هل تشعر بأنك أكبر من عمرك الحقيقي بشكل دائم؟ هناك كثيرون مثلك تماماً.
بينما يقضى بعض الأطفال طفولتهم وهم يحاولون أن يبدوا أكبر سناً من عمرهم الفعلي، نجد أنفسنا في مرحلة معينة نشعُر فيها، بالفعل، بأننا نتجاوز عمرنا الحقيقي في شهادات الميلاد، وقد نبدأ التعامل حتى وفقاً لذلك الشعور.
ولكن لماذا تشعر بأنك أكبر من عمرك؟ الجواب قد يكون: بسبب قدراتك العقلية والذهنية ومستوى نضجك، بحسب علماء النفس.
"عمرك الذاتي" قد يشير لعديد من الأمور
الأمر مثل طول قامتك أو مقاس حذائك، إذ إن عدد السنوات التي مرت منذ حلولك في هذا العالم لأول مرة، حقيقة ثابتة ولا يمكن تغييرها بشكل واقعي.
لكن التجارب اليومية والخبرات الحياتية قد تشير إلى أننا غالباً لا نعاني من الشيخوخة بالطريقة نفسها التي يختبر بها الجميع تقدمهم في السن، حيث يشعر كثير من الناس بأنهم أكبر سناً أو أصغر مما هم عليه في الحقيقة.
إذ يهتم العلماء، بشكل متزايد، بهذا الشعور، إذ وجدوا أن "عمرك الذاتي" قد يكون ضرورياً لفهم الأسباب التي تجعل بعض الناس يبدو أنهم يزدهرون ويزيدون تطوراً ومهارة مع تقدمهم في العمر، بينما يخفت البعض الآخر وتظهر عليه أعراض التقدم في السن بشكل أكبر.
وبحسب تصريحات الباحث في علم النفس برايان نوزاك، من جامعة فيرجينيا الأمريكية، فإن "العمر الذي يشعر به الشخص يدل على كثير من الأمور، ويحدد القرارات اليومية المهمة أو الحياتية لما سيفعلونه بعد ذلك".
وبخلاف توضيح أسباب وتداعيات شعورك بأنك أصغر من عمرك الفعلي التي تناولناها في موضوع سابق يمكنك قراءته من هنا، هناك تبعات ومؤشرات مختلفة على صحتك الجسدية والعقلية عند الشعور بأنك أكبر سناً من عمرك الفعلي.
إذا كنت تشعر بأنك أكبر من عمرك فقد تكون صحتك أحد العوامل
أظهرت دراسات مختلفة أن عمرك الذاتي الذي تشعر به يمكن أن يتنبأ بالعديد من النتائج الصحية المهمة بالنسبة لجسم، من ضمنها زيادة خطر الوفاة.
ومن بعض النواحي الواقعية جداً، أنت بالفعل تساوي العمر الذي تشعر به.
وبالنظر إلى هذه الدراسات، يحاول العديد من الباحثين الآن إلغاء انتقاء العديد من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تصنع تجربة الشيخوخة الفردية عند كل شخص، وكيف يمكن أن تساعدنا هذه المعرفة في عيش حياة أطول وأكثر صحة.
ومع ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تجعل العمر الذاتي يخبرنا بالكثير عن صحتنا.
قد يكون ذلك نتيجة مباشرة للتغييرات المصاحبة للشخصية التي تطرأ علينا. لكن الآلية التي تربط الرفاهية الجسدية والعقلية بالعمر الذاتي تعمل بشكل شبه مؤكد في كلا الاتجاهين، بحسب موقع BBC البريطاني.
مثلاً، إذا كنت تشعر بالاكتئاب والنسيان والضعف الجسدي، فمن المحتمل أن تشعر بأنك أكبر سناً. لذلك يمكن أن تكون النتيجة حلقة مفرغة، مع عوامل نفسية وفسيولوجية تساهم في زيادة العمر الذاتي وصحة أسوأ، مما يجعلنا نشعر بأننا أكبر سناً وأكثر ضعفاً.
لذلك فتقدير التقدم في السن بشكل عام قد يؤثر بصورة جذرية على صحتك الجسدية والعقلية، وبالتالي إذا كنت تنظر إلى كبار السن على أنهم يعانون من الشيخوخة والضعف، فإنّ ضعف صحتك سيُشعرك بأنك أكبر من عمرك الفعلي.
