ربما تكون قد سمعت بمصطلح "التراكمات العاطفية" أو "Emotional Baggage" من قبل، وهو يُستخدم لوصف تحمُّل صدمات الماضي أو ما يسمى التجارب السلبية في الحياة أو العلاقات أو المهنة وغيرها دون أن يتم معالجتها وتجاوزها.
هذه الأعباء العاطفية المتراكمة قد تحرم الشخص من العيش بصورة طبيعية، وتكون بمثابة الشبح الذي يحوم حوله طوال الوقت، ويؤثر على طريقة تفكيره وتعامله مع نفسه ومع من حوله.
جميعنا نعاني من التراكمات العاطفية بنسب متفاوتة
بطبيعة الحال، كل شخص لديه مشاعر غير معالجة ولم يتم تجاوزها بصورة صحية نتيجة للتجارب السابقة، وحتى وإن ظن الشخص أنه بتجاهلها قد يعجّل بزوال أثرها، إلا أنها لا تختفي تماماً بتلك البساطة.
خاصة إذا ما كانت التجارب التي يمر بها الشخص مؤلمة وشديدة لدرجة تسببها في صدمة لدى الشخص المصاب بها. وبحسب موقع Healthline للصحة والمعلومات الطبية، يمكن أن تؤثر التجارب القاسية والمشاعر المترتبة عليها على:
- طريقة تفكيرك في نفسك.
- طريقة تفاعلك مع التوتر والأحداث المربكة.
- صحتك الجسدية.
- علاقاتك مع الآخرين.
فيما يلي نستكشف كيف من الممكن أن تحلل طبقات المشاعر المتراكمة والأعباء العاطفية التي تظل غير مُعالجة في ذهنك دون وعي، وكيف من الممكن أن تتخفف بشكل صحي مما يثقل كاهلك.
أولاً: تعريف الأعباء العاطفية المتراكمة وتأثيرها
تشير التراكمات العاطفية إلى المشاعر السلبية التي قد نمر بها بسبب التجارب القاسية والمؤلمة السابقة، والتي يجب علينا التغلب عليها لكي ننضج ونحقق السلام النفسي والعقلي.
الكثير منا عانى من أحداث مرهقة وصدمات مختلفة خلال مسار حياتنا. وغالبًا ما تكون هذه الأحداث صادمة بما يكفي لأن تترك سلسلة من الأفكار والأحاسيس التي تتراكم لسنوات عديدة قادمة، مسببة الألم والحزن والندم والغضب والخزي وغيرها من المشاعر السلبية.
يمكن أن تسبب تلك الأعباء والتراكمات العاطفية التوتر والاكتئاب ونوبات الغضب. وفي بعض الحالات المتقدمة، قد تؤدي أيضاً إلى أفكار وميول انتحارية.
وبالتالي فإن تلك الأعباء تثقل كاهلنا وتسمح للتجارب المؤلمة السابقة بتقويض آفاق مستقبلنا وفرصنا في الحصول على حياة وعلاقات أفضل.
وتُعد التراكمات العاطفية حالة من عدم الأمان مختلطة مع العديد من العراقيل النفسية التي تم تطويرها بسبب الأحداث التي وقعت في حياة الشخص المصاب.
وتتراوح تلك المحفزات من طفولة مؤلمة أو مُهمَلة، وعلاقات شخصية مرهقة مع الأصدقاء أو العائلة أو شركاء الحياة. وتسبب هذه العوامل نقصًا بالثقة، سواء فيما يتعلق بالثقة في الآخرين أو في أنفسنا.
وقد أوضح موقع HealthShot للصحة النفسية والطب علامات من شأنها أن تنذرك بأنك تعاني من المشاعر السلبية التي لم تتمكن من معالجتها والتعافي منها بعد، وتشمل:
1- عدم الثقة بالعلاقات
ينشأ العديد من الأطفال في بيئات أسرية غير صحية ومؤذية، وفيها يواجهون القلق والصدمة العاطفية والخوف.
إضافة لذلك، الكثير من العلاقات العاطفية والزيجات تفشل وتنتهي بتجارب سيئة ومؤسفة، وغالباً ما تكون أيضاً سبباً للمعاناة من الأعباء العاطفية المتراكمة.
ويمكن لأحداث الحياة هذه أن تترك المرء يعاني من التوتر والقلق والشك بالنفس وانعدام الثقة بالآخرين. وبالتالي قد تكون بعض العلامات الكلاسيكية لتلك الصدمات ارتفاع الشعور بالتبعية للآخرين، وانعدام الإحساس بالأمن، وعدم القدرة على الالتزام، وعدم القدرة على العطاء العاطفي.
2- جنون الارتياب ونوبات الغضب
الخوف أو جنون العظمة هو جزء من ردة فعلنا الطبيعية لشعور "القتال أو الهروب"، ما يعني أننا نخاف بشدة عند مواجهة موقف غير معروف.
وعلى الرغم من أن هذه المشاعر جزء من غريزة البقاء لدينا، إلا أنها في بعض الحالات يمكن أن تستمر لسنوات بعد التعرض لحدث صادم.
يستمر الأشخاص الذين لديهم ثقل عاطفي في استعادة أسوأ لحظاتهم مراراً وتكراراً، ما يجعلهم يخافون من الاستسلام والعيش بحرية في حياتهم.
كما ينبع هذا الخوف أيضاً من الغضب؛ لأننا عندما نشعر بالاكتئاب في الحياة، فإننا غالباً ما نعبر عن تلك المشاعر من خلال الغضب والاستياء.
وبالتالي سيجبرك الخوف والغضب غير المعالجين على تجنب المواقف التي تعتقد أنها ستكون ضارة ومُربكة، وتُبح شخصاً غاضباً بدون مبررات.
