قد يظن البعض أنه بمجرد امتناعه عن تناول الأطعمة المُصنّعة وتقليل استهلاك اللحوم بشكل عام قد تجاوز بذلك تأثيره السلبي على المناخ العالمي؛ وذلك لما في تربية المواشي من تأثير ضخم على نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في كوكب الأرض.
ومع ذلك، هناك تبعات لا ينبغي إغفالها أبداً عند زيادة استهلاك البشر لنوعيات معينة من الثمار والنباتات بشكل عام، وذلك إما لاستهلاكها كميات ضخمة من المياه؛ ما يسبب الهدر والجفاف وإغفال زراعة نباتات أخرى، وإما لتسببها في تصحير مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء للإبقاء على نسب إنتاج تكفي متطلبات الاستهلاك المتزايدة باستمرار.
في هذا التقرير نستعرض أبرز الثمار والنباتات التي يؤثر استهلاك البشر المتزايد لها على سلامة كوكب الأرض، وتعرض المناخ لضغوط بيئية تُعجّل بنهايته.
1- الأرز والقمح يستهلكان القسط الأكبر من مياه الكوكب
الأرز هو المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية في وجبات نصف سكان العالم تقريباً، ولكن زراعة الأرز تمثّل وحدها ثلث الاستخدام السنوي للمياه العذبة على كوكب الأرض، وفقاً لتقرير نشرته منظمة أوكسفام البيئية.
وبطبيعة الحال، يرجع هذا إلى حد كبير إلى أن الأرز والقمح هما أكثر المحاصيل استهلاكاً حول العالم، وبالتالي يوفران عوائد كبيرة نظير استخدامهما للمياه، وذلك من خلال إطعام عدد أكبر من سكان العالم أكثر من أي نوع آخر من النباتات.
ومع ذلك، وفقاً للتقرير، فإن الأرز والقمح والشاي هي السلع الثلاثة الأكثر استهلاكاً للمياه عالمياً، وتتطلب نباتاتها أكبر قدر من الماء لإنتاج كل طن. ولهذا السبب، طالبت المنظمة المزارعين والعلماء في جميع أنحاء العالم بمواصلة تطوير تقنيات إنتاج أكثر كفاءة في استخدام المياه، مع إنشاء سلالات مقاومة للجفاف من المحاصيل الرئيسية.
ولحسن الحظ، تم تطوير طريقة زراعية جديدة تُعرف باسم نظام تكثيف الأرز والتي تمكِّن المزارعين من إنتاج ما يصل إلى 50% من الأرز بكمية أقل من المياه وتُدعى تقنية SRI، والتي من المقرر إذا تم الالتزام بها دولياً أن تساهم في توفير كميات المياه المستهلكة عالمياً بشكل سنوي.
2- استهلاك السكر يضر بالصحة والكوكب على حدٍّ سواء
يتم إنتاج أكثر من 145 مليون طن من السكر في 121 دولة كل عام، وفقاً للصندوق العالمي للحياة البرية، ويؤثر الإنتاج بهذا الحجم على الأرض بشكل لا يمكن تغافله. وبحسب مؤسسات الحفاظ على البيئة، فإن السكر وحده مسؤول عن فقدان التنوع البيولوجي أكثر من أي محصول آخر.
ووفقاً لتقرير السكر والبيئة التابع للصندوق العالمي للطبيعة WWF، فإن ذلك يحدث بسبب تدمير الأراضي التي تتم فيها زراعة محاصيل ونباتات إنتاج السكر، واستخدامه المكثف للمياه ومبيدات الآفات وإنتاجه لمياه الصرف الملوثة التي يتم تصريفها أثناء عملية الإنتاج.
وقد تعرضت آلاف الأفدنة من فلوريدا إيفرجليدز لمخاطر بيئية ضخمة بعد سنوات من زراعة قصب السكر؛ إذ أصبحت الغابات شبه الاستوائية مستنقعات لا حياة فيها بعد الجريان السطحي المفرط للأسمدة وتصريف الري.
