هل تتذكر عندما كان العام الدراسي ينتهي في فترات نضجك المختلفة سواء المرحلة الابتدائية أو حتى الجامعية؟ كيف اعتدت الشعور في تلك اللحظة؟
التفسير الدقيق لهذه الحالة من المشاعر يساعد في فهم ظاهرة اكتئاب نهاية العام التي يعانيها كثيرون بدون أسباب واضحة.
مزيج من الأمل والرهبة والتوتر مع حلول النهايات
أغلبنا خلال تلك المراحل الدراسية في فترات الشباب المختلفة، عانى من الشعور بمزيج مختلط من الأحاسيس المتباينة عند نهاية السنة الدراسية، فنحن من ناحية نتباعد عن الأصدقاء والمعلمين والروتين الثابت، ولكن نتخفف من المطالب الدراسية المتعلقة بالعام الدراسي.
قد يكون هناك أيضاً فرح وإثارة لما هو قادم: الإجازة مثلاً أو موعد دخول مرحلة مدرسية جديدة أو الكلية التي تطمح إليها أو غير ذلك. لكن في الوقت نفسه، ربما كان هناك أيضاً خوف وقلق وتوتر بشأن ما سيأتي في الفترات القادمة.
هذا المزيج من المشاعر المختلطة طبيعي جداً، فنحن عندما ننتهي من مرحلة معينة، دائماً ما يصيبنا شعور ما بالخسارة، حتى لو كنا نتطلع إلى تلك المرحلة الجديدة التي على وشك أن تبدأ.
لماذا نصاب بالقلق واكتئاب نهاية العام؟
وبالنسبة لمعظم الناس، ينطبق الأمر نفسه على نهاية كل عام؛ الحزن على ما مضى أو انتهى، والأمل والفرح أو الخوف والقلق لما هو على وشك الوقوع في العام الجديد.
وبشكل خاص، يعاني كثير من الناس مع اقتراب العام من نهايته، من الشعور باكتئاب نهاية العام، الذي يكون مزيجاً من الحزن والاكتئاب واليأس أو الإحباط.
غالباً ما يكون أحد أسباب هذه المشاعر السلبية هو إحساس الضغط النفسي المتعلق بتوقعات نهاية العام، وعملية التقييم العقلية التي تحدث بشكل غير واعٍ، لما حققته أو أنجزته خلال العام الماضي.
السبب الآخر لاكتئاب نهاية العام هو الحكم الذي نتخذه على أنفسنا، والأهداف الفاشلة التي نرى أننا لم ننجزها، والنقد الذاتي والاجترار؛ وخيبة الأمل لأننا لم نرتقِ إلى مستوى التوقعات التي وضعناها بشكل غير عقلاني لأنفسنا نهاية العام السابق.
القلق المزمن المتعلق بالفترات الزمنية يسمّي باضطراب SAD
في حين أن هذه المشاعر قد تكون مؤقتة بالنسبة للبعض، يعاني نحو واحد من كل ثلاثة أشخاص باستمرار، خلال أشهر الخريف والشتاء المتزامنة مع نهاية العام، نوعاً من الاكتئاب يُعرف باسم الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD).
ويمكن أن تختلف أعراض الاضطراب العاطفي الموسمي المتعلقة بنهاية العام، من البسيطة إلى الحادة، وعادةً ما تشمل التالي، وفقاً لموقع How Stuff Works:
- المزاج السيئ.
- فقدان الاهتمام أو الاستمتاع بالأشياء التي عادةً ما تستمتع بها.
- تغيير في الشهية، سواء باستهلاك الطعام أكثر أو أقل من العادة.
- تغيير في نمط النوم (بالزيادة أو النقصان عن الطبيعي أيضاً).
- الشعور بانعدام القيمة.
- الإحساس بالذنب والتقصير.
- جلد الذات والشعور بالفشل.
- التوتر الشديد.
- المعاناة من أعراض القلق.
- فرط التخطيط والترقُّب.
لم يكتشف الباحثون بعدُ أسباب اضطراب القلق الاجتماعي من هذا النوع، لكن من المحتمل أن يكون معقداً ومتعدد الأوجه في بعض الحالات.
