سواء كنت تقوم بالتحدث مع شخص ما مباشرة أو أرسلت كلامك عبر رسالة بريد، أو حتى بعد زلة من إبهامك وأنت تكتب وصفاً لإحدى قصصك التي شاركتها عبر موقع إنستغرام.. من المحتمل أن نجد أنفسنا جميعاً ضحية أحد مصححي قواعد اللغة والكتابة إذا ما كتبنا كلمة خاطئة.
الانزعاج بعد أن تتلقى تصويباً لأحد الأخطاء اللغوية أو النحوية في كتاباتك يتراوح بين الإحراج من اقتراف الخطأ، والغضب من امتلاك هذا الشخص حقاً معيناً انتزعه لنفسه في مراقبة وتصحيح محتوى كلام الآخرين، ولن يعرف مرارة هذا الشعور إلا من يكابده.
لكن في الحقيقة مَن هم هؤلاء الناس؟ ومن جعلهم شرطة اللغة على منصاتنا الرقمية وحساباتنا الشخصية؟ في هذا التقرير نثبت بشكل علمي دقيق أن هؤلاء الأشخاص هم في الواقع "شخصيات سخيفة"! الأمر منطقي الآن، أليس كذلك؟
العلم يبحث في سماتهم الشخصية
أثبتت دراسات علمية أن الأشخاص الذين يتضايقون باستمرار من الأخطاء النحوية على الإنترنت، وينفعلون لدرجة التصحيح للآخرين لديهم شخصيات "أقل قبولاً" من أولئك الذين يتجاهلون الأمر.
وبالنسبة لهؤلاء الأصدقاء في قائمة متابعيك من شديدي الحساسية تجاه الأخطاء المطبعية على صفحتك على فيسبوك يكشف الاختبار النفسي أنهم أقل انفتاحاً بشكل عام، ومن المرجح أيضاً أن يحكموا عليك بسبب أخطائك أكثر من أي شخص آخر.
لكن هذه الورقة، التي نُشرت بمجلة PLOS One العلمية، ودعمتها الأبحاث الأخرى في السنوات الأخيرة كانت في الواقع المرة الأولى التي تمكن فيها الباحثون من إظهار أن سمات شخصية الشخص يمكنها بالفعل تحديد كيفية استجابتها للأخطاء المطبعية والأخطاء النحوية.
كما كشفت هذه الدراسات ما الذي يمكن أن نتعلمه عن كيفية تواصل الناس أو سوء تواصلهم عبر الإنترنت وتطبيقات التواصل الافتراضي.
السمات الشخصية هي المسؤولة عن كيفية تفسيرنا للغة
الأستاذة بجامعة ميتشيغان التي أشرفت على الدراسة، جوليا بولاند، أوضحت أن الشخصية تقرر للشخص كيفية تفسير اللغة. ولكن تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها بحث الأحكام الاجتماعية التي أدلى بها القراء حول أنماط الكتابة.
وبحسب موقع Language Nerds للأبحاث اللغوية، طالب الباحثون من المشاركين في الدراسة بقراءة رسائل بريد إلكتروني وصلتهم على إعلان يبحث عن شريك في السكن، وتضمنت رسائل البريد إما لا أخطاء على الإطلاق، أو أخطاء مطبعية وأخطاء نحوية مُتعمدة.
ثم طُلب من المشاركين وصف الشخص الذي أرسل رسالة البريد الإلكتروني وتوقع مستوى ذكائه، ووده وعدد من السمات الأخرى لشخصيته، بما في ذلك مدى أهليته لأن يكون شريكاً جيداً في السكن.
كان عليهم أيضاً ملء تقييم شخصي عن أنفسهم، وتقييم رؤيتهم لأنفسهم على نطاق واسع في مجالات مختلفة مثل مدى انفتاحهم، وما إذا كانوا أكثر انطوائية أو منفتحين.
ووفقاً للنتائج، كان المنفتحون والاجتماعيون أكثر ميلاً لتجاهل الأخطاء عن نظرائهم من المشاركين الانطوائيين، في حين كان الأخيرون أكثر عرضة لملاحظة الأخطاء وإصدار حكم على كاتبها.
كما تم العثور بين أولئك الذين تم اختبارهم أن الأكثر وعياً وأقل انفتاحاً كانوا أكثر حساسية للأخطاء المطبعية واللغوية، وكان الأشخاص الذين لديهم شخصيات أقل قبولاً بين الناس، منزعجين أكثر من الأخطاء النحوية.