وتعاني المياه حول الحاجز المرجاني العظيم شمال أستراليا أيضاً بسبب الكميات الكبيرة من المبيدات الحشرية والرواسب من مزارع السكر؛ ما يهدد الثروات البحرية.
3- مع الاعتذار لعشاقه في كل مكان، الموز يهدد سلامة الأرض!
لا يقتصر التأثير البيئي للموز على إنتاج الفاكهة في حد ذاتها، بل يتعدى ذلك إلى تكلفة تصديره إلى بلدان أخرى في جميع أنحاء العالم.
ووفقاً لموقع One Green Planet، يُعد الموز من بين أكثر الأطعمة استهلاكاً على نطاق واسع عالمياً، وهو الفاكهة الأكثر شعبية في الولايات المتحدة؛ إذ يأكل المواطن الأمريكي العادي حوالي 100 موزة خلال العام الواحد.
وتشمل الدول الرائدة في العالم لتصدير الموز: الإكوادور والفلبين وكوستاريكا وكولومبيا وغواتيمالا- التي ترسل الكثير من الموز إلى أوروبا، حيث اعتاد الناس على تناول تلك الثمار المحببة حتى في غير موسم تلك النباتات السنوي المعتاد.
لكن هذا الموز لكي يصل إلى كافة بقاع الأرض وبهذه الكميات الضخمة، يقطع مسافات طويلة للغاية؛ ما يسبب ضرراً بيئياً ضخماً بسبب التلوث النابع عن عمليات الشحن.
ومن أجل وصول كميات كبيرة من ثمار الموز إلى المملكة المتحدة على سبيل المثال، يسافر الموز في المتوسط نحو 5106 أميال؛ وتساهم هذه الرحلة في رفع مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
وبالإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتم تغليف الموز في عبوات بلاستيكية، وهو الأمر الذي لا تقتصر سلبياته على البيئة فحسب، ولكنه حالياً الطريقة الوحيدة التي تختارها معظم محلات البقالة للتمييز بين الموز التجاري العادل، والموز العضوي، والموز الاستهلاكي الرخيص المزروع بطرق غير أخلاقية.
موضة تناول الأفوكادو العالمية تكبد الأرض خسائر فادحة
لكل محبي الجواكامولي والأفوكادو على الخبز المحمص، قد يكون الوقت قد حان لإعادة النظر في وجبتك المفضلة للفطور؛ وذلك لأن إنتاج الأفوكادو يضر بالبيئة بسبب ضغط تلك النباتات على النظام البيئي.
وفي المكسيك على سبيل المثال، يتم إنتاج قدر كبير من الأفوكادو في جبال ميتشواكان. لكن وفقاً لوكالة أنباء أسوشيتيد برس، فإن إنتاج وغرس أشجار الأفوكادو يستهلك ضعف كمية المياه التي تستهلكها غابة كثيفة متوسطة الحجم.
وكشف بحث من المعهد الوطني للغابات في المكسيك أنه بين عامي 2001
و2010، تضاعف إنتاج الأفوكادو ثلاث مرات في ميتشواكان، وأن ارتفاع الطلب العالمي على الأفوكادو يتسبب في خسارة حوالي 1700 فدان سنوياً بسبب الجفاف، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
كذلك هناك مشكلة أخرى تتعلق بإنتاج الأفوكادو، وهي استخدام المواد الكيميائية الكثيف وكميات كبيرة من الخشب لتعبئة الفاكهة وشحنها إلى دول العالم، حتى في غير موسم الثمار السنوي.
وبالرغم من صيحة تناول الأفوكادو المعتمدة بشكل كبير على تعداد فوائد الثمرة، إلا أن الفوائد الغذائية في الأفوكادو من فيتامينات E و K، والزيوت الأحادية غير المشبعة متاحة بسهولة في منتجات أخرى أقل ضرراً بالبيئة، وفقاً لتصريحات الصحفية الاستقصائية جوانا بليثمان لصحيفة جارديان البريطانية، من بينها المكسرات والأسماك الدهنية كالسلمون والسردين، وزيت الزيتون وحبوب الشيا والزبادي وغيرها.
