على مدار العقد الماضي حدثت وفيات مأساوية، بما في ذلك سقوط أشخاص من المنحدرات أو صعقهم بالكهرباء أو غرقهم لسبب قد لا يتوقعه كثيرون وهو التقاط الصورة المثالية!
ووفقاً لأرقام جديدة صادمة، فقد أودى الشغف المميت بصور السيلفي الآن بحياة 330 شخصاً في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2021، وفقاً لموقع صحيفة The Sun.
ما دفع العلماء إلى المطالبة بـ"مناطق حظر التقاط صور سيلفي" في محاولة لخفض عدد الوفيات.
وبرزت ثلاث دول سجلت أكبر عدد من الإصابات في وفيات صور السيلفي، وهي الهند والولايات المتحدة وروسيا.
لكن لماذا يخاطر الناس بأخذ صور السيلفي، وكيف بدأ الهوس بالتقاطها، إليكم التفاصيل في هذا التقرير، مع بعض من أكثر القصص المأساوية التي سببت وفاة أشخاص عند محاولة التقاط الصور.
أول صورة "سيلفي" التقطت عام 1839
في عام 2013، أعلنت قواميس أكسفورد عن كلمتها السنوية "Selfie"، التي عرفها على أنها "صورة يلتقطها المرء لنفسه، وعادة ما يتم التقاطها بهاتف ذكي أو كاميرا ويب وتحميلها على أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
رغم أن الانتشار الواسع لهذه التقنية حديث تماماً فإن "صورة السيلفي" نفسها- إذا تم تعريفها على أنها صورة يلتقطها المرء لنفسه- بعيدة كل البعد عن كونها ظاهرة حديثة تماماً.
في الواقع فإن الصورة الذاتية للتصوير الفوتوغرافي شائعة بشكل مدهش في الأيام الأولى لاستكشاف التصوير والاختراع، عندما كان المصور في كثير من الأحيان يلتقط الصور التجريبية ويستخدم نفسه نموذجاً لذلك.
في الواقع، التُقِطت الصورة التي اعتبرها الكثيرون أول صورة "سيلفي" فوتوغرافية على الإطلاق في عام 1839، بواسطة كيميائي ومتحمس للتصوير الفوتوغرافي من فيلادلفيا، يُدعى روبرت كورنيليوس.
قام كورنيليوس بتركيب كاميرته في الجزء الخلفي من متجر العائلة في فيلادلفيا، والتقط الصورة عن طريق إزالة غطاء العدسة، ثم الركض إلى الإطار، حيث جلس لمدة دقيقة قبل أن تغلق العدسة مرة أخرى.
وكتب على خلف الصورة "أول صورة ضوئية تم التقاطها على الإطلاق 1839".
عصا السيلفي، أحد أفضل اختراعات عام 2014، لكن استخدامها مُنع في الكثير من الأماكن
أدى التوافر الواسع للكاميرات والتصوير في القرن العشرين إلى ازدياد انتشار وشهرة الصور الذاتية، حيث استخدم الكثيرون الطريقة الشائعة لالتقاط صورة أمام المرآة.
ومع اختراع الهاتف المزود بكاميرا أمامية، قفزت تقنية Selfie قفزة هائلة إلى الأمام. ثم انتشرت في الأسواق عصا الصور الشخصية التي صنفتها مجلة تايم على أنها واحدة من أفضل 25 اختراعاً لعام 2014. ولكن سرعان ما أطلق عليها النقاد اسم "ناريسيستيك"، أي عصا النرجسية، وأصبحت سريعاً محظورة في العديد من المتاحف والمتنزهات، بما في ذلك منتجع والت ديزني.
ورغم الانتقادات الموجهة لصور السيلفي فإن شعبيتها في ازدياد. حيث تتراوح تقديرات منشورات السيلفي اليومية من مليون إلى 93 مليوناً على أجهزة Android وحدها.
ويشير تقرير بريطاني من عام 2016 أيضاً إلى أن النساء الشابات يقضين ما يصل إلى خمس ساعات في الأسبوع على الصور الذاتية. أما سبب فعل ذلك فهو أن الصور تبدو جيدة، لكن من بين الأسباب الأخرى جعل الآخرين يشعرون بالغيرة وإزعاج الشركاء السابقين.
