ما كان يُعتبر قديماً فترةً عُمريةً مستقرةً من الرضا والشباب ووضوح الرؤية والإلهام والحماس، أصبح بالنسبة للعديد من الشباب وقتاً مضطرباً من عدم اليقين والشعور بالذعر من تفويت الفرص ومرحلة ممتدة من مراحل المراهقة بكل متاعبها.
لذلك إن كنت على مشارف بلوغ الثلاثينات من عمرك وتعاني من تلك الحالة، فاعلم أنك لست وحدك! فهي حالة مشتقة من أزمة منتصف العمر، لكنها تباغت الشباب عند انتهاء فترة العشرينات من عمرهم إيذاناً بختام "سنوات الشباب"، وتُسمى أزمة ربع العمر.
وفي هذه الحالة يعاني الشخص من مشاعر قوية من الخوف من المجهول والندم على تفويت العمر وعدم وضوح الرؤية وحتى تساؤلات حول ما قد حققه الشخص في حياته حتى الآن وما إذا كان قد اتخذ القرارات الصحيحة.
وليس من الضروري أن تكون أعراض أزمة ربع العمر بهذا الوضوح السالف ذكره، إذ من الممكن أن تكون شخصياً تعاني من بعض أعراضها حالياً دون أن تنتبه.
الأعراض التي ينبغي عليك الانتباه لها
وبحسب صحيفة Independent، عليك الانتباه لسلسلة الأعراض التالية وتوخي الحذر إذ كنت تعاني من أغلبيتها في الآونة الأخيرة:
1- بدأت في التساؤل عن هدفك من الحياة. ويتردد في ذهنك أسئلة مثل: ما الذي أفعله بحياتي؟ ما هو سبب وجودي؟ ما الجدوى من كل شيء؟ وأسئلة مماثلة.
2- تعاني من الإحباط بسبب عدم قدرتك على معرفة إجابات تلك الأسئلة المهمة.
3- تشعر بالرعب من فكرة أن أفضل سنوات حياتك قد انتهت وولّت بالفعل وما زلت تشعر بأنك لم تفعل أي شيء يستحق الذكر في حياتك.
4- تشعر بالضغط عند تصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي وينتابك الفزع كلما صادفت منشورات الآخرين حول إنجازاتهم الحياتية أو المهنية، في حين أنك تشعر بأنك قد فوّت تحقيق مثل تلك الإنجازات وتقدم بك العمر دون نجاحات ملموسة.
5- الشعور بالحسرة على فوات مرحلة العشرينات كلما تصادف الحديث عنها يعد دليلاً قوياً على إصابة الشخص بأزمة ربع العمر.
6- لديك رغبة ملحّة في أن تكون شخصاً بالغاً وجاداً ولديك حياة مستقلة، وفي نفس الوقت ترغب في التدثُّر في أحضان والديك وأن يقوم شخص ما برعايتك كطفل صغير لفرط ما تشعر بالإعياء والإرهاق العام.
7- تنتابك رغبة ملحة في الهرب من كل شيء والبدء من الصفر.
8- ترغب في تحقيق إنجازات مهنية منوطة بالالتزام والعمل الجاد، وفي نفس الوقت ترغب في الاستقالة وعيش حياة المغامرة والسفر واكتشاف التجارب الجديدة بحرية أكبر.
9- اتخاذ قرارات شراء غير حكيمة من أجل تعويض مشاعر عدم الثقة بالنفس وسوء النظرة الذاتية.
10- وأخيراً، قد تفضي الأعراض السابقة كلها إلى اتخاذ قرارات مصيرية بصورة متهورة، مثل اتخاذ قرار الاستقالة فجأة، أو الرغبة في الانفصال عن شريك الحياة، أو تغيير المعتقد أو المظهر أو محل السكن بشكل غير محسوب.
تدهور الحالة النفسية بشكل عام يعد عرضاً بارزاً لأزمة ربع العمر
يلفت موقع Well San Francisco للعلاج والاستشارات النفسية إلى أنه عندما لا تبدو الأمور على ما يرام بشكل دائم، وأنت لا تعرف السبب، وفي حال لاحظت تدهوراً متواصلاً من المشاعر السلبية وعدم الارتياح غير مفهومة المصدر، فإن أزمة ربع العمر هي على الأرجح سبب تساؤلاتك ومخاوفك.
ومن بين بعض الأعراض التي يجب الانتباه لها:
- حدث معك تغيير كبير في حياتك ولا تشعر بأنك تتأقلم معه بالرغم من مرور الوقت.
- كل شيء يشعرك بالملل وعدم الحماس. ليس هناك ما هو "خطأ" في حياتك ولكن لا شيء يثيرك أيضاً أو يشعرك بالتحسُّن.
- يبدو لك دائماً أنك على وضع الطيار الآلي، سواء في الحياة الخاصة أو العملية.
- تشعر بأن كافة أنواع الالتزامات الحياتية تحاصرك وتحاول خنقك.
- الاعتناء بذاتك أو الحصول على وقت خاص لم يعد يشعرك بالانتعاش والتجديد.
- تعاني من النوم المتقطع والأرق أو النوم الزائد أو الكوابيس المستمرة.
- تتخذ قرارات مصيرية متهورة دون دراسة أو تفكير عميق بسبب شعورك بالتوتر.
- المعاناة من أعراض جديدة من التوتر والقلق المزمن والاكتئاب.