وتشير بعض الأبحاث إلى أنه قد يكون بسبب خلل في منطقةِ ما تحت المهاد (منطقة بالدماغ تنظم العمليات البيولوجية مثل المزاج والنوم والشهية)، أو إنتاج كثير من الميلاتونين (هرمون يتحكم في دورة النوم والاستيقاظ لدينا، تنتجه الغدة الصنوبرية في المخ).
بينما يعتقد بعض الباحثين أنه قد يكون أيضاً بسبب اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية؛ العملية الداخلية الطبيعية التي تنظم دورة النوم والاستيقاظ لدينا، بالتزامن مع بداية فصل الشتاء في نهاية كل عام.
ومع ذلك، فإن البُعد النفسي هو المحور الأكبر في تطوير المسألة.
من الطبيعي أن نحزن قليلاً على نهاية العام.. ولكن بشروط
تقول سوزان نولين-هوكسيما، أستاذة علم النفس بجامعة ييل الأمريكية، التي بحثت في الاكتئاب وعادات الاجترار، لموقع WebMD، إن النظر إلى الوراء على العام المنتهي وما قمت به خلاله أمر طبيعي إلى حد ما.
في الواقع، في اقتراب العام الجديد، من الصعب عدم إعادة التقييم قليلاً على الأقل، خاصة مع ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من "تقييمات العام" التي تبدو فائقة وخرافية بالنسبة لمعظمنا.
ويضيف إدوارد أبرامسون، أستاذ علم النفس بجامعة ولاية كاليفورنيا، أنه بعد فترة وجيزة من تقييم ما مضى، تأتي مرحلة الحديث عن قرارات السنة الجديدة، والمهام التي تريد أن تُتمها، وما عليك بذله لتفويت الوقت "الضائع".
وفي تلك المرحلة، خاصة إذا ما كنت تعاني بالفعل من أي درجة من درجات التوتر والقلق أو تضرُّر الصورة الذاتية، فقد تبدأ في توبيخ نفسك وتقييم نفسك بشكل أقل مما تستحق. كل ذلك يُعد عوامل مؤثرة في تفاقم مشاعر اكتئاب نهاية العام.
إذا وجدت نفسك تقيِّم العام وتعيد تقييمه وتخطط لعامك المقبل، وتصبح مكتئباً أكثر فأكثر، فقد تكون عالقاً في دوامة من اضطراب الاجترار.
تقول سوزان لـWebMD، إن النساء أكثر عرضة من الرجال لامتلاك هذه العادة.
ويكون الأكثر تضرراً من ذلك النمط السلبي هم الذين يتطرقون إلى مشاكلهم مراراً وتكراراً، إما في أذهانهم وإما من خلال مناقشتها مع الآخرين، ولكن من دون امتلاك خطة واضحة لحل تلك المشكلات.
ووجدت أستاذة علم النفس في أبحاثها أن:
أولئك الذين يجترون، يميلون أيضاً إلى اتباع أساليب سلبية في التكيُّف، وينتقدون أنفسهم دون داعٍ، وغالباً ما يكونون متشائمين. وبالتالي ترتبط الإصابة بالاكتئاب باتباع نمط الاجترار.
كيف يمكنك أن تنقذ نفسك من دوامة الاجترار المفرغة؟
الجميع يجترّ أفكاره من آنٍ لآخر، تكمُن المشكلة عندما تعلَق في تلك الدوامة دون أن تجد أي مَخرج، وتدرك أن كل التفكير وإعادة التفكير في مشكلة أو قضية لا يوصلك إلى أي مكان أو يجعلك تشعر بالسوء. ومع ذلك، تواصل الاجترار.
الاكتئاب يمكنه أن يجعل اجترار الأفكار أسوأ
إذا كنت بالفعل في حالة مزاجية مكتئبة وبدأت في نوبة من الاجترار، فسوف تميل إلى التركيز على أسوأ جوانب المشكلة، ما يعزز الإحساس بالقلق والتوتر.
وعادةً ما تكون هذه العملية متبادلة للغاية، بحيث يصعب في أحيان كثيرة تحديد أيهما يبدأ ويتسبب في حدوث الآخر.
