في الوقت الذي تتواصل فيه المخاوف العالمية من تبعات الأزمة المناخية نتيجة لمستويات التلوث والاحتباس الحراري الاستثنائية، تتوجه العديد من الدول والمؤسسات إلى انتهاج أنظمة تشغيل صديقة للبيئة، في محاولة للحد من الكارثة.
وكان من بين الجهات التي عملت بشكل خاص على تحويل نُظُم تشغيلها إلى الطاقة المتجددة والنظيفة المساجد والمؤسسات الإسلامية حول العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
وتأتي منطقة الشرق الأوسط على رأس البقع الأكثر تأثُّراً بالتغيرات المناخية، إذ تمثل التهديدات فشلاً في زراعة العديد من المحاصيل والحفاظ على الحياة الحيوانية، إضافة إلى استحالة الحياة بصورة طبيعية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
في هذا التقرير نستعرض عدداً من الطرق التي قررت المساجد استخدامها لتشغيل أنظمة صديقة للبيئة لمكافحة التلوث والحد من التأثير على المناخ العالمي، بدءاً من استخدام مصادر المياه المستدامة، وصولاً إلى العمل بالطاقة المتجددة.
واجب أخلاقي على كل مسلم
بالنسبة للعديد من المسلمين، تُعد حماية البيئة واجباً أخلاقياً منذ الأيام الأولى لانتشار دعوة الإسلام، وقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث له: "إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون"، رواه مسلم.
وتحقيقاً لهذه الغاية، يقوم العديد من المسلمين بتصميم المساجد الخضراء التي تعمل على مراعاة البيئة، بحيث لا تساهم عبادات الزائرين في الإضرار بالكوكب.
1- استخدام الطاقة الشمسية في المساجد
المغرب يتطلع إلى تحويل مساجدها للطاقة النظيفة
تضم دولة المغرب نحو 50.000 مسجد في جميع أنحاء البلاد.
وقبل استضافتها لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ عام 2016 في مراكش، تعهدت الدولة في العام 2014 بدمج التصميمات البيئية النظيفة، مثل الألواح الشمسية وإضاءة LED في مساجدها.
كما حددت 600 مسجد في المرحلة الأولى في إطار مشروع المسجد الأخضر.
وبحسب موقع Middle East Eye، أتت تلك المبادرة كتعاون بين وزارة الشؤون الدينية في البلاد والحكومة الألمانية.
وشمل المشروع تعديل جامع الكُتُبية التاريخي في محيط ساحة مسجد الفنا، والذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر ميلادياً في مدينة مراكش، حيث تم إضافة ألواح شمسية لهيكله في العام 2017.
يأتي ذلك في الوقت الذي يستورد فيه المغرب ما يقرب من 90% من طاقتها من مختلف البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة والسعودية، لكنها تطمح لإنتاج 52% من طاقتها المستهلكة باستخدام مصادر متجددة بحلول عام 2030.
وبالنظر إلى موقع الدولة الواقعة في صحراء شمال إفريقيا، أصبحت الطاقة الشمسية مصدراً أساسياً عند التفكير في إنتاج طاقة للكهرباء.
الأردن يشارك في مشروع "المسجد الأخضر"
كان مسجد أبو غويلة في حي تلاع العلي، شمال غرب عمان، من أوائل المساجد التي استخدمت الألواح الشمسية عام 2018.
وبحلول عام 2019، كان هناك حوالي 500 مسجد يعمل بالطاقة الشمسية.
يأتي ذلك كجزء من مبادرة أوسع لتصبح العاصمة خالية من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050، بحسب موقع World Economic Forum.
مساجد عمان تتطلع لاستخدام الطاقة الشمسية في التشغيل
في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، تم تركيب المنظومة الشمسية بمسجد عبيد بن سعيد الحجري، في ولاية بدية بسلطنة عمان.
ويأتي تركيب الألواح الشمسية كجزء من المرحلة الأولى من مبادرة المساجد الخضراء في السلطنة، وهو برنامج استثماري في مجال الطاقة المتجددة سيساعد في تحويل عدد من المساجد في عُمان إلى الطاقة المتجددة.
كما يهدف برنامج المسجد الأخضر إلى توفير الطاقة المتجددة لـ100 مسجد في مرحلته الأولى، وما مجموعه 300 مسجد عبر ثلاث مراحل متتالية، باستثمارات تبلغ 5 ملايين ريال عماني، بحسب موقع Times of Oman.
