من زوبعة في فنجان إلى عاصفة ضربت المستهلك فجأة، صدمت أزمة الشرائح الإلكترونية كبرى الشركات العالمية التي كانت تتسابق لشهور على طلبها وتأمينها عبثاً، لتعلن يائسة عن تقليل إنتاجها، فلن يحصل كل من يريد أحدث هاتف من آبل في الوقت المحدد؛ بعدما أعلنت الشركة تقليل الإنتاج بـ10 ملايين جهاز!
ما هي أزمة الشرائح الإلكترونية؟
توجد شرائح في كل شيء كهربائي تمتلكه تقريباً، من هاتفك إلى الكمبيوتر إلى سيارتك. حتى إن هناك شرائح في أشياء لا تتوقعها، مثل الغسالة وفرشاة الأسنان الكهربائية والثلاجة. لكن هذه الأجزاء الصغيرة التي تشغل الكثير من حياتنا تعاني الآن نقصاً شديداً في الإمداد.
يقول أستاذ ممارسة سلسلة التوريد في جامعة سيراكيوز، باتريك بينفيلد، لموقع Popular Science: "لدينا الآن سلسلة إمداد عالمية في أزمة، لم نشهد قط أي شيء بهذا الحجم يؤثر علينا من قبل".
شركات تأثرت بالأزمة
بدورها أعلنت شركة نيسان أنها ستصنع 500 ألف سيارةٍ أقل، بسبب نقص الشرائح، حسب ما نشر موقع CNBC.
كما اضطرت شركة جنرال موتورز إلى إيقاف بعض إنتاجها من شاحنات البيك أب، بسبب نقص الشرائح الموصلة، بل أوقفت العمل على آلاف المركبات التي اكتملت والتي لاتزال تفتقر إلى الشرائح المطلوبة.
أما الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، فحذَّر الجمهور في يوليو/تموز، من أنَّ نقص الشرائح سيؤثر على مبيعات هواتفها وأجهزتها اللوحية، ليعلن في أكتوبر/تشرين الأول، عن نية الشركة تقليل أعداد أجدد هواتفها.
بدوره توقَّع بات غيلسنجر، رئيس شركة إنتل، أنه قد يمر عام أو عامان قبل أن يتمكن العرض من تلبية الطلب حسب ما نشر موقع BBC، بينما أشار الخبراء إلى أن التسوق في هذه الفترة لن يقدم التنوع والخيارات التي اعتادها المستهلكون.
ما هي الشرائح الإلكترونية؟
تسمى semiconductors أو microchips، وهي تعمل كالعقول داخل كل الأجهزة الإلكترونية التي نستخدمها.
تحتوي على مليارات الترانزستورات بداخلها، على الرغم من أن حجم الشريحة يمكن أن يختلف. تشبه تلك الترانزستورات بوابات صغيرة جداً تسمح للإلكترونات بالمرور عبرها.
يتطلب بناؤها عدة خطوات وأيام وخبراء في متناول اليد.
على سبيل المثال، تحتوي أحدث شريحة من شركة IBM على 50 مليار ترانزستور في مساحة بحجم 2 نانومتر.
تعد هذه الشرائح شريان الحياة في المجتمع الحديث، ولكن حتى قبل الوباء، كان الطلب عليها فاق العرض.
في عام 2021، أطلق الخبير الاقتصادي روري جرين عليها اسم "الزيت الجديد"، مشيراً إلى أن تايوان وكوريا تسيطران على حصة الأسد من الإنتاج.
ولكن في حين كانت هذه الشرائح اختراعاً أمريكياً، فإن عدد الشركات المُصنعة الأمريكية التي تصنّعها حالياً انخفض بشدة.
في عام 1990، تم تصنيع 37% من الرقائق بأمريكا، كما يقول نائب الرئيس الأول ومدير برنامج التقنيات الاستراتيجية في شركة CSIS للبيانات التحليلية الاستراتيجية، ولكن بحلول عام 2020، كان هذا الرقم 12%.
لماذا حصل نقص في الإمداد؟
إغلاقات كورونا
مع إقفال الدول عديداً من معاملها ومصانعها بسبب جائحة كورونا، تأثرت الإمدادات اللازمة لتصنيع الشرائح على مدى شهور.
وتسببت زيادة الطلب على الإلكترونيات الاستهلاكية في قلب الجائحة في حدوث تحولات أثرت بسلسلة التوريد.
بدأت الطلبات تتراكم، فيما كافح المُصنعون لإنشاء شرائح كافية لتلبية مستويات الطلب الجديدة، فتراكمت الطلبات العالمية.
على سبيل المثال، يتعين على شركات السيارات، مثل Ford، أن تتنبأ بكمية الشرائح التي ستحتاجها لإنتاج سياراتها وأن تطلبها مقدماً من أحد المصنعين.
وحالياً، قد يستغرق الأمر نصف عام على الأقل لوصول الطلبية.
ويعد الطلب الحالي على الشرائح كبيراً جداً لدرجة أن الشركات المُصنعة لا تستطيع صناعة ما يكفي، ما يعني أن المستهلكين سيرون قريباً أسعاراً أعلى لسلع أقل.
لكن المشكلة لا تكمن فقط في التصنيع، فبينما كان فيروس كورونا يشقُّ طريقه عبر آسيا، أغلقت الموانئ العالمية عدة أشهر في بعض الأحيان.
يمر نحو 90% من الأجهزة الإلكترونية في العالم عبر ميناء يانتيان الصيني، وقد تم إغلاقه مؤخراً، تاركاً مئات سفن الحاويات عائمة بلا مرسى.
وعند إعادة فتح هذه الموانئ كانت طلبيات الشحن تراكمت إلى جانب النقص في العمالة والإمكانات القادرة على تلبية هذا النقص؛ ما أدى إلى تفاقم الأزمة من جديد.
قرارات خاطئة
عندما ألمَّت الجائحة بالعالم، توقعت شركات السيارات أن يخف الطلب على معروضاتها، فألغت العديد من طلبياتها، لذا حوَّلت المصانع إنتاجها لتلبية الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية التي تعاظم الطلب عليها.
الأحوال الجوية
كما تعرَّض مصنع Renesas في اليابان والذي يصنع تلك الشرائح المستخدمة في صناعة السيارات، لحريق أدى لتأخير الإنتاج، حسب موقع BBC.
أما في أمريكا فأدَّت العواصف الشتوية بولاية تكساس إلى إيقاف العمل في المعامل الوحيدة الموجودة بأمريكا.
كيف تؤثر هذه الأزمة على المواطن العادي؟
بطبيعة الحال، مع تراجع عدد المعروضات وزيادة الطلب ستشهد الأسواق ارتافعاً في الأسعار لأي جهاز يستوجب شريحة إلكترونية، حسبما أكد البروفيسور في كلية هارفارد للاقتصاد ديفيد يوفي لموقع Popular Science.
وبينما تسعى إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تخصيص صندوق لدعم الاستثمار في بناء معامل لصناعة الرقائق، إلا أن الأمر سيستغرق عدة سنوات.
متى تنتهي الأزمة؟
اختلفت الآراء حول موعد انتهاء الأزمة، فيما قدَّر الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع الرقائق STMicro أن النقص سينتهي بحلول أوائل عام 2023.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Stellantis لصناعة السيارات، إن الأزمة ستستمر في عام 2022، وقال باتريك جيلسنجر، الرئيس التنفيذي لشركة إنتل، إن النقص قد يستمر عامين آخرين، ناصحاً من لم يكن مستعجلاً على شراء جهاز إلكتروني حتى ربيع عام 2022، بالانتظار حتى تتراجع الأسعار.