في عام 1997 بثت محطة التلفزيون الصينية المركزية (CCTV) مسلسل الدراما التلفزيونية الكورية (What Is Love)، الذي احتل المرتبة الثانية في محتوى الفيديو الأجنبي داخل الصين في ذلك العام، نتيجة لذلك ظهر مصطلح "هاليو"، أو "الموجة الكورية" لأول مرة، والذي يشير إلى الهوس العالمي بالثقافة الكورية.
وفي عام 2003 في اليابان عندما تم بث المسلسل الدرامي التلفزيوني (Winter Sonata) عبر هيئة الإذاعة اليابانية أصبحت الدراما الكورية أكثر شهرةً في اليابان، حيث كانت جزيرة نامي اليابانية موقع تصوير المسلسل، وهو ما زاد الزيارات لها من قبل السياح اليابانيين.
وعلى مدار العقدين السابقين قاد انتشار "الموجة الكورية" مجموعات فتيان كورية وفرق فتيات تسمى "نجوم الآيدول" مثل فرق Big Bang وGirls 'Generation و Kara.
خلال هذه الفترة وسَّعت الموجة الكورية قاعدتها الجماهيرية إلى الساحة العالمية، بما في ذلك أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط في أوساط الشباب في سن المراهقة.
ومنذ عام 2010 توسَّع الجنون بالثقافة الكورية ليشمل الطعام والأدب واللغة، ما خلق المزيد والمزيد من المتحمِّسين لهذه الثقافة.
كما وصلت السينما الكورية إلى ذروة نجاحها عندما فاز فيلم Parasite بأربع جوائز في أوسكار عام 2020، والذي كان عاماً مليئاً بالأرقام فيما يخص الهاليو.
واعتباراً من عام 2020 بلغ إجمالي عدد الأعضاء الذين انضموا إلى المنظمات ذات الصلة بالهاليو في جميع البلدان حول العالم ما يقرب من 100 مليون شخص.
وتتكون الغالبية من هؤلاء الأشخاص من نوادي المعجبين بالكيبوب (موسيقى البوب الكوري)، مثل ARMY نادي المعجبين الرسمي لفرقة الغناء العالمية BTS، و BLINK نادي المعجبين الرسمي لـBLACK PINK. بالإضافة إلى ذلك تنشط المنظمات والنوادي أيضاً في مجالات أخرى مختلفة مثل الدراما الكورية والطعام والسياحة.
"الاقتصاد الثقافي" لكوريا الجنوبية
يعتبر الهاليو هو الاقتصاد الثقافي لكوريا الجنوبية، الذي يشمل الموسيقى والأفلام والدراما إلى الألعاب عبر الإنترنت والمطبخ الكوري على سبيل المثال لا الحصر. وتعدُّ كوريا الجنوبية واحدة من الدول الكبرى في العالم التي لديها هدفٌ لتصبح أكبر مُصدِّر ومورد لثقافتها الشعبية في العالم.
كان هذا الهدف طريقة كوريا الجنوبية لتطوير قوَّتها الناعمة عبر صورة فريدة خلقتها في أوساط الشباب حول العالم، ليس فقط للتأثير على طريقة تفكيرهم ورؤيتهم للثقافة الكورية التي أصبحوا معجبين بها كثيراً، بل أيضاً من أجل تعزيز الاقتصاد الكوري الذي شهد طفرات بعد الشهرة العالمية التي حازتها الثقافة الكورية.
كان تأثير الهاليو كبيراً، إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للهاليو في كوريا في عام 2004 حوالي 1.87 مليار دولار أمريكي، وفي عام 2019 حققت الموجة الكورية ما يُقدر بنحو 12.3 مليار دولار أمريكي، أي أنّ الزيادة خلال 15 عاماً كانت بحوالي 11 مليار دولار.
جذور القصة وسبب ظهور الهاليو
في عامي 1997 و1998 واجهت بعض الدول الآسيوية أزمةً ماليةً عصفت باقتصاداتهم، وكان الأكثر تضرراً من بين تلك الدول هي دول جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية. ولمواجهة العجز حصلت الحكومة الكورية على قرض بقيمة 97 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
انتهى الأمر بصرف 19.5 مليار دولار فقط، وتم سداد القرض في عام 2001 قبل ثلاث سنوات من الموعد المحدد، إذ سعت كوريا لتطبيق جميع الإجراءات الممكنة لسداد القرض والعودة إلى المسار الصحيح في وقتٍ قياسي، إلا أن ذلك ترك كوريا أمام مشكلة خطيرة.
أدى هذا السداد السريع للقرض لضعف واهتراء الاقتصاد الكوري، ما جعل الاقتصاد الكوري يبدو في حالةٍ سيئة في أعين المستثمرين، لذلك فقدت البلاد العديد من الاستثمارات الأجنبية وافتقرت إلى السياحة وواجهت شكوكاً عالمية بالقدرة على التعافي الاقتصادي، ولحلّ هذه المشكلة عمل الرئيس كيم داي جونج لاستهداف المستثمرين العالميين.