ويمكن أن يشمل ذلك تجنب مقابلة أشخاص جدد أو حتى الامتناع عن الذهاب إلى مطعم جديد لتناول العشاء لكي تتجنب شعور القلق البسيط المرافق له لأنك تفسره بشكل لا إرادي على أنه "خطر مُحدق".
3- الشعور بالذنب والندم المستمر
يعتبر الشعور بالذنب والندم من مؤشرات العبء العاطفي المتراكم، حيث يؤديان إلى الاجترار والاستبطان والبقاء سجيناً لأفكارك السلبية.
وغالباً ما تتسبب تلك المشاعر في أفكار لإنكار الذات والمخاوف السلبية التي تهدد الثقة والرفاهية العاطفية للشخص المصاب.
يمكن أن يظهر الشعور بالذنب والندم أيضاً في شكل الإفراط في الاعتماد على أفراد الأسرة أو الزوج/الزوجة، ما يعيق إنشاء حدود صحية للعلاقات.
كما قد يؤدي هذا إلى التعويض المفرط في أشياء يقوم بها المرء بدافع الشعور بالذنب والندم. مثل الاهتمام بالآخرين من باب الخوف لا المحبة، أو التواصل مع شريك الحياة من منطلق إحساس الذنب لا الحب والمشاركة.
ثانياً: كيف تطلق العواطف السلبية المسجونة من جسمك؟
هل شعرت يوماً بالحاجة إلى البكاء بصورة جنونية، أو الصراخ بملء طاقتك، أو الضحك بدون سبب، أو لكمة وسادة وتحطيم كل شيء حولك؟
غالباً ما يتم تعليمنا خلال حياتنا دفن آلامنا والتحامُل على مشاعرنا.
وبمرور الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى انفعالات مكبوتة، تُعرف أيضاً باسم التجنب اللاواعي.
ووصل الأمر إلى حدوث تأثيرات صحية مباشرة عند كثرة كبت المشاعر، إذ ربطت الأبحاث التي أُجريت عام 2019 وفقاً لمجلة Open Access Pub للدراسات العلمية، بين القمع العاطفي وانخفاض وظائف الجهاز المناعي.
وفيما يلي بعض الطرق للتخلص من المشاعر المكبوتة والتراكمات العاطفية بشكل صحي:
1- الاعتراف بمشاعرك: كلما فهمت مشاعرك وأسباب أفكارك وتصرفاتك وردود فعلك، كلما زادت قدرتك على استيعاب مشاعرك بطرق صحية والتعامل بوعي معها.
وتكون الخطوة الأولى هي التواصل مع مشاعرك وفهمها. قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من مشاعر مكبوتة صعوبة في التعرف على مشاعرهم وفهمها، وهذا هو السبب في أنه قد يكون من المفيد التحدث مع أخصائي الصحة العقلية والطبيب النفسي المتخصص.
2- العمل على علاج الصدمات المتراكمة: في كثير من الأحيان، هناك أشياء نحملها لسنوات تعود إلى الطفولة المبكرة.
وتتضمن بعض أمثلة الصدمات القديمة:
- التعرض للإساءة، سواء العقلية أو العاطفية أو الجسدية أو الجنسية.
- الإهمال العاطفي والمادي.
- فقدان أحد أفراد الأسرة أو غياب أحد الوالدين.
- الانفصال عن أحد الوالدين لأسباب مختلفة.
- المعاناة من شخصيات متسلطة في الأسرة.
ويمكن أن تظهر صدمات الطفولة التي لم يتم حلها من خلال الكثير من الأعراض النفسية والعاطفية المؤلمة، بما في ذلك:
- لوم الذات المستمر.
- إلقاء اللوم على الآخرين.
- الشعور بالاكتئاب المزمن.
- الانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.
من أجل التعامل مع الصدمات، يقول أطباء الصحة النفسية بحسب موقع NBC News إنه من الأهمية بمكان أن تشعر بالحزن بشأن حقيقة أنك قد لا تحصل أبداً على ما تريده أو كنت تستحقه منذ سنوات.
وبمجرد أن تسمح لنفسك بهذا الحزن التعبير الحقيقي عنه من خلال البكاء والاكتئاب بحدود، يمكنك الاعتراف بالاستراتيجية التكيفية التي طورتها نتيجة لذلك والعمل على علاجها بالتدريج.
على سبيل المثال، ربما تكون قد طورت استراتيجية للتكيف لتكون مستقلاً ما يؤدي في النهاية إلى شعورك بالعزلة والوحدة الدائمة. وبدون التعرف على أنك قد طورت تلك الاستراتيجية، قد تعتقد أنك تنفر من الآخرين وتفضل الانزواء، وهو الأمر غير الصحيح.
من ناحية أخرى ، إذا أدركت أن عزلتك تأتي منك رد فعل لحماية نفسك، فيمكنك حينها تحديد جذر المشكلة وتعديل استراتيجيتك لتلبية احتياجاتك الحقيقية بشكل أفضل وأكثر وعياً.
3- ممارسة نظام حياة صحي: من خلال الارتباط بأنشطة محببة لتفريغ الطاقة الجسدية والنفسية، وذلك عن طريق ممارسة الرياضة والتأمل والصلاة وتمارين التنفس والتفكير الهادئ، يمكنك تعويض تلك التراكمات العاطفية السلبية بأخرى إيجابية تساعدك على التعافي والمضي قُدُماً.
ومن بين عوامل النظام الصحي للحياة اليومية هي أن تكون واعياً بحاجتك إلى الراحة والحصول على قسط من الهدوء والسكون التام والابتعاد عن المشوشات، لكي تنال فرصة الاستماع لأفكارك وفهم مشاعرك.