لا تشعر بالفزع، ولكن الحقيقة المؤلمة هي أنه لديك في هذه اللحظة عشرات وعشرات من الحشرات الدقيقة التي تتجول على أعمدة الشعر الصغيرة الموجودة في مسام وجهك، وهي تلتهم بهدوء زيوت بشرتك الطبيعية.
حسناً، يمكنك أن تشعر بالفزع إذا أردت، لكن لا حرج عليك، لأن عث الوجه يعيش على جلد جميع البشر، ولا يعني ذلك أبداً أنه لديك مشكلة في نظافتك الشخصية.
ما هو عث الوجه؟
تُعرف هذه العناكب الشبيهة بالقرادة باسم عث الوجه أو Demodex، وهي تعيش حياة هادئة ودافئة في أعماق مسام الوجه عند معظم البشر البالغين.
إذ لم يتم العثور على عث الوجه عند الأطفال، ويُعتقد أنه ينتقل من خلال الاتصال الأمومي أولاً.
هذه الزواحف المخيفة ذات ثماني أرجل، معظمها شفافة وذات حجم مجهري لا يُرى بالعين المجردة، ويبلغ قياس كل منها حوالي 0.3 ملم، وفقاً لمقال نشره موقع NPR للأبحاث العلمية.
ونعيش عث الوجه بالقرب من جذور بصيلات شعر الوجه عند كل من الرجال والنساء على حد سواء، وتظل مختبئة داخل المسام حيث مسكنها ومكان تكاثرها.
ويمكن أن تتواجد تلك الأنواع من الحشرات أيضاً في أجزاء أخرى من الجسم مثل الذراعين والصدر والأذنين، لكنها لا تغزو الأعضاء الداخلية.
والحقيقة هي أننا لم نولد بهذا العث- بل يتم التقاطه من خلال الاتصال بأشخاص آخرين، وكذلك من أشياء مثل المناشف وأكياس الوسائد وملايات الأسرة وغيرها.
في الظروف العادية، عث الوجه ليس ضاراً ويُصنف على أنه كائن متكافئ، بمعنى أنه يستفيد من العيش على جلد البشر، ولكن لا ضرر أو منفعة لنا من وجوده.
وبحسب صحيفة New York Post، لطالما كان للعث والبشر علاقة طويلة الأمد في التواجد مع بعضهما البعض، وفي دراسة علمية أولى من نوعها عُثر في تحليل لشمع الأذن البشري في عام 1842، على تلك المخلوقات الصغيرة لأول مرة.
ولكن، لماذا تعيش تلك الحشرات على وجوهنا؟
أولاً عليك أن تضع في اعتبارك أنه من السهل الوصول إلى بوفيه شامل وغني من الدهون- وهو الزيت الشمعي الذي يفرزه وجهك للحفاظ على رطوبته بصورة طبيعية، والتي تُعد وليمة لذيذة لحشرات عث الوجه.
ولأن البشرة تنتج الزهم، وهو الاسم العلمي لدهون البشرة الطبيعية، عن طريق غدد مدسوسة داخل مسام الجلد بالقرب من قاع بصيلات شعرك؛ يسعى عث الوجه للحصول على الوجبة الدهنية هذه عن طريق حفر مسارات في الوجه أولاً في تلك المسام، وفيها ينام نهاراً.
أما في الليل، عندما يكون الإنسان نائماً بعادته، تزحف تلك الحشرات المجهرية على سطح الجلد للتزاوج.
وبطبيعة الحال، نظراً للنظام الغذائي التي تتبعه تلك الحشرات، ينجذب عث الوجه إلى أكثر المسام الدهنية الموجودة في الجسم، على رأسها تلك الموجودة حول الخدين والأنف والجبهة.
ووفقاً لدراسة نُشرت في عام 1992 في مجلة Clinical and Experimental Dermatology العلمية لطب الجلد، يمكن للبصيلات المصابة أن تحتوي على نحو نصف دزينة على أقل تقدير من عث الوجه في الوقت نفسه.
ويمكن أن تعيش كل حشرة من هذا النوع من العث لمدة أسبوعين تقريباً. ونظراً لأنها تعيش داخل المسام، فلا تتخيل أنه بإمكانك أن تفركها وتتخلص منها بالغسيل. بمعنى آخر، من المستحيل التخلص من عث الوجه بصورة نهائية.
كميات هائلة كأقل تقدير
وجدت دراسة نُشرت في مجلة PLoS ONE في عام 2014 أنه في عينة صغيرة من 29 شخصاً في تجربة محدودة، كان لدى 100% منهم المئات من عث الوجه على وجوههم.
وقالت الباحثة الأمريكية ميجان توماس، لموقع BBC Earth: "من الصعب التكهن أو تحديد الكمية الإجمالية لتلك الحشرات غير المرئية في جلودنا، ومع ذلك فإن الكمية الأقل منها ستُقدر بالمئات؛ أما العدد الأضخم فسيكون بالآلاف".
السؤال الأهم: هل عث الوجه مؤذ؟
يشير موقع Live Science العلمي للأبحاث إلى أن عث الوجه لا يشكل أي تهديدات معروفة للبشر، ما لم تتجمع بأعداد ضخمة جداً، مما يؤدي أحياناً إلى مرض يسمى داء الدويدي، أو الجرب الدويدي.
وتقول طبيبة الأمراض الجلدية بجامعة كاليفورنيا، كانادي شينكاي، إن داء الدويدي يمكن أن يتسبب في ظهور لمعان أحمر أو أبيض على الجلد، وغالباً ما يرتبط بانخفاض استجابة الجهاز المناعي وبالتالي تأثره بتلك الحشرات التي عادة ما لا تسبب أي مخاطر أو أضرار.
لذلك، فإن الحالة الجلدية تلك نادرة الحدوث عموماً، ويعيش معظم الناس بسلام مع عث الوجه حتى مراحل الشيخوخة المتقدمة وآخر حياتهم بدون أي مشكلات.