2- التشجير وتدوير المياه لمكافحة التلوث
مسجد كامبريدج الأخضر في بريطانيا
لطالما حرصت التقاليد الإسلامية على تشجير ساحات المساجد والعمل على ترتيب حدائق خضراء حولها، لارتباط مفاهيم مثل النعيم والمكافأة في الإسلام بالجنة والحدائق والثمار والأشجار.
من هنا صَمم مسجد كامبريدج في المملكة المتحدة حديقته بعناية، لتعكس احترام الإسلام لجميع الكائنات الحية وحرصه على الطبيعة.
وهو يُعد أول مسجد صديق للبيئة مبني لهذا الغرض في أوروبا، محققاً الفوز بجائزة العمارة المتميزة أيضاً.
ويهدف تصميم المسجد الإنجليزي إلى ربط المؤمنين بالطبيعة أثناء ممارسة شعائرهم وصلواتهم، حيث تصطف أشجار التفاح في مسارات المسجد، وتم زرع سطح المسجد بنبات الأزهار المعمرة التي تزيد من التنوع البيولوجي وتحسِّن من مستويات العزل الحراري.
وبحسب موقع Green Prophet، يحتوي المسجد أيضاً على ألواح كهروضوئية على سطحه، وهي تعمل على توليد ثلث احتياجات المسجد من الطاقة.
ويأتي مسجد كامبريدج كأول مسجد في أوروبا تم تصميمه بمفهوم الاستدامة.
ومن بين الميزات الصديقة للبيئة فيه:
- مضخات حرارية تحت الأرض تعدِّل درجة حرارة المسجد داخلياً بشكل منتظم.
- كما تُستخدم مصابيح LED الموفرة للطاقة في المساء، وهي تعمل باستخدام مستشعرات الحركة، لذا فهي لا تستهلك الطاقة دون داع.
- كذلك تم تجهيز موقف السيارات تحت الأرض بنقاط شحن للسيارات الكهربائية.
مسجد ينتج الغاز ويعيد تدوير المياه بإندونيسيا
في البلد الذي يضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، أطلق مجلس العلماء الإندونيسي (MUI) عام 2011، مبادرة المسجد البيئي، من أجل تحويل المنشأة إلى بنايات صديقة للبيئة وغير مستهلكة للطاقة غير المتجددة.
واستهدف المشروع تحويل 800.000 مسجد في إندونيسيا إلى منشآت خضراء.
وتركز خطوات هذا المشروع على عدة نقاط، تبدأ من ملاءمة الموقع وكفاءة الطاقة، إلى إعادة التدوير.
وفي مسجد الذكرى بمدينة جاوة الإندونيسية، يشكل المسجد مثالاً بارزاً للمساجد الصديقة للبيئة، التي تهدف إلى نشر الوعي لدى المجتمع بأهمية ترشيد استخدام الموارد الطبيعية وحماية البيئة.
ويعيد المسجد تدوير المياه والنفايات منذ تأسيسه عام 2016، وتحيط به مساحة خضراء واسعة، ليكون بذلك أحد المساجد الرائدة في حماية البيئة، ويتوفر فيه نظام لتنقية مياه الأمطار وإعادة تدوير المياه المستخدمة في الوضوء والطبخ وغيرها، فضلاً عن نظام آخر خاص بإنتاج الغاز من النفايات العضوية، بحسب موقع Aljazeera.
3- استخدام طاقة الرياح في إدارة المساجد
المسجد التركي بألمانيا ونظامه البيئي
يعمل مسجد سلجوق أون يلماز بطاقة الرياح بشكل كامل، وبالإضافة إلى الألواح الشمسية على سطحه أسّس المهندسون المعماريون التصميم عن طريق دمج توربينات الرياح لاستخدامها لتوليد الكهرباء من مآذن المساجد، وفقاً لـMiddle East Eye.
واستهدف المهندس المعماري الألماني التركي سلجوق أون يلماز، الذي يحمل المسجد اسمه، أن يدمج الطرق البيئية المتبعة في تصميمه للمسجد.
وقد قدم المهندس التركي اقتراحاً في عام 2011 لبناء مسجد صديق للبيئة في نوردارسيت، بالقرب من هامبورغ في ألمانيا.
ويتميز المسجد البيئي بوجود شفرات دوارة زجاجية بطول 1.5 متر، مثبتة داخل مآذن المبنى التي يبلغ ارتفاعها 22 متراً، بهدف توليد ثلث كهرباء المبنى من طاقة الرياح.