ساهم التغيّر المناخي في الكشف عن مخبأ يعود إلى الحرب العالمية الأولى، وذلك بعد أن حُفِظَ بعنايةٍ لسنوات داخل جبلٍ جليدي في إيطاليا، قبل أن يساهم ارتفاع درجات الحرارة في ذوبان الثلج واكتشاف الأثر التاريخي.
بحسب صحيفة Washington Post الأمريكية، الأحد 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فإن المخبأ كان في يوم من أيام الحرب العالمية الأولى ثكنة تعجُّ بالجنود النمساويين والمجريين، على ارتفاع 3 آلاف متر فوق سطح البحر، على الحدود الإيطالية السويسرية، وهو الآن جزءٌ من أراضي حديقة في إيطاليا، حيث ظهرت هناك ذخائر وكتب وحاملات سجائر وعظام حيوانات.
من جانبه، قال جيوفاني كاديولي، المؤرِّخ وباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة بادوفا بإيطاليا لقد "جُمِّدَت هذه الأماكن في الزمن حرفياً".
المؤرخ الإيطالي أشار إلى أن تغيُّر المناخ يلعب الآن "دوراً محورياً" في اكتشاف هذه الأماكن، إذ أدَّى ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الأنهار الجليدية والتربة الصقيعية.
بالتزامن مع قمة الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ في اسكتلندا، أكَّد كاديولي أن النتائج المثيرة للإعجاب كانت لا تخلو من مرارةٍ، قائلاً: "نفضِّل حقاً ألَّا تتراجع الأنهار الجليدية".
كهوف اصطناعية
بُنِيَت الكهوف الاصطناعية في عام 1915 عن طريق نسف أجزاءٍ من الجبل وتحويلها إلى ثكناتٍ مؤقَّتة وملاجئ لإيواء المئات من الجنود الأوروبيين.
كانت تلك الثكنات، وكذلك الممرات المحمية والأنفاق، تحت سيطرة الجنود النمساويين والمجريين الذين كانوا يقاتلون القوات الإيطالية، وأخلى هؤلاء الجنود مواقعهم في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، تنفيذاً لأوامر الانسحاب، قبل أيامٍ فقط من اتفاقية الهدنة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، التي أنهت الحرب العالمية الأولى.
وبين عامي 1915 و1918، كان الجنود الأوروبيون متمركزين في التضاريس الجبلية الوعِرة، في مواجهة ظروفٍ مناخية شديدة السوء على مدار العام.
ثكنات أخرى في المنطقة
فيما جرى التنقيب عن ثكنةٍ أخرى في الجبل نفسه في عام 2017 بعد ذوبان الجليد، والتي كشفت عن بنيةٍ فوقية خشبية كاملة جرى تفكيكها ونقلها، إلى جانب حوالي 300 قطعة أثرية، إلى بورميو، في منطقة لومباردي الإيطالية، حيث ستُعرَض في متحفٍ يبدأ أعماله في العام المقبل 2022.
وفي الكهف الذي اكتُشِفَ عام 2017، وجد الباحثون أكواماً مُتجمِّدةً من القش كان الجنود ينامون عليه، وعثروا أيضاً على بذورٍ محفوظةٍ جيِّداً، إلى درجة أنها تُرِكَت في الشمس لتجفّ ثم زُرِعَت لاحقاً.
قال كاديولي: "حُفِظَت الحياة حتى في مكانٍ كان في الأساس مسرحاً للموت".
وأضاف أن الهدف من التنقيب هو تأمين المنطقة والحفاظ على الآثار العضوية المحفوظة في الجليد، والتي ستسلِّط الضوء، من خلال البحث التاريخي والعلمي، على "حرب جبال الآلب" وحياة الجنود.
يضم هذا المشروع حوالي 40 باحثاً في تخصُّصاتٍ مختلفة، مثل علم النبات، ورسم الخرائط، وعلم الجليد. ويُدعَم المشروع من قِبَلِ جامعة بادوا الإيطالية ومُتنزَّه ستلفيو الوطني.
وقال كاديولي إنه من المُحتَمَل جداً أن يكون هناك المزيد من الكهوف التي يجب اكتشافها، لكن الطقس يعني أنه لا يمكن للباحثين الوصول إلى المواقع إلا بين شهري مايو/أيار وأكتوبر/تشرين الأول.