- الانشغال المفرط بالشكل والمظهر الخارجي وعدم الشعور بالرضا.
- البحث المفرط عن التسوق وشراء الأشياء غير المفيدة.
- التساؤل عن مخاوف بعيدة والبدء في التوتر رغم عدم ملائمتها مع عمر الشخص، مثل مشاكل الصلع والترهلات والكرش وأمراض القلب والشيخوخة عند الرجال، أو مشاكل التجاعيد وتساقط الشعر وانقطاع الطمث عند النساء.
المقارنات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسبب أزمة منتصف العمر
وفي حين أنه من الصحيح أن فترة العشرينيات من العمر تختلف اليوم عما كان عليه الحال بالنسبة لآبائنا والأجيال السابقة، فإن العشرينيات من العمر هي دائماً الوقت الأبرز في اكتشاف هويتك وماذا تريد أن تفعله في حياتك.
وتقول المستشارة المهنية جينا جوسمان لموقع The Muse: "يعاني الشاب خلال هذه الأزمة من صراع في القيم والمبادئ. إذ يتعلق الأمر بالأدوار المختلفة. هل أنا ناجح في العمل؟ هل تمكنت من تكوين أسرة؟ هل أنا مرتاح وسعيد؟".
وغالباً ما تكون المقارنات بالآخرين أو الصور غائبة المصداقية التي يتم تسليط الضوء عليها عبر شبكات التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي أحد أكبر محفزات معاناة الشباب من أزمة ربع العمر، لأنه من الشائع جداً قيام الشخص لا إرادياً بتقييم نفسه وفقاً لحياة ومهن وعلاقات الأشخاص من حولك، أو الأشخاص الذين تتابعهم عبر الإنترنت وتحسب أنك تستشعر فيهم الإلهام.
ولأن خوض هذه الأزمة أمر شائع ولا يمكن تجنبه بشكل مسبق، هناك بعض الخطوات البسيطة التي يمكنك استخدامها لتهدئة العقل ومساعدة الشخص نفسه على اختيار مسارات لحياته بصورة ناضجة وواعية وأكثر هدوءاً.
خطوات عملية لتهدئة الارتباك المصاحب لأزمة ربع العمر
هناك بالفعل ست مراحل لأزمة منتصف العمر المبكرة في سن الثلاثين أو أواخر العشرينيات. أو ما بات يُعرف بأزمة ربع العمر، وهي تشمل التالي وفقاً لموقع Happily Committed للصحة النفسية:
1- الصدمة.
2- الإنكار.
3- الغضب.
4- الاكتئاب.
5- تكرار واحد أو أكثر من تلك الأعراض.
6- القبول.
وعندما تواجه تلك الأزمة في هذه السن المبكرة، ستشعر بأنك بحاجة إلى إعادة تحديد قيمك ومبادئك وجوانب الحياة التي تريدها لنفسك. ويمكن أن تستمر هذه العملية من عام إلى ثلاث سنوات وحتى إلى عشر سنوات وفقاً لمدى نضج الشخص ومعرفته الذاتية بنفسه ومشاعره، لذلك من المهم أن تدرك أنك تتحكم في الموقف ويمكنك إجراء تغييرات بما يرضيك حقاً.
التأني وأخذ الأمور بهدوء وحرص
ومفتاح الوصول إلى الجانب الآخر من هذه الفوضى هو من خلال العمل ببطء في إعادة بناء حياة أكثر انسجاماً مع قيمك واهتماماتك وتطلعاتك الجديدة.
وهذا هو السبب في أنه من المهم للغاية أن تأخذ بعض الوقت من الهدوء والتفكير العميق والتحليل والمناقشات مع المقربين والمختصين لتحديد ماهية هذه الأشياء وتوضيح الرؤية.
انتبه ألا تكون مصاباً برغبات تدمير ذاتية
من الضروري معرفة ما إذا كانت أعراض أزمة ربع العمر مصحوبة بأعراض الاكتئاب الحاد، وذلك لتجنُّب الوقوع في هوة لا نهاية لها من القرارات الخاطئة والرغبات التدميرية للذات.
ومن أجل خوض الأزمة بأقل خسائر ممكنة، يُنصح بتلقي العلاج النفسي اللازم والحصول على الدعم من الأهل والأصدقاء بما يسهّل عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى دون قرارات خاطئة لا يمكن الرجعة عنها.
ومع مرور الوقت، ستبدأ الأمور في الاستقرار مرة أخرى وستهدأ هذه المشاعر المضطربة، خاصةً إذا كنت تعمل على اجتياز هذه الفترة بأمان وبطريقة منظمة وواضحة.
الهدوء التدريجي إيذاناً بالخروج من أزمة ربع العمر
عندما تبدأ الأزمة بالمرور بسلاسة ودون مشكلات جذرية في حياة صاحبها، سيبدأ الشخص في تحمل المسؤولية وتتضح لديه الرؤية شيئاً فشيئاً، وستبدأ في الشعور براحة البال والسهولة في العيش، لأن جميع مجريات حياتك تمشي بناءً على ما قررته، سواء أعجبتك النتائج أم لا. وفي هذا النوع من السيطرة النسبية على مجريات الحياة باعث قوي للطمأنينة والاستقلالية
وتذكر دوماً أن هذه الفترة لن تستمر إلى الأبد، لذا لا داعي للذعر! كل ما عليك فعله هو التنفُّس بعُمق والتفكير ملياً قبل اتخاذ أي خطوة كبيرة.