تحذّر المنظمات الدولية والعالمية منذ عقود، من تفاقم أزمة المياه، خصوصاً في الدول النامية، التي يُعد الحصول فيها على مياه شرب نظيفة تحدياً يومياً. فلماذا لا يستطيع الإنسان بكل التقدم الذي وصلت إليه البشرية، أن يصنع المياه بنفسه؟
تقرير للأمم المتحدة نُشر في مارس/آذار 2021، قدَّر أن أكثر من ملياري شخص يعيشون في مناطق معرضة للإجهاد المائي.
وأضاف التقرير أن نحو 3.4 مليار شخص، أي 45% من سكان العالم، يفتقرون إلى مرافق الصرف الصحي المُدارة بأمان.
ووفقاً للتقييمات المستقلة، سيواجه العالم عجزاً عالمياً في المياه بنسبة 40% بحلول عام 2030. كما سيزداد هذا الوضع سوءاً، بسبب التحديات العالمية مثل جائحة كورونا وتغير المناخ، حسبما أوردت الأمم المتحدة في تقريرها المسمى (تقدير قيمة المياه).
لماذا لا يستطيع الإنسان تصنيع المياه؟
في معلومات قد تبدو بسيطة وبديهية لأي طالب في المرحلة الإعدادية، فإن الماء يتكون من ذرتي هيدروجين متصلتين بذرة أوكسجين.
معادلة كيميائية أساسية وبسيطة جداً، أفلا يمكن تقليدها أو صناعتها وحلّ مشاكل المياه حول العالم؟
نظرياً، كل شيء ممكن ولكن تطبيقياً الأمر في منتهى الخطورة.
مجرد مزج الهيدروجين والأوكسجين معاً لا يصنع الماء، ولربطهما معاً لا بد من طاقة معينة.
تكمن مشكلة إضافة الطاقة إلى المعادلة في أن تفاعلاً كيميائياً واسع النطاق للهيدروجين والأوكسجين القابل للاشتعال قد يؤدي إلى انفجار كبير، وإذا كانت التجربة كبيرة بما فيه الكفاية، فالنتائج مدمرة.
لذا، فإن الأمر برمته أخطر من منافعه.
فهل جرَّب العلماء تصنيع الماء بطريقة أخرى؟
طاحونة لحصد المياه من الهواء ثمنها غالٍ جداً
نعم، المخترع الأسترالي ماكس ويسون ابتكر طاحونة Whisson Windmill، وهي آلة تستخدم طاقة الرياح لتجميع المياه من الغلاف الجوي.
يشير ويسون، حسب هيئة الإذاعة الأسترالية، إلى أن بخار الماء يصل إلى نحو "10000 مليار لتر (نحو 2600 مليار غالون) في الكيلومتر السفلي من الهواء حول العالم".
مع العلم، أن هذه المياه يتم استبدالها كل بضع ساعات كجزء من دورة المياه الطبيعية.
هذا الهواء جزء من دورة المياه؛ إذ يتبخر الماء من الأنهار والبحيرات والمحيطات، ثم يتم حمله في الغلاف الجوي، حيث يتجمع في السحب (التي هي في الواقع مجرد تراكمات من بخار الماء).
بعد أن تصل الغيوم إلى نقطة التشبُّع، تتشكل قطرات الماء، التي نعرفها بالمطر. ينساب هذا المطر إلى الأرض ويتجمع في المسطحات المائية، حيث تبدأ العملية برمتها مرة أخرى، وهكذا دواليك.
أما طاحونة ويسون غاز فتستخدم مرحلة التبريد لتبريد شفرات طاحونته، التي أطلق عليها اسم Max Water.
توضع هذه الشفرات على الطواحين عمودياً بحيث يحرّكها أدنى نسيم هوائي.
تعمل الشفرات الباردة على تبريد الهواء، مما يؤدي إلى تكثيف بخار الماء، ليصبح ماء سائلاً مرة أخرى، فيتم تجميع هذا التكثيف وتخزينه للاستخدام البشري.
وتستطيع طاحونة ويسون الهوائية أن تجمع ما يصل إلى 2600 غالون من الماء من الهواء يومياً.
يقول ويسون إن التحدي الأكبر الذي يواجهه ليس الهندسة، ولكن إيجاد رأس المال الاستثماري لدعمه.
هذه المشكلة مألوفة لمخترعَين أمريكيَّين آخرين ابتكرا مشروعهما الخاص لصنع المياه.
جهاز تكثيف الهواء يستهلك طاقة كبيرة
ابتكر جوناثان رايت وديفيد ريتشاردز آلة تشبه آلة ويسون، باستثناء أنها تشبه عربة سحب قابلة للطي أكثر من طاحونة هوائية.
يسحب هذا الاختراع- الذي يسميه مبتكراه AquaMagic- الهواء مباشرة من المنطقة المحيطة به.
داخل الجهاز، يتم تبريد الهواء عبر لفائف مبردة، فيتكثّف الهواء، ويتم جمع الماء وتنقيته وإطلاقه من خلال حنفية.
