قالت صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 22 أغسطس/آب 2021، إن قرية "تراسموث" التي تقع في مقاطعة سرقسطة التابعة لمنطقة أراغون شمال شرقي إسبانيا، والتي تُوصف منذ سنوات بأنها "قرية ملعونة"، باتت تجذب آلاف السياح كل عام.
جاذبية القرية المثيرة للجدل، بالنسبة للكثيرين، لا تكمن في قلعتها نصف المدمرة ولا الخلفية الجبلية المذهلة، بل في غرابتها الشاذة في التاريخ، حيث إنها القرية الوحيدة "الملعونة" في إسبانيا.
من جهتها، قالت لولا رويز دياز، وهي إحدى سكان القرية البالغ عددهم 47 فرداً، حيث تقع القرية على بعد حوالي 50 ميلاً شمال غرب مقاطعة سرقسطة: "حتى الآن، لم يكن اللعن الكنسي سيئاً بالنسبة لنا. لقد تبين أنها نقطة في مصلحتنا".
إذ يشهد فصل الصيف زيارة ما يصل إلى 6000 سائح إلى القرية لمشاهدة مهرجان السحر في شهر يوليو/تموز، ويستكشف الزوار متحف السحر الصغير الخاص بالقرية ويستعيدون ذكريات اللعنة التي أصابت القرية.
إلا أن قلة فقط من أهل القرية توقعوا أن يصبح هذا الوضع الفريد للقرية بمثابة نقطة جذب سياحي. قبل عقدين من الزمن، بعد أن بدأ السكان المحليون في استعادة الحكايات التي شكلت أسطورة تراسموث على مر السنين، بدأ عدد قليل من الزوار بزيارة القرية.
ماضٍ غير تقليدي
فيما يعود الماضي غير التقليدي لهذه القرية الصغيرة المعزولة، التي تقع في سفوح تلال شمال إسبانيا، إلى سلسلة من الخلافات التي بدأت منذ أكثر من 700 عام. في ذلك الوقت، كانت تراسموث مجتمعاً مزدهراً من المسيحيين واليهود والعرب وكانت في خصومة مع دير فيرويلا المجاور.
تلك الخلافات بين الطرفين وصلت إلى ذروتها في عام 1252، وكان حول ما إذا كان بإمكان أهل القرية قطع الأشجار في المنطقة للحصول على الحطب؛ مما دفع رئيس الدير للمطالبة بطرد تراسموث من الكنيسة الكاثوليكية.
في حين جاءت الجولة الثانية من الخلافات بعد أكثر من 250 عاماً، وهذه المرة كان الخلاف حول الوصول إلى الممرات المائية التي تمر عبر جبال مونكايو القريبة. وبعد انحياز نبلاء البلاد إلى تراسموث، انتقم الدير من القرية. وبإذن من البابا يوليوس الثاني آنذاك، تلا رئيس الدير لعنة من المزامير على قرية تراسموث. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تراسموث قرية "ملعونة"، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية.
"اللعن الكنسي"
وبعد عقود من لعن تراسموث كنسياً، بدأ القائمون على القلعة باستخدام الموقع سراً لإنشاء عملات معدنية مزيفة. ومن أجل تبرير الضجيج والأصوات الأخرى المنبعثة من القلعة في جوف الليل بسبب صناعة النقود المزيفة، أخبروا الناس أن الساحرات يطاردن المنطقة.
وفق بعض التقارير، يتواجد بهذه القرية أكبر السحرة والمشعوذين في إسبانيا، وانتشرت فيها خرافات مرعبة، وأجواء كئيبة بعدما مُلئت بالجن عبر استحضار السحر الأسود.
بينما انتشرت سمعة القرية في الآفاق، وأصبحت معروفة بـ "قرية السحر". وبمرور الوقت، تراجعت القرية سواء كان ذلك بسبب اللعنة أو مجرد صدى للأحداث التي كانت تدور في جميع أنحاء إسبانيا. وبدأ عدد سكانها المُقدر بـ700 في التقلص بعد أن أمرت إسبانيا بطرد اليهود في عام 1492، وتلاهم المسلمون بعد ذلك، والمزيد من الفئات الأخرى.
لكن دوامة انهيار القرية توقفت بعد أن أعلن المسؤولون المحليون عن إعانات للقرى لإقامة فعاليات تهدف إلى الاحتفال بخصائصها الفريدة. وبالطبع كانت إحدى خصائص القرية تتمثل في شهرتها بالسحر؛ لذا فقد وُلد مهرجان Feria de Brujería -أو مهرجان السحر- السنوي.
بدوره، ذكر خيسوس أنديا، عمدة مدينة تراسموث، أن المهرجان نما ليصبح واحداً من أفضل المهرجانات حضوراً في منطقة أراغون الشمالية. وبالنسبة للجزء الأكبر، كان سكان القرية منفتحين على فكرة الترويج لخلافها الطويل مع الكنيسة.
يشار إلى أنه بعد ما يقرب من ثمانية قرون من لعن تراسموث كنسياً، جرت تسوية العلاقات مع دير فيرويلا، بعد توحيد القوتين في بعض الأحيان لتنظيم الأحداث الثقافية. ومع ذلك، لا يهتم أهل القرية بالاتصال بالبابا لمعرفة ما إذا كان من الممكن رفع اللعن الكنسي أم لا.