لكن هناك نمط تدريجي يمكنك اتباعه لكي تنقذ نفسك من تلك الثغرة، ويكون باتباع الخطوات التالية، وفقاً لموقع Talk Space للصحة النفسية:
قاوِم إغراء الاجترار
مع نهاية العام، من الطبيعي أن تقيّم المكان الذي كنت عليه وما فعلته خلال العام.
المحظوظ سيكون قادراً على التفكير بشعور من الإنجاز والرضا، ومع ذلك غالباً ما نشعر بعدم الرضا بغض النظر عما أنجزته.
أنماط التفكير السلبي المتكرر التي تسمى الاجترار، تجعلنا نشكك في أنفسنا بدلاً من التطلع إلى العام الجديد.
إذا وجدت نفسك عالقاً في الشعور بالندم أو النقد الذاتي، فقد يكون من الجيد التراجع خطوة إلى الوراء وفحص أنماط تفكيرك، وربما حتى الاستعانة بطبيب نفسي لكي يتبع معك نمط العلاج السلوكي المعرفي.
يمكنك أيضاً العمل على تغيير الاجترار إلى سلوك إيجابي. إذا كنت ترغب في التمتع بصحة جيدة في عامك الجديد مثلاً، فاختر خطوات صغيرة يمكن تحقيقها يومياً، واجعل هذه الخطوات غاية في الصغر، وكلما التزمت بها فترة طويلة، كعدد أسابيع معين مثلاً، يمكنك زيادتها تدريجياً.
استعِد لتجاوز كآبة طقس الشتاء
وفي حين أن هناك عدداً من الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تجعل العام الجديد أكثر ضغطاً، فقد يكون هناك عامل إضافي للطقس إذا كنت تعيش في مناخ أكثر برودة.
يمكن أن تؤدي الأيام القصيرة والطقس البارد في الشتاء والظلام معظم اليوم إلى تفاقم الأعراض لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، ويمكن أن تسبب الاكتئابَ الموسميَّ لدى الآخرين كما سبق أن أسلفنا.
إضافة إلى العلاج والأدوية ومكملات فيتامين D، فقد ثبت أن استخدام العلاج بالضوء يساعد الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي بنفس فعالية مضادات الاكتئاب.
لا تقم بتحديد "قرارات جديدة"
العام الجديد لا يحتِّم عليك أبداً أن تصبح شخصاً جديداً.
بالنسبة للأشخاص المصابين بالاكتئاب، يمكن أن يُشعرهم هذا النمط من التفكير بعبء الرغبة في تحسين الذات؛ ما يؤدي إلى تفاقم مشاعر انعدام القيمة.
ويمكن أن يقودنا الضغط لوضع أي قرار إلى تحديد أهداف غير واقعية أو قابلة للتنفيذ، ومن ثم نعاقب أنفسنا في نهاية العام الجديد عندما نفشل في تحقيقها كما هو متوقع.
الحقيقة هي أنه لا داعي لأن تصبح "شخصاً جديداً". أنت بخير كما أنت.
صحيح أن الرغبة في تحسين الذات هدف مثير للإعجاب، فإن التغيير الحقيقي يأتي تدريجياً وببطء. وبدلاً من وضع قرار كبير للعام الجديد، ركِّز على الالتزامات الصغيرة والعملية ومارِسها بلطف.
السعادة لا يمكن تحديدها أو قياسها
على الرغم من كل خطابات التحسين الذاتي ووعود السعادة المطلقة التي نسمعها طوال الوقت في الإعلام وعبر الإنترنت، فإن العام الجديد لا يتعلق بقدر قابل للقياس من السعادة.
وعندما نقوم بتقييم عامنا الماضي، غالباً ما نتوقع أننا يجب أن نكون قد حققنا قدراً ملموساً من النجاحات مثل مال معين، أو خطوات عملية في الوظيفة مثلاً.
بالطبع، لا حرج في أن تكون لديك طموحات ورغبة في النمو على المستويَين الشخصي والمهني. ولكن في النهاية، السعادة ليست سباقاً للوصول إلى خط النهاية، ولن يجعلنا تحقيق الإنجازات المادية سعداء، بطريقة مستدامة.
بدلاً من ذلك، تخبرنا العلوم الاجتماعية بأن السعادة الحقيقية تأتي من المجتمع والامتنان والتواصل، بدلاً من الإنجاز التنافسي المادي.