سمحت محطات الفضاء للبشرية أن توجد في الفضاء بشكلٍ دائم عن طريق دورانها في مدار حول الأرض. وبعد نهاية برنامج أبوللو، حولت الدول تركيزها من رحلات الفضاء العميق إلى التركيز على الصعيد المحلي أكثر. وكان يُفترض بمحطات الفضاء أن تمثل حجر زاوية السفر الفضائي قبل تحصيص مشاريع لزيارة القمر والمريخ وحتى استعماره.
وتدور المحطات الفضائية في مدارٍ منخفض حول الأرض وتُستخدم عادةً لإجراء التجارب في الفضاء، مثل كيفية تصرف الجسم وردّ فعله في مواجهة انعدام الجاذبية لفترات مُطوّلة. وقد صُمِّمَت العديد من التجارب التي أُجريت داخل محطات الفضاء خصوصاً من أجل تحديد تأثيرات السفر الفضائي لفترات طويلة.
وبينما تُعد محطة الفضاء الدولية ISS أشهر محطات الفضاء ومحطة الفضاء الوحيدة للبشر في مدار الأرض، لكنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. فكم عدد المحطات الفضائية الموجودة في مدار الأرض؟
تاريخ المحطات الفضائية.. السوفييت قبل الأمريكان
بُنيت أول محطة فضاء بواسطة الاتحاد السوفييتي عام 1971. وكان اسمها ساليوت 1، ولم تستقبل سوى بعثتين بشريتين فقط. إذ كانت سويوز 10 وسويوز 11 هي البعثات البشرية الوحيدة إلى ساليوت 1.
لكن سويوز 10 فشلت في الالتحام برصيف المحطة، وأُلغيت المهمة سريعاً، بينما نجحت سويوز 11 في الالتحام برصيف المحطة، وأجرى رواد الفضاء التجارب على متن ساليوت 1 لمدة 23 يوماً.
لكن أحد الصمامات لم ينغلق بالشكل الصحيح على متن سويوز 11 إبان نهاية المهمة مع الأسف؛ وفقد الطاقم حياته بسبب فقدان الهواء. ومن عام 1971 إلى عام 1973، أطلق الاتحاد السوفييتي ثلاث محطات فضاء إضافية ولكن بدون أي طواقم على متنها.
وأخيراً في عام 1973، أطلقت الولايات المتحدة محطتها الفضائية الأولى سكاي لاب في المدار الأرضي المنخفض. وكانت محطة سكاي لاب بمثابة سابقةٍ لما ستصبح عليه محطة الفضاء الدولية.
وأرسلت وكالة ناسا الأمريكية 3 بعثات منفصلة على متنها طواقم بشرية بين مايو/أيار 1973 وفبراير/شباط 1974، وقضى كل طاقم نحو 24 ساعة على متن سكاي لاب. ولم يستطع رواد الفضاء إعادة تزويد المحطة بالوقود، لأن ناسا لم تكن قد طورت المكوك الفضائي بعد.
ولهذا هوت محطة سكاي لاب باتجاه الأرض في تدهورٍ مداري عام 1979، قبل أن تتفكك بدخولها إلى المجال الجوي للأرض من جديد.
لم تطلق الولايات المتحدة محطة فضاء أخرى بعد سكاي لاب، حتى بدأ بناء محطة الفضاء الدولية. بينما واصل السوفييت العمل على برنامج ساليوت لما تبقى من القرن الـ20، بإطلاق مزيد من محطات الفضاء الأخرى.
وربما كانت أشهر محطات فضاء الاتحاد السوفييتي هي مير، التي جرى إطلاقها عام 1986 وظلت في الخدمة حتى عام 2001 (إذ خضعت لإدارة الاتحاد الروسي بين عامي 1991 و2001، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي).
وكانت مير تُعتبر أكبر قمر صناعي أثناء فترة وجودها في مدار الأرض، وشهدت إجراء مئات التجارب حول الآثار طويلة المدى للسفر في الفضاء، وتحديد ما إذا كان بإمكان البشرية العيش في مدار الأرض بشكلٍ دائم.
