفيلم الشهير "Escape from Alcatraz".
ضمَّ سجن ألكاتراز، الواقع على جزيرة نائية في سان فرانسيسكو، أخطر المجرمين، وشهد معارك ومحاولات هروب انتهت جميعها بالموت أو الغرق أو الفشل، باستثناء الهروب الوحيد "الناجح" في عام 1962 قبل إغلاقه بشكل نهائي في العام التالي.
حيلة وخطة عبقرية لم يسبق لها مثيل، ولغز لا يزال يحيِّر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي حتى اليوم، تعالوا معنا لنخبركم قصة الهروب الناجحة الوحيدة والمثيرة من أكثر السجون مناعة في التاريخ.
اختفاء ثلاثة سجناء من زنزاناتهم دون أي أثر ملحوظ
في صباح الحادي عشر من يونيو/حزيران عام 1962، وأثناء قيامهم بالتفتيش الروتيني اليومي، تفاجأ ضباط سجن ألكاتراز باختفاء 3 مساجين من زنازينهم، دون العثور لهم على أي أثر، كما لو كانوا تبخَّروا من داخل الزنازين، بعدما عُثر على دُمى هيكلية في أسرَّتهم وضعها السجناء للتمويه.
أما عن المساجين الثلاثة، فقد كانوا جون أنجلين، وشقيقه كلارنس، وفرانك موريس الذين كانوا يعتبرون من أخطر مجرمي السرقات والسطو المسلح حينها في أمريكا.
ويُذكر أن السجناء الثلاثة كانوا يعرفون بعضهم البعض من فترات سابقة قضوها معاً في سجون مختلفة.
أما الرابط الآخر بين السجناء الثلاثة، فهو ماضيهم المعروف بمحاولات الهروب المتكررة من مختلف السجون، ما دفع بالشرطة إلى ترحيلهم إلى سجن الجزيرة النائية، الذي لا يمكن لأحد أن يهرب منه على حد ظنهم.
لكن ما غفلت إدراة السجن عنه، هو وضع المساجين الثلاثة في زنزانات متجاورة، مما ساعدهم على وضع خطة الهروب المُحكمة والتعاون على تنفيذها.
دُمىً تبدو بشرية خدعت الحرّاس وورشة عمل سرِّية لصنع أدوات الهرب داخل السجن
وفقاً لموقع التحقيقات الفيدرالي الأمريكي الرسمي، وبعد التحقيقات التي دامت لسنوات حينها، فقد كان موريس، المعروف بذكائه ومحاولاته السابقة الكثيرة للهرب، الرأس المدبر والمخطط للهروب بمساعدة الأخوين أنجلين ونزيل آخر لم يوفق في الهرب لعدم قدرته على الخروج من زنزانته ساعة الهروب، هو ألين ويست.
وكان ويست قد زوَّد الشرطة بالكثير من المعلومات والتفاصيل عن خطة الهروب المُحكمة التي لم تُكشف إلا بعد مرور عشر ساعات عليها.
في صباح اكتشاف عملية الهروب، لم يجد المسؤولون عن السجن المجرمين الثلاثة في أسرَّتهم، لكن المثير للدهشة هو أنه أثناء التفتيش الليلي لم يدرك الحرس أنهم ليسوا هناك؛ لأن أسرَّتهم لم تكن فارغة، فقد كان هناك رؤوس لها شعر حقيقي على الوسائد، وكتلة تشبه الجسد، وأيدٍ بدت وكأنها حقيقة تظهر من تحت الملاءات.
لكن تلك الرؤوس الوهمية كانت في الحقيقة مصنوعة بذكاء ودقة من الجبس المصنوع من مسحوق الأسمنت، محلي الصنع، الذي يحتوي على مواد مثل الصابون وورق التواليت، ومدهونة بطلاء بلون الجلد البشري من ورشات السجن، ومغطاة بشعر بشري حقيقي تم تجميعه عند حلاقة شعر السجناء، ولصقه باحتراف على نحو خدع حراس الليل.