القهوة والشوكولاتة تؤثران على الأرض لأن كلفة زراعة البن باهظة
القهوة هي ثاني أكثر السلع تداولاً واستهلاكاً في العالم، بعد الزيت، وفقاً لموقع Global Citizen. وبالنسبة للكثيرين منا، فهي من ضروريات الحياة اليومية.
ويأتي معظم الضرر البيئي عند إنتاج القهوة والشوكولاتة لتلبية الاستهلاك العالمي المتزايد باستمرار، في إيجاد مساحة لزراعة حبوب البن.
وفي المنطقة الأشهر لزراعة تلك الحبوب على كوكب الأرض، يتم إنتاج البن في أمريكا اللاتينية. ومع ارتفاع الطلب العالمي على المنتج، قام المزارعون بتحويل 2.5 مليون فدان من الغابات في أمريكا الوسطى لإفساح المجال للإنتاج واستخدام المساحات كأراض لزراعة البن.
ويسلط تقرير صادر عن الصندوق العالمي للطبيعة WWF الضوء على الصلة بين إنتاج البن والأضرار البيئية؛ إذ يُظهر أن 37 من أسوأ 50 دولة فيما يتعلق بمعدلات إزالة الغابات هي أيضاً منتجة للبن، وبالتالي يعد هو السبب الأكبر في تقليص مساحات الغابات العالمية، وتجريف النباتات التي تعمل بمثابة الرئة للكوكب لعلاج معدلات انبعاث ثاني أكسيد الكربون ومكافحة التلوث.
وتظهر الأبحاث أن إنتاج القهوة ينبعث منه 17 كيلوغراماً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوغرام واحد من المنتج. وتنجم هذه الانبعاثات عن الزراعة والتعبئة والتأثيرات على سلامة الأرض المستخدمة في الزراعة.
الإقبال المتزايد على حليب الصويا واللوز والكاجو يهدد غابات العالم
تنمو حبوب الصويا بشكل رئيسي في أمريكا اللاتينية، لكن الطلب المتزايد يتسبب في إزالة النباتات والغابات في جميع أنحاء المنطقة.
ويتم تدمير ما يقرب من 4 ملايين هكتار من أراضي الغابات كل عام، وفقاً لصحيفة Telegraph، بما في ذلك غابات الأمازون وغران تشاكو والغابات الأطلسية الكبرى.
ومع تنامي صيحات استهلاك الحليب النباتي، سواء حليب اللوز أو حليب الصويا أو حليب الكاجو، فإنه يظهر أنه حتى مع أفضل المساعي عندما يتعلق الأمر بصناعة الأغذية العالمية، هناك القليل من الضمانات على أن هذا الاستبدال للمنتج الحيواني من الحليب له كل هذا التأثير الإيجابي المرجو.
ووفقاً لصحيفة الغارديان حول فوائد حليب اللوز للجسم والأضرار البارزة على الكوكب، يأتي أكثر من 80% من إنتاج اللوز العالمي من ولاية كاليفورنيا- وهي منطقة معروفة ببعض أسوأ حالات الجفاف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. إذ تتطلب زراعة حبة لوز واحدة فقط نحو 5 لترات من الماء.
وبالتالي يتطلب لإنتاج 100 مل من الحليب تقريباً، نحو 100 لتر من الماء.
ما العمل إذاً؟
في نهاية هذه القائمة، قد يكون عند المرء انطباع بأن كل ما يأكله يضر بالبيئة، وهذا صحيح بدرجة كبيرة: فكل ما يتم إنتاجه له تأثير على البيئة.
السؤال إذاً هل هذا التأثير مستدام؟ هل تأكل تلك المنتجات كل يوم؟ كم عدد الثمار التي تستهلكها في غير موسمها؟
وبالتالي يجب أن يكون المرء عقلانياً أكثر تجاه خيارات استهلاكه للأطعمة التي تتم معالجتها أو التي تتطلب تعطيل النظم البيئية بأكملها لإنتاجها.