أصحاب الأخطاء اللغوية والمطبعية يتم الحكم عليهم بالسلب
بشكل عام، يتم تصنيف الأشخاص الذين يكتبون أخطاء مطبعية وأخطاء نحوية في محتواهم عبر الإنترنت على أنهم "أسوأ" من أولئك الذين لديهم أخطاء إملائية أو قواعدية مثالية.
وبحسب موقع Science Alert، كانت هناك أنواع معينة من الشخصيات التي حكمت بقسوة بالغة على الناس من أصحاب الذين ارتكبوا الأخطاء في الكتابة.
مثلاً، المنفتحون والذين اعتبروا أنفسهم "لطيفي المعشر" لم يهتموا بالأخطاء المطبعية وتجاهلوها تماماً، وأرادوا التعمق في معنى الكلام أكثر من التركيز على تلك الأخطاء السطحية.
في حين أن الانطوائيين والشخصيات غير الاجتماعية والخجولة والمائلة للإفراط في التفكير كانوا أكثر عرضة للحكم على المتقدمين بناءً على اللغة المستخدمة في الكتابة.
علاوة على ذلك، فإن أولئك الذين تم تصنيفهم على أنهم أكثر دقة، ولكن أقل انفتاحاً كانوا أيضاً أكثر حساسية للأخطاء المطبعية، في حين أن أولئك الذين لديهم شخصيات أقل قبولاً قد شعروا بالإهانة.
ويُعتقد أن الأمر يعود إلى أن الأشخاص الأقل قبولاً في مجتمعاتهم وبين الآخرين بصورة عامة، كانوا هم الأقل تسامحاً مع رؤية الأخطاء و"الانحرافات عن العرف".
إحساس معين بالنقص وانعدام القيمة الذاتية
سواء كانوا يقومون بتصحيح المنشورات أو الأفراد عند حديثهم المباشر، غالباً ما يسعى المهووسون بقواعد اللغة والدقة في الكتابة لإثبات تفوقهم الفكري أو الثقافي أيضاً.
وكتب أستاذ علم النفس روبرت كورزبان بحسب موقع Slate: "عندما يصحح الناس أخطاء الآخرين علناً، فإن الكثير من ذلك يتعلق بالصورة التي يريدون عرضها أمام الآخرين".
وأوضح الخبير أنه حينها يحاول الأشخاص الإشارة إلى خبرتهم، لأن القدرة على تحديد الأخطاء تشير إلى أنك تعرف شيئاً أكثر من الشخص الذي ارتكب الخطأ، بحسب تعبيره.
بعبارة أخرى، ربما تكون الصدمة والغضب الذي أعرب عنه بعض المعلقين عبر الإنترنت من كلمة بها أخطاء إملائية هو تنفيس عن شعورهم في الواقع.
علامة على معرفة الصواب من الخطأ
من ناحية أخرى، قد يتم تفسير التمكن من القواعد والتهجئة وعلامات الترقيم كدلالة على الطبقة والمستوى الثقافي.
ويُعد الاستخدام الصحيح للغة عبر الإنترنت علامة على أنك تعرف – وتهتم – بالكتابة وفقاً للقواعد؛ لأنه على الإنترنت، يُظهر الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة أكبر من الثقافة والتعليم، أنه يمكنهم التفريق في استخدام الهمزات الصحيحة مثلاً، أو الحالات التي تستلزم استخدام "ذلك" أو "تلك".
ويلفت موقع Quartz الأمريكي للمعرفة إلى أن الناس بطبيعتهم يحبون الأدلة التي تؤكد أنهم يعرفون أكثر من غيرهم.
لكن المشكلة الكبرى في التصحيح والتفاخر برفض الأخطاء عبر الإنترنت أنه غالباً ما ينتهي به بإغلاق المحادثات البناءة عبر الإنترنت.
وعندما يستحوذ متمسك القواعد النحوية على الوضعية الأصوب لاستخدام الفاصلة في منشور عبر فيسبوك مثلاً، فإنهم لا يتفاعلون مع المحتوى الفعلي.
لذلك قد تكون غريزة النقد العلني وضبط الأخطاء اللغوية هي طريقة لتجنب الخوض في أفكار ومشاعر الآخرين، وإعادة توجيه المحادثة نحو الذات.
لذلك في المرة الأخرى التي تقرر فيها أن تصحح لشخصٍ ما استخدامه لكلمة خاطئة لغوياً أو نحوياً، فكِّر أولاً، هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