محطة الفضاء الدولية.. موطن البشر الوحيد خارج الأرض
لا يعرف غالبية الناس سوى محطة الفضاء الدولية على الأرجح. ولا عجب في ذلك، لأن محطة الفضاء الدولية تدور في مدار الأرض منذ أكثر من 23 عاماً، ومثلت الموطن الرئيسي للبشرية في الفضاء على مدار عقود.
إذ بدأ بناؤها في عام 1998 وتُعتبر مشروعاً مشتركاً بين العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وروسيا واليابان والاتحاد الأوروبي وكندا. وربما تقدم الولايات المتحدة وروسيا أكبر قدرٍ من التمويل والتقنيات للمحطة، بينما تقدم كل دولة من الدول الأعضاء شكلاً مختلفاً من أشكال التقنية التي تجعل محطة الفضاء الدولية واحدةً من أعظم أمثلة التعاون الدولي.
وأصبحت محطة الفضاء الدولية أكبر جسمٍ اصطناعي في مدار الأرض بعد تفكيك محطة فضاء مير، وتواصل التوسع حتى يومنا هذا. بينما يُواصل العلماء تطوير وإضافة وحدات جديدة إلى محطة الفضاء، حيث جرى توصيل آخرها في عام 2021، بحسب NASA.
كما جرى تمديد عمر محطة الفضاء الدولية عدة مرات، وقد تسلمت حالياً ما يكفي من التمويل لمواصلة العمليات حتى عام 2030. ويوجد شخصٌ على متن المحطة بشكلٍ ستمر منذ عام 2000، مما يجعلها الموقع صاحب أطول فترة وجود بشري متواصل في تاريخ الفضاء، إذ زار المحطةَ 251 رائد فضاء من 20 دولة مختلفة حتى عام 2022.
محطة الفضاء الصينية
تُعتبر الصين هي الدولة الوحيدة التي ترتاد الفضاء بدون المشاركة في بعثات محطة الفضاء الدولية. بل تعكف الصين بدلاً من ذلك على تطوير وإطلاق محطاتها الفضائية.
إذ جرى إطلاق محطة الفضاء الصينية الأولى تيانغونغ-1 في 29 سبتمبر/أيلول عام 2001. واستمرت تيانغونغ-1 في الخدمة لعامين قبل تفكيكها، ثم ظلت في مدار الأرض حتى عام 2018 حين احترقت بدخولها المجال الجوي. وكان الغرض الأساسي من تيانغونغ-1 هو اختبار قدرات الصين في الفضاء وريادة عملية تطوير محطات الفضاء مستقبلاً.
وفي 15 سبتمبر/أيلول عام 2016، أطلقت الصين محطة الفضاء الثانية تيانغونغ-2 لاختبار التقنيات اللازمة لبناء موطنٍ دائم في الفضاء بنهاية المطاف وليس لإطلاق الموطن نفسه بعد.
لكن تم تفكيك تيانغونغ-2 بعد ثلاث سنوات فقط، واحترقت مع دخولها المجال الجوي عام 2019، حسب موقع World Atlas.
وتعكف الصين حالياً على بناء محطة تيانغونغ جديدة أكبر بكثير، حيث جرى إطلاق أولى وحداتها إلى الفضاء في عام 2021، مع خطط لإرسال المزيد في عام 2022. وتنوي الصين منافسة محطة الفضاء الدولية وتزويد البشرية بموطنٍ دائم آخر في الفضاء.
وبذلك يصبح عدد المحطات الفضائية الموجودة محطتين في مدار أرضي منخفض (أقل من 2000 كيلومتر فوق سطح الأرض)، وبينما يبلغ عدد أفراد محطة الفضاء الدولية (ISS) منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2000، سبعة أفراد، تحمل أول وحدة من المحطة الصينية تيانغونغ ثلاثة أفراد بشكل متقطع، حسب ما نشره موقع The Conversation.