خلصت دراسةٌ علمية حديثة إلى أن الأطفال المبتسرين (المولودين قبل أوانهم) يشعرون بألمٍ أقل، في أثناء الإجراءات الطبية اللازمة، عندما تتحدَّث أمهاتهم إليهم، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 27 أغسطس/آب 2021.
فقد أكد الباحثون أن الأطفال الذين يُولَدون مبكِّراً جداً قبل الأوان غالباً ما يضطرون إلى قضاء بعض الوقت في وحدات العناية المركَّزة لحديثي الولادة، وقد يحتاجون العديد من الإجراءات السريرية المؤلِمة. وقد يعني ذلك أيضاً عزلةً مُطوَّلةً عن الوالدين.
إلا أن الباحثين وجدوا أن صوت الأم يبدو أنه يقلِّل من الألم الذي يعانيه الطفل في أثناء هذه الإجراءات الطبية "الصعبة".
من جهتها، قالت الدكتورة مانويلا فيليبا، من جامعة جنيف السويسرية، والمؤلِّفة الأولى للدراسة، إن البحث قد لا يساعد الآباء فقط، من خلال تسليط الضوء على أنه يمكنهم الاضطلاع بدورٍ مُهم في أثناء وجود طفلهم بالعناية المركَّزة، بل يفيد الأطفال الرضَّع أيضاً.
الاتصال الأبوي
فيليبا أضافت: "نحاول إيجاد طرقٍ غير دوائية لتقليل الألم عند هؤلاء الأطفال"، لافتة إلى أن هناك مجموعةً متزايدةً من الأدلة على أن الاتصال الأبوي مع الأطفال المولودين مبكِّراً قبل الأوان قد يكون مُهماً، لعددٍ من الأسباب، من ضمنها التعلُّق بالوالدين.
كما أشارت المؤلِّفة الأولى للدراسة إلى أن الفريق ركَّز على الصوت، لأنه لم يكن من الممكن دائماً للوالدين حمل أطفالهم بالعناية المركَّزة، في حين أن الصوت قد يكون أداةً قويةً لمشاركة المشاعر.
في حين أُجرِيَت الدراسة حول أصوات الأمهات على وجه الخصوص، لأن الأطفال قد يسمعون الصوت بالفعل وهم في الرحم. لكن فيليبا لفتت إلى أن هذا لا يعني أن صوت الأب لن يصبح مألوفاً مع مرور الوقت، موضحةً أنهم يُجرون أيضاً دراساتٍ حول الاتصال الصوتي للآباء.
فيما كتبت فيليبا وزملاؤها في دورية Scientific Reports عن كيفية فحص استجابة 20 طفلاً مولوداً قبل الأوان في العناية المركَّزة لحديثي الولادة، لإجراءٍ روتيني يتم من خلاله وخز القدم وتجميع بضع قطراتٍ من الدم.
استجابة الأطفال
حيث بحث الفريق العلمي في مدى استجابة الأطفال لهذا الإجراء في ثلاث حالات، خُصِّصَت كلٌّ منها بشكلٍ عشوائي لواحدٍ من ثلاث حالات: الأم تتحدَّث إلى طفلها، والأم تغني لطفلها، وفي حالة غياب الأم.
في كلِّ حالة، سجَّل الفريق ثلاثة مقاييس لقياس مستوى الألم الذي يعانيه الطفل: تعابير الوجه، ونبض القلب، ومستويات الأوكسجين. وكشفت النتائج أن مستويات الألم الذي يُعتقَد أن الطفل يعانيه، انخفضت في المتوسط من 4.5 إلى 3 على مقياسٍ من 21 نقطة، عندما كانت الأمهات تتحدَّثن.
تعقيباً على ذلك، ذكرت فيليبا: "بالنسبة لهذا العمر المُحدَّد، يُعَدُّ هذا تغييراً مهماً".
كذلك وجد الفريق أن حديث الأمهات كان مرتبطاً بارتفاعٍ كبيرٍ في مستويات هرمون الأوكسيتوسين في عيِّنات اللعاب المأخوذة من الأطفال.
فيما أكدت فيليبا أنه من المعروف أن هرمون البيبتيدي أو الأوكسيتوسين، وهو هرمون الترابط الاجتماعي، يشارك في عمليات التعلُّق، ويمكن أن يكون وقائياً من آثار الألم.
كان انخفاض الألم واضحاً عندما كانت الأمهات يغنين، وهو اكتشافٌ قالت عنه فيليبا إنه قد يعتمد على بنية الأغاني والكلمات واللحن والتهويدات.
جدير بالذكر أن الدراسة واجهت عدداً من القيود، من ضمنها أن عدد الأطفال المشاركين كان قليلاً. وقالت فيليبا: "بالطبع نحن بحاجةٍ إلى مزيد من الأطفال المولودين قبل الأوان، ونحتاج إجراءاتٍ أخرى كذلك، مثل التدابير العصبية لإدراك الألم".
فوائد إيجابية للغاية
يدعم نتائجَ تلك الدراسة، دراسةٌ أخرى أجرتها كلية الطب في جامعة هارفارد الأمريكية، حيث أكدت أن التحدث مع الجنين طوال فترة الحمل له فوائد إيجابية للغاية خلال فترة نموه بعد الولادة، داعيةً الأمهات إلى التحدث مع أجنَّتهن، وقراءة القصص لهم، أو تشغيل المنبهات الصوتية كالقرآن أو الموسيقى.
بخلاف ذلك، أظهرت دراسة أُجريت عام 2014 على الأطفال المبتسرين، أن تشغيل تسجيل بصوت الأم بينما يمسك الطفل باللّهاية كان كافياً لتحسين تنمية مهارات التغذية عبر الفم وتقليل مدة إقامتهم بالمستشفى.
يمكن أن يهدئ صوت الأم الطفل في المواقف العصيبة، مما يقلل من مستويات هرمون الكورتيزول، وهو هرمون التوتر، ويزيد من هرمون الأوكسيتوسين.
حتى إن العلماء تتبَّعوا أثر قوة صوت الأم على دماغ الطفل، ووجدوا أنه يُنشِّط القشرة الأمامية الجبهية والمنطقة الصدغية الخلفية اليسرى أكثر من أي صوت آخر غير مألوف، مما يُعِدُّ الطفل لمَهمة معالجة الكلام الخاصة.