صور السيلفي تُعزز الثقة أم أداة نرجسية؟ علماء النفس ينقسمون
وفقاً لموقع Psychology Today، تعتقد أستاذة علم النفس باميلا روتليدج، أن صور السيلفي "تسمح للشباب بالتعبير عن حالاتهم المزاجية ومشاركة التجارب المهمة". وأنها يمكن أن تعزز الثقة من خلال إظهار أفضل ما لديك للآخرين وتفاعلهم معك، كما أن صور السيلفي تحتفظ بالذكريات المهمة.
لكن لا يزال هناك الكثير من الجوانب السلبية لصور سيلفي، فقد وجدت دراسة أوروبية أن الوقت الذي يقضيه الشخص في النظر إلى صور السيلفي على وسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بأفكار سلبية عن صورة الجسد بين الشابات، وفقاً لموقع BBC.
ويبدو أن إحدى المشكلات الكبيرة في صور السيلفي هي أنها تظهر كسبب أو نتيجة للنرجسية.
يصف بيتر غراي، الذي يكتب لمجلة "علم النفس اليوم"، النرجسية بأنها "نظرة متضخمة للذات، مقترنة بلامبالاة نسبية تجاه الآخرين".
يميل النرجسيون إلى المبالغة في تقدير مواهبهم والاستجابة بغضب للنقد. هم أيضاً أكثر عرضة للتنمر، وأقل احتمالية لمساعدة الآخرين. ووفقاً لغراي، تُظهر استطلاعات الرأي التي أجريت على طلاب الجامعات أن سمة النرجسية أكثر انتشاراً اليوم مما كانت عليه قبل 30 عاماً.
تقترح عالمة النفس جويندولين سيدمان أن هناك رابطاً بين النرجسية وصور السيلفي. وتستشهد بدراستين فحصتا انتشار صور السيلفي على Facebook، في عينة تضم أكثر من 1000 شخص.
كان الرجال في العينة الذين نشروا عدداً أكبر من صور السيلفي أكثر عرضة لإظهار دليل على النرجسية. أما عند النساء فكانت مشاركة الصور الشخصية مرتبطة بنوع من النرجسية المسماة "طلب الإعجاب"، والتي تُعرَّف على أنها "الشعور بأنك تستحق وضعاً خاصاً أو امتيازات معينة والشعور بالتفوق على الآخرين".
وهذا بدوره يدفع الكثيرين للمخاطرة بالتقاط الصور الشخصية في مواقف أو أماكن خطرة، سعياً لنيل الإعجاب وإظهار التميز، والتأكيد لأنفسهم والغير أنهم الأفضل.
أناس فارقوا الحياة في سبيل التقاط الصور المثالية
تتصدر الهند مركز الصدارة في عدد الوفيات والإصابات الناجمة عن التقاط صور السيلفي. في عام 2018 على سبيل المثال، قُتل رجل هندي أثناء محاولته التقاط صورة سيلفي بجوار دب مصاب، عندما قام الدب بمهاجمته وقتله فوراً.
بالإضافة لحوادث أخرى متكررة قتل فيها أشخاص كانوا يحاولون التقاط الصور مع الأفيال في الهند، كما يشير موقع New York Post.
وفي عام 2017 تُوفي ثمانية رجال، تتراوح أعمارهم بين 21 و28 عاماً، عندما دخلوا بقاربهم إلى نهر غزير وتياراته سريعة لالتقاط صورة ذاتية جماعية، وغرقوا عندما انقلب القارب.
لا تشكل الحيوانات الخطر الوحيد على الباحثين عن التقاط صور السيلفي، المرتفعات أيضاً غالباً ما تكون السبب، ففي إشبيلية بإسبانيا سقطت سائحة بولندية من على جسر وماتت وهي تحاول التقاط صورة سيلفي.
أما الحادثة الأكثر ألماً فهي عندما فقد طيار لطائرة من طراز سيسنا السيطرة على طائرته- حيث قتل نفسه وراكبه الخاص- أثناء محاولته التقاط صورة سيلفي في عام 2014.
وفي عام 2021، سقطت شابة صينية تعمل في مجال تشغيل الرافعات من ارتفاع 160 قدماً وهي تصور مقطع فيديو لمتابعيها، البالغ عددهم 100 ألف شخص، على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي روسيا، عام 2015، أطلقت السلطات الروسية حملة تحت اسم "صورة السيلفي الرائعة قد تكلفك حياتك".
والسبب أن الشرطة قدرت أن ما يقرب من 100 روسي لقوا حتفهم أو أصيبوا بجروح بسبب محاولتهم التقاط صور سيلفي "متهورة"، أو صور لأنفسهم في مواقف خطرة، مثل محاولة تفجير قنابل يدوية أو فوق قطارات متحركة.