هل تساءلتم مسبقاً لمَ لا تموت الحيوانات السامة من السموم الموجودة في أجسادها؟ في الواقع فقد طورت الحيوانات السامة من ضفادع وطيور وأفاعٍ وأخطبوطات استراتيجيات عديدة تبطل أثر السم في أجسادها، سنتعرف عليها معاً في هذا التقرير:
لماذا لا تموت الحيوانات السامة من سمومها؟
للإجابة عن هذا السؤال دعونا ندرس واحداً من أكثر الحيوانات سمية في العالم، ألا وهو الضفدع السام، يتميز هذا الضفدع بحجمه الصغير وألوانه اللافتة للنظر، وبسُميته الشديدة كذلك، وهو يتبع لعائلة تعرف باسم Dendrobatidae ويعيش في الغابات المطيرة في أمريكا الوسطى والجنوبية.
ضفدع صغير واحد من تلك العائلة يحمل سُماً كافياً لقتل 10 أشخاص بالغين، لكن المعلومة الأكثر إثارة للاهتمام هي أن هذه الضفادع لا تولد سامة بطبيعتها إنما تكتسب موادها الكيميائية السامة عن طريق أكل الحشرات ومفصليات الأرجل الأخرى، لكن في هذه الحالة لمَ لا تصاب هذه الضفادع الصغيرة بالتسمم؟
يقول فيال عبد الرحمن علي، الباحث في معهد أبحاث القلب والأوعية الدموية بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، إن قدرة هذه الضفادع على تجنب التسمم الذاتي حيرت العلماء لفترة طويلة.
وقد درس الباحثون الضفادع السامة في جنس Phyllobates الذي يستخدم سُماً يدعى batrachotoxin، الذي يعمل عن طريق تعطيل نقل أيونات الصوديوم داخل وخارج الخلايا، وهي واحدة من أهم الوظائف الفسيولوجية في الجسم.
عندما ترسل دماغك إشارات إلى الجسم، فإنه يرسلها على شكل إشارات كهربائية. وتحمل هذه الإشارات تعليمات إلى أجزاء من الجسم، على سبيل المثال إلى أطرافك لتطلب منها التحرك، والعضلات لتطلب منهم الانقباض، والقلب ليطلب منه ضخ الدم.
هذه الإشارات الكهربائية تعمل عن طريق تدفق الأيونات الموجبة الشحنة، مثل الصوديوم، إلى الخلايا سالبة الشحنة؛ إذ تتدفق الأيونات داخل وخارج الخلايا عبر أبواب بروتينية تسمى القنوات الأيونية. لكن عندما تتعطل هذه القنوات الأيونية، لا يمكن للإشارات الكهربائية أن تنتقل عبر الجسم.
يتسبب batrachotoxin في بقاء القنوات الأيونية مفتوحة، مما يؤدي إلى تدفق حر من الأيونات الموجبة الشحنة إلى الخلايا، وإذا كانت القنوات لا تستطيع الإغلاق، يفقد النظام بأكمله قدرته على نقل الإشارات الكهربائية.
يقول فيال عبد الرحمن: "نحتاج إلى فتح هذه القنوات وإغلاقها لتوليد الكهرباء التي تشغل دماغنا أو عضلات القلب". وإذا بقيت القنوات مفتوحة، "لا يحدث نشاط قلبي، ولا يحدث نشاط عصبي أو نشاط انقباضي".
بشكل أساسي، إذا ابتلعت أحد هذه الضفادع، فإنك تموت، على الفور تقريباً.
إذاً كيف تتجنب هذه الضفادع وغيرها من الحيوانات السامة ملاقاة نفس المصير؟
يضيف فيال عبد الرحمن أن هناك ثلاث استراتيجيات تستخدمها الحيوانات السامة لوقف التسمم الذاتي:
الطفرة الجينية
الاستراتيجية الأكثر شيوعاً هي الطفرة الجينية التي تغير شكل البروتين المستهدف من السم -باب أيون الصوديوم- بحيث لا يعود بإمكان السم الارتباط بالبروتين.
على سبيل المثال، يحمل نوع من الضفادع السامة يسمى Dendrobates tinctorius azureus سماً يسمى epibatidine يحاكي مادة كيميائية مفيدة لإرسال الإشارات تسمى أستيل كولين. ووفقاً لدراسة عام 2017 نُشرت في مجلة Science، طورت هذه الضفادع تكيفات في مستقبلات الأسيتيل كولين الخاصة بها، التي غيرت شكل تلك المستقبلات قليلاً، مما يجعلها مقاومة للسموم.
التخلص من السموم
ويضيف فيال عبد الرحمن أن هناك استراتيجية أخرى تستخدمها الحيوانات المفترسة للحيوانات السامة، وهي القدرة على التخلص من السموم من الجسم بالكامل.
هذه العملية ليست بالضرورة هي نفس طريقة تجنب التسمم الذاتي، إنها مجرد طريقة أخرى لتجنب الحيوانات التسمم بالأشياء التي تأكلها، وفقاً لما ورد في موقع Live Science الأمريكي.
العزل
تسمى الاستراتيجية الثالثة بـ"العزل".
قال فيال عبد الرحمن: "ستطور الحيوانات أنظمة لعزل أو امتصاص السم للتأكد من أنه لا يسبب مشاكل لها".
في دراسة فيال عبد الرحمن، استنسخ قنوات أيونات الصوديوم من ضفادع Phyllobates وعالجها بالسم. وتفاجأ عندما رأى أن قنوات أيون الصوديوم لم تكن مقاومة للسم.
وقال فيال عبد الرحمن: "هذه الحيوانات يجب أن تكون ميتة"، نظراً لأن قنوات أيونات الصوديوم في الضفادع لم تقاوم التأثيرات المدمرة للسموم، فلا ينبغي أن تكون الضفادع قادرة على البقاء مع هذا السم في أجسامها.
وبناءً على هذه النتائج، يعتقد أن هذه الضفادع تستخدم على الأرجح استراتيجية العزل لتجنب التسمم الذاتي باستخدام ما يسمى "الإسفنجة البروتينية"، وفقاً لـ National Geographic.
إذ من المحتمل أن تنتج الضفادع بروتيناً يمكنه امتصاص السموم والاحتفاظ به، مما يعني أن السم ليس لديه فرصة للوصول إلى قنوات البروتين الضعيفة في المقام الأول.
ويستخدم الضفدع الأمريكي Rana catesbeiana استراتيجية العزل كذلك. فهذه الضفادع تنتج بروتيناً يسمى saxiphilin، الذي يمكنه أن يرتبط بالسموم المسماة saxitoxin ويوقف سميتها.
وتجري دراسة بروتين Saxiphilin حالياً بوصفه حلاً محتملاً لتحييد السموم التي تدخل إلى إمدادات المياه لدينا عن طريق تكاثر الطحالب الضارة.