من أجل ذلك استهدف جونج قطاعين رئيسيين: تكنولوجيا المعلومات، والثقافة الشعبية باعتبارهما المحرِّكين الرئيسيين لكوريا المستقبلية، إذ ستخلق التكنولوجيا صناعاتٍ جديدة بجانب التصنيع التقليدي الذي كانت كوريا تعتمد عليه منذ أن خرجت من الأزمة المالية، كما أن الثقافة الشعبية لن تغيِّر من صورة كوريا وإعادة تقديمها على المسرح العالمي فقط، بل ستكون الثقافة الكورية بمثابة منتَج تصديري مهم سيعود بمليارات الدولارات على كوريا، وهو ما شكَّل ما أصبح عليه الهاليو اليوم.
وبالتكامل بين القطاع التقني في كوريا والهاليو أصبح هناك شبكة كاملة من المنتجات الكورية التي أصبحت تُشكِّل عصب الثقافة الشعبية الكورية، فمن أجهزة سامسونغ وLG عالية الجودة إلى سيارات هيونداي وكيا اللتين تحتلان مكانة وسوقاً عالمياً كبيراً، ووصولاً إلى شركة Amore Pacific المتخصصة في مستحضرات التجميل وواحدة من أكبر 10 شركات تجميل عالمية؛ أصبحت كل تلك الشركات ومنتجاتها تمثل سبب زيادة هوس الشباب حول العالم بالثقافة الكورية المعاصرة.
صعود ثقافة هاليو ومعها صعود الاقتصاد
في وزارة الثقافة المسؤولة عن الثقافة والرياضة والسياحة في كوريا يركز قسم "صناعة الثقافة الشعبية" على موسيقى البوب الكورية (الكيبوب)، والأزياء، والترفيه الجماعي، والكتب المصورة، والرسوم المتحركة، وغيرها من المنتجات الرئيسية للقسم، ويُشار إلى القسم باسم مكتب المحتوى الثقافي.
وتبلغ ميزانية الوزارة 5.5 مليار دولار بهدف تعزيز النمو الاقتصادي. وبالإضافة إلى ذلك ترعى الحكومة الكورية 20-30% من الهاليو من خلال صندوق استثماري قيمته مليار دولار مُخصَّص لرعاية وتصدير الثقافة الكورية الشعبية، وتأتي الأموال المتبقية من البنوك الاستثمارية والشركات الخاصة التي تستهدف إنتاج محتوى ثقافي كوري يعزز هوية "كوريا الحداثية".
كانت الحكومة الكورية أيضاً نشطة للغاية في إدارة هاليو خارج كوريا، فمنذ أغسطس/آب 2020، أنشأت دائرة الثقافة والمعلومات الكورية 32 مركزاً ثقافياً كورياً في 28 دولة في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا للترويج لهاليو، من خلال إجراء مهرجانات ثقافية مختلفة في هذه البلاد.
ولا يتوقف دور هذه المراكز حول الترويج لهاليو فقط، بل إن إحدى أهم استراتيجيات هذه المراكز هي الدراسة المتأنية للجمهور المستهدف، إذ تتابع الحكومة الكورية هذه الدول عن كثب لفهم أي منتجات الموجة الكورية سيكون لها أفضل احتمالية للنجاح في هذه الأسواق المختلفة، وبذلك أصبحت كوريا أفضل من يفهم هذه الأسواق.
كما أنشأت الحكومة الكورية أيضاً "وادي الثقافة الكورية" في مدينة جويانج، وهي حديقة ترفيهية مستوحاة من منتجات الهاليو التي تضم كل شيء خاص بثقافة الهاليو من استوديوهات الأفلام والمطاعم الكورية والحفلات الموسيقية الحية، إلى صالات السينما والفنادق ومراكز التسوق التي تبيع سلع المشاهير الكورية، بجانب مدينة ملاهٍ كورية بتكلفة 1.2 مليار دولار.
ومن المتوقع أن يجلب وادي الثقافة الكورية إيرادات بنحو 7.3 مليار دولار، و5 ملايين سائح سنوياً، حيث كان الغرض من هذه الحديقة الترفيهية هو وضع جميع مكونات هاليو المثيرة للاهتمام في مكانٍ واحد للسياح والزوّار.
وقد وجدت دراسة من إعداد منظمة السياحة الكورية في عام 2019، أنّ السياحة المرتبطة بهاليو شكلت 55.3% من إجمالي السياحة الوافدة. ففي عام 2019 جنت كوريا 21.5 مليار دولار من السياحة، وجذبت 17.5 مليون سائح، ووجدت الدراسة أن السبب في هذا الازدهار هو زيادة شعبية الهاليو، خاصة ثقافة المطبخ الكوري.
ومع نمو السياحة في كوريا بمعدل سنوي يبلغ 3.3%، تخطط الحكومة الكورية لزيادة عائدات السياحة إلى 35 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، معتمدة في ذلك على زيادة انتشار الهاليو حول العالم.
وقد ساهمت هاليو في خلق صورة جديدة ومختلفة عما كانت عليه كوريا في تسعينيات القرن الماضي، كما كانت أحد أعمدة النهضة الكورية الحديثة التي لا تلعب دوراً في الاقتصاد الكوري وحسب، بل أيضاً تؤثّر على ثقافة الملايين من الشباب حول العالم، وتجعل منهم سفراء يروِّجون -عبر الحديث عن الهاليو- للثقافة الكورية، ويعملون على زيادة شعبيتها في العالم، وهو ما يزيد بالتبعية مكاسب كوريا الاقتصادية.