وفي حال كنت ترى التقدم في السن ميزةً ومدخلاً لامتلاك مزيد من الحِكمة والمهارة وحرية التصرف، فقد ترى أنك أكبر من عمرك كلما تصرفت بصورة سديدة في حياتك.
أنت أكثر نضجاً إذا كنت تشعر بأنك أكبر من عمرك
تأثير العمر الذاتي على الصالح الاجتماعي ظاهرة تبدو متداخلة بشدة مع مواقف المجتمع المتضاربة حول الشيخوخة.
وبحسب دراسة منشورة بموقع جامعة Stanford Business، عام 2021، فإنه حتى في ثقافة العصر الحديث المهووسة بالشباب، فإن الشعور بأن المرء أكبر بسنوات قد يوفر في الواقع فائدة حيوية من خلال تعزيز نوع السلوك الاجتماعي الإيجابي اللازم للتعامل مع المشكلات الكبيرة في الحياة.
على إحدى المستويات، نحن لا نحب التقدم في السن، ومع ذلك عندما يتم حث الناس على الشعور بأنهم أكبر سناً من أعمارهم الفعلية، فإنهم يشعرون بمزيد من المسؤولية والنُّضج.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تبشير الثقافة العالمية باحترام كبار السن، فإنه غالباً ما يُنظر إلى كبار السن على أنهم أقل كفاءة بدنيا وفكرياً.
وتوضح الدراسة أن هناك العديد من الصور النمطية السلبية عن الشيخوخة في مجتمعاتنا التي تربط الشيخوخة عادة بالتدهور والمرض. لكن الشيخوخة ليست وصمة عار في أجزاء أخرى من العالم.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يتأثر العمر الذاتي بذكريات الشخص أو أفكاره حول المستقبل. بمعنى أنك إذا كنت تفكر في فترة دراستك الجامعية فقد تشعر بأنك أكبر من عمرك الفعلي، ولكن إذا فكرت في المستقبل وتخيلت تقاعدك، فقد تشعر بأنك أصغر سناً بالمقارنة.
أنت أكثر جرأة إذا كنت تشعر بأنك أكبر من عمرك
في السياق ذاته، درس الباحثون تأثير العمر الذاتي على استعداد المشاركين لمساعدة الغرباء وتقديم يد العون للآخرين أو المساهمة في حل معضلات إنسانية كبرى، مثل التبرع بالمال لمنظمة غير ربحية أو التطوع بالوقت والجهد للمساعدات الخيرية.
وفي إحدى الدراسات الميدانية المنشورة بموقع Thought Catalog للابتكارات، أقام الباحثون منصة في حدث رياضي بجامعة ستانفورد، ودعوا المتفرجين إلى كتابة بطاقات شكر إلى أفراد الأسرة أو موظفي الجامعة.
في هذه العملية، غيّر الباحثون العمر الشخصي للمشاركين من خلال إعلامهم بمتوسط عمر الآخرين الذين شاركوا في حدث كتابة البطاقات.
بمعنى أنه في إحدى المرات أخبروا المشاركين بأن المتقدمين الآخرين في التجربة كانوا كباراً في السن؛ ليشعروا بأنهم أكثر شباباً بالمقارنة معهم، وفي مرة أخرى أخبروهم بأن المشاركين الآخرين أصغر عمراً ليُشعروهم بأنهم متقدمون في السن عمن حولهم.
عبر هذه الدراسات، وجد الباحثون أنه عندما اعتبر المشاركون أنفسَهم أكبر سناً، فإنهم كانوا أكثر استعداداً للقيام بأشياء لمساعدة الآخرين، سواء كان ذلك من خلال التبرع، أو كتابة رسائل شكر للغرباء، أو التطوع بوقت لمشاريع من شأنها أن تفيد الأشخاص الذين لم يلتقوهم من قبل.
وبالتالي، عندما تميل إلى أن تشعر بأنك أكبر من عمرك الفعلي، فأنت بذلك تكون أكثر استعداداً لتحمُّل المسؤولية والجدية والقيام بأنشطة للصالح العام.
لذلك، كلما شعرت بأنك أكبر من عمرك الحقيقي، تأكد أن هناك كثيرين مثلك، وأن هذا قد يكون ميزة كبيرة في نهاية المطاف.