إذا كنت محتاراً بشأن مفهوم التضخم وكيفية تأثيره في حياة الناس اليومية، فأنت لست وحدك. هذا التعبير الاقتصادي البحت ينعكس في كل جوانب حياة الإنسان ويؤثر على قدرته الشرائية والاستهلاكية، بل يهدد اقتصاد دول بأكملها.
من المفارقات أن التضخم سهل الفهم بشكل لا يصدَّق ومعقَّد بشكل سخيف. نستعرض في هذا التقرير شروحات من خبراء في هذا المجال، لتوضيح الصورة.
ما هو التضخم؟
لنبدأ بأبسط نسخة: يحدث التضخم عندما ترتفع الأسعار على نطاق واسع
إن الكلمة المفتاح لفهم المسألة هي "على نطاق واسع"، ففي أي لحظة قد تتعرض سلعة ما لطلب متزايد نتيجة فيديو دعائي على موقع تيك توك مثلاً، وبينما يرتفع ثمنها ينخفض ثمن شيء تراجع الطلب عليه، وهذه التقلبات ثابتة وطبيعية.
أما التضخم فيحدث عندما يرتفع متوسط سعر كل شيء يشتريه المستهلكون تقريباً؛ الغذاء والمنازل والسيارات والملابس ولعب الأطفال وما إلى ذلك، ولتوفير هذه الضروريات، يجب أن ترتفع الأجور أيضاً.
يصبح التضخم مشكلة عندما يتم تشغيل هذا الغليان المنخفض والبطيء حتى الغليان، فيبدأ الخبراء الاقتصاديون والمحللون باستخدام كلمات "الاقتصاد المحموم"، حسبما نشر موقع Forbes.
ويتم تعريفه حرفياً على الشكل التالي:
"التضخم هو انخفاض القوة الشرائية لعملة معينة بمرور الوقت. يمكن أن ينعكس التقدير الكمي للمعدل الذي يحدث به انخفاض القوة الشرائية في زيادة متوسط سعر سلة من السلع والخدمات المختارة في اقتصاد ما خلال فترة زمنية معينة. إن الارتفاع في المستوى العام للأسعار، الذي يتم التعبير عنه غالباً كنسبة مئوية، يعني أن وحدة العملة تشتري فعلياً أقل مما كانت عليه في الفترات السابقة".
ويمكن مقارنة التضخم بالانكماش الذي يحدث عندما تزداد القوة الشرائية للمال وتنخفض الأسعار.
ما الذي أدى إلى تضخم الاقتصاد العالمي؟
لأسباب متنوعة، تنبع إلى حد كبير من وباء كورونا، يجد الاقتصاد العالمي نفسه في حالة غليان شديدة في الوقت الحالي.
وللمفارقة، هناك جانب اقتصادي سلوكي للتضخم، حيث يمكن أن يصبح نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها، بمعنى عندما ترتفع الأسعار فترة طويلة بما فيه الكفاية، يبدأ المستهلكون في توقع ارتفاع الأسعار، حسب موقع CNN.
ستشتري مزيداً من السلع اليوم إذا كنت تعتقد أن ثمنها سيزداد غداً، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب ومعه ارتفاع الأسعار، وهلم جرا.
يمكن إلقاء اللوم بكل بساطة على جائحة كورونا.
عندما انتشر الفيروس في ربيع عام 2020، كان الأمر أشبه بسحب قابس الاقتصاد العالمي؛ إغلاق المصانع في جميع أنحاء العالم وتوقُّف الناس عن الخروج إلى المطاعم وإيقاف الرحلات الجوية لشركات الطيران، فضلاً عن تسريح ملايين الأشخاص، حيث اختفت الأعمال بين عشية وضحاها.
قفز معدل البطالة في أمريكا وحدها إلى ما يقرب من 15% من نحو 3.5% في فبراير/شباط 2020.
ومع ذلك، بحلول أوائل الصيف، بدأ الطلب على السلع الاستهلاكية ينتعش. أقر الكونغرس والرئيس جو بايدن، مشروع قانون تحفيز تاريخي بقيمة 1.9 تريليون دولار في مارس/آذار 2021، مدّ الأمريكيين بالمساعدات النقدية ومساعدات البطالة.
بدأ الناس التسوق مرة أخرى، ذهب الطلب من صفر إلى 100، لكن العرض لم يتمكن من الارتداد بسهولة.
عندما يتعرض الاقتصاد العالمي لخضَّة ضخمة، لا يمكنه فقط الاستكمال من حيث توقَّف والعودة بالوتيرة نفسها كما كان الأمر من قبل.
السيارات على سبيل المثال
رأى صانعو السيارات أن أزمة كورونا بدأت فلجأوا إلى ما سيفعله أي صاحب عمل ذكي؛ أغلقوا مؤقتاً وحاولوا تخفيف الخسائر.
ولكن بعد فترة وجيزة من إغلاق المصانع، أدى الوباء أيضاً إلى زيادة الطلب على السيارات، حيث كان الناس قلقين من التعرض لوسائل النقل العام وتجنبوا الطيران.
تعرضت شركات صناعة السيارات لإصابة بالغة، إذ إنها تتطلب عدداً هائلاً من الأجزاء، من عدد هائل من المصانع المختلفة حول العالم، ليتم بناؤها من قِبل عمال ذوي مهارات عالية في أجزاء أخرى من العالم.
تستغرق إعادة كل هذه العمليات إلى وضعها الطبيعي وقتاً طويلاً، فضلاً عن تنفيذها مع الخوف من حصول إصابات في صفوف العمال.
من يستفيد من التضخم؟
في حين لا يستفيد المستهلكون كثيراً من التضخم، فإن المستثمرين يمكنهم الاستمتاع بالأرباح إذا كانوا يمتلكون أصولاً في الأسواق المتأثرة بالتضخم. على سبيل المثال، قد يشهد أولئك الذين يستثمرون في شركات الطاقة ارتفاعاً في أسعار أسهمهم إذا كانت أسعار الطاقة ترتفع.
تجني بعض الشركات ثمار التضخم إذا كان بإمكانها فرض رسوم أعلى على منتجاتها نتيجة لزيادة الطلب على سلعها. وإذا كان أداء الاقتصاد جيداً وكان الطلب على الإسكان مرتفعاً، فشركات بناء المنازل يمكنها فرض أسعار أعلى لبيع المنازل.
بعبارة أخرى، يزود التضخم الشركات بقوة تسعير ويزيد هوامش ربحها.
ما الذي سيحدث؟
يقول مسؤولون وخبراء اقتصاديون إنه من المرجح أن تستمر الأسعار والأجور في الارتفاع حتى عام 2022، ولكن دون تحديد مدى هذا الارتفاع؛ نظراً إلى اعتماد الإجابة على متغيرات لا حصر لها في جميع أنحاء العالم.
لذا، فإن مهمة صانعي القرار الأساسية الآن هي فك قيود سلاسل التوريد؛ لتحريك السلع بوتيرة ما قبل الوباء، لكن القول أسهل من الفعل، حسب موقع Investopedia.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار صدمة جديدة كمتحور جديد أو حاوية نقل عالقة في مجرى مائي رئيسي أو كارثة طبيعية قد تعيق التعافي الاقتصادي من جديد.
لذا إذا شعرت بأن عملتك المحلية لا تشتري ما كانت تشتريه من قبل أو "قلّت بركتها"، فالسبب هو التضخم.