يمكن لآلة AquaMagic- التي تكلف حالياً نحو 28 ألف دولار لكل وحدة- إنتاج ما يصل إلى 120 غالوناً من المياه النقية في غضون 24 ساعة، ولأنها صغيرة يمكن نقلها مثلاً إلى مواقع الكوارث وبعض دول إفريقيا الجافة على سبيل المثال.
لكن لهذا الاختراع عيب واحد: لإنتاج هذا القدر من الماء، يتطلب AquaMagic نحو 12 غالوناً من وقود الديزل أوالمازوت.
لذا، تتفوق طاحونة ويسون (التي تبلغ تكلفتها نحو 43 ألف دولار لكل وحدة)، بميزتها الواضحة لناحية الطاقة الخضراء وعدم الحاجة للوقود.
وماذا عن الاستمطار الصناعي أو تلقيح السحب؟
هذه التقنية هي الأخرى باءت بالفشل، فاستمطارُ السحب يتطلب استخدام الطائرات أو الطائرات بدون طيار؛ لإضافة جزيئات صغيرة من "يوديد الفضة"، التي لها هيكل مشابه للجليد، إلى السحب.
تتجمع قطرات الماء حول الجسيمات، مما يؤدي إلى تعديل بنية السحب وزيادة فرصة هطول الأمطار.
ومنذ أربعينيات القرن الماضي تُنفذ التجربة تلو الأخرى لتلقيح السحب، ولكن حتى وقت قريب كان هناك قليل من اليقين بأن هذه الطريقة نافعة.
ففي خمسينيات القرن الماضي، نفذ سلاح الجو الملكي البريطاني تجارب في هذا الإطار، حسب ما كشفته هيئة الإذاعة البريطانية BBC في عام 2001.
ولكن بعد أسبوع، شهدت منطقة "نورث ديفون" أمطاراً أكثر 250 مرة من الكمية المعتادة، ما أدى إلى كارثة بيئية وفيضان أدى لاقتلاع الأشجار وتدمير البيوت وحتى وفاة 35 بريطانيّاً نتيجة السيول.
في المقابل، تنفذ الصين هذه التقنية فوق أراضيها الزراعية، إذ تمكنت من توليد الري للأراضي الزراعية القاحلة، لكن الكارثة البريطانية أظهرت النتائج المحتملة للتلاعب بقوى الطبيعة.
وحالياً، تسعى 4 ولايات أمريكية (يوتاه وأريزونا وكولورادو ونيومكسيكو) إلى الحصول على تمويل رسمي للاستثمار في مشروع تلقيح السحب لمواجهة الجفاف الذي يهدد هذه الولايات الحارة والجافة.
بدورها قالت الباحثة بجامعة كولورادو، كاتيا فريدريش: "لا أعتقد أن الاستمطار السحابي سيحل المشكلة، لكنه يمكن أن يساعد".
وأوضحت لصحيفة The Guardian: "يجب أن تكون هذه الخطة جزءاً من خطة مياه أوسع تتضمن الحفاظ على المياه بكفاءة، ولا يمكننا التركيز على شيء واحد فقط. هناك أيضاً تساؤل حول نجاح مثل هذا المشروع في مناخ متغير، فأنت بحاجة إلى درجات حرارة باردة وبمجرد أن يصبح الجو دافئاً جداً، لا يمكنك تطبيق هذه الطريقة"، حسب تصريحها.
وتكمن المشكلة الرئيسية في نجاح التجارب التي أجراها فريق الباحثة مخبرياً، بينما يظل التحدي الأكبر في نجاحها بالطبيعة مع ضمان وصول الغيوم إلى المناطق المستهدفة وعدم تساقط أمطارها فوق مياه المحيط على سبيل المثال!
وما الحل؟
الاستهلاك الرشيد للمياه الموجودة حالياً.
رغم أن المياه مصدر متجدد، فإن المصدر المتجدد لا يعني أنه بلا نهاية.
فالزيادة في عدد السكان وارتفاع درجات الحرارة يعنيان تزايد الفترات الزمنية التي لن تتجدد فيها المياه بشكل كافٍ خلال دورة المطر، لذلك يصبح الحفاظ على المياه أكثر أهمية من أي وقت مضى.
كيف نحافظ على المياه؟
- الاستحمام لمدة أقصر.
- عدم ترك الصنبور مفتوحاً عند عدم استخدامه: أي عند تنظيف الأسنان وغسل اليدين.
- استخدم الغسالة أو غسالة الأطباق عندما تكون ممتلئة فقط.
- لا تفرّط في ري حديقتك ونباتاتك، واسقِها في الأوقات الباردة من اليوم.
وتشير الأرقام التقديرية إلى أن الشخص العادي يستهلك نحو 90 ألف لتر من الماء سنوياً، وهو ما يكفي لملء صهاريج بنزين، لذا فإن الاستهلاك الرشيد للماء يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً إذا بدأ كل إنسان بنفسه.