أقاموا ورشة عمل سرِّية على سطح السجن وحفروا الجدران بأدوات صنعوها بأنفسهم
عند اكتشاف هروب السجناء، تم إغلاق السجن، وبدأت عمليات التحقيق للكشف عن طريقة هروبهم التي للوهلة الأولى بدت وكأنهم تبخروا من زنزاناتهم حرفياً.
وبحسب موقع Global News، يعتقد أن تخطيط وتنفيذ عملية الهروب استغرقت من موريس والأخوين أنجلين أكثر من عام.
وتبين أنهم استخدموا الملاعق وآلات حادة مُصنَّعة داخل السجن لحفر ثقوب حول إطار فتحات التهوية في مؤخرة زنازينهم، ثم أزالوا هذه الأقسام من جدران زنزاناتهم وتسللوا عبر ممرات التهوية الضيقة التي تنتهي بدعامات حديدية، ثم تسلقوا إلى أعلى مواسير المياه. ومن هناك، انزلقوا عبر المدخنة حتى لا يراهم الحرس ليلاً قبل الوصول إلى الماء.
وقد وجدت الشرطة أيضاً ممراً سرياً سمح لهم بالوصول إلى سطح زنزاناتهم، حيث أقاموا "ورشة عمل سرية" صنعوا فيها "أدوات بدائية" من العناصر المتاحة، من بينها "منظار" يمكن من خلاله مراقبة الحراس أثناء عملهم، ومجاديف، وسترات نجاة.
ويعتقد أنه بعد هروبهم، توجه السجناء إلى الشاطئ الشمالي الشرقي للجزيرة، وأطلقوا طوافهم المطاطي الذي صنعوه من معاطف المطر التي تعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية، وكان الأثر الوحيد المتبقي من عملية الهروب التي يعتقد أنها نجحت، فقد عثر على الطوافة بالقرب من جزيرة أنجيل، بالإضافة إلى مجداف يدوي الصنع.
لكن هل استطاع الثلاثة الوصول للبر أحياء؟ الإجابة لا تزال لغزاً
على الرغم من أنه من المؤكد نجاحهم في الهروب من السجن نفسه ووصولهم للماء، لكن وصولهم أحياء للبر لا يزال لغزاً محيراً. فعلى الرغم من أنه من المحتمل أن الأمواج دفعت بالطوافة فارغة بعد غرقهم إلى البر، فلم يتم العثور على أي جثة لأي من السجناء.
من جهته، أغلق مكتب التحقيقات الفيدرالي القضية رسمياً في 31 ديسمبر/كانون الأول 1979 بعد سنوات من التحقيق ومحاولة إيجاد دليل على موتهم أو حياتهم، وسلم المسؤولية إلى فرع الشرطة الأمريكية، التي تواصل التحقيق حتى يومنا هذا لمعرفة ما إن كان الثلاثي على قيد الحياة أم لا.
أما سبب استمرار التحقيقات، فهو تلقي قسم شرطة سان فرانسيسكو في عام 2013 رسالة من شخص زعم أنه جون أنجلين، وفقاً لموقع CBS News، مدعياً أنه الوحيد الباقي على قيد الحياة من الثلاثي، وأن شقيقه توفي عام 2011 وموريس في عام 2005.
وقال أنجلين في الرسالة إنه سيفصح عن مكانه إذا حصل على وعد عبر التلفزيون بأنه لن يذهب إلى السجن لأكثر من عام، وأنه سيكون قادراً على تلقي الرعاية الطبية بسبب تشخيصه بمرض السرطان.
أرسل قسم الشرطة الرسالة إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي لتحليلها واتخاذ قرار بشأنها، لكن المكتب رفض اعتمادها كدليل، أو التعاون مع الشخص المزعوم الذي أرسلها.