كشف تحليل جمجمة ضخمة، محفوظة ومخفية في بئر صينية منذ ما يقرب من 90 عاماً، عن نوع جديد من البشر القدامى لم يكن معروفاً سابقاً، الأمر الذي قد يغير وجهات النظر السائدة حول كيفية تطور الجنس البشري، طبقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، الجمعة 25 يونيو/حزيران 2021.
حيث اعتبر باحثون صينيون أن هذه الحفرية الاستثنائية تنتمي إلى نوع بشري جديد أطلقوا عليه "هومو لونغي" أو "رجل التنين".
أحد أهم الاكتشافات
من جهته، قال البروفيسور كريس سترينجر، رئيس الأبحاث في متحف التاريخ الطبيعي في لندن، الذي شارك في هذا المشروع: "أعتقد أن هذه الجمجمة أحد أهم الاكتشافات خلال الخمسين عاماً الماضية، فهي أحفورة محفوظة بشكل رائع".
فيما يبدو لهذه الجمجمة قصة مميزة؛ إذ يعتقد الباحثون أن مَن عثر عليها في الأصل مجموعة عمال صينيين كانوا يشيدون جسراً فوق نهر سونغهوا في مدينة هاربين، في مقاطعة هيلونغجيانغ الواقعة في أقصى شمال الصين، خلال الاحتلال الياباني عام 1933. ولحماية الجمجمة من الوقوع في أيدي اليابانيين، تم لفها وإخفاؤها في بئر مهجورة، ولم تظهر إلا عام 2018 بعد أن أخبر الرجل الذي أخفاها حفيده بأمرها قبل وفاته بوقت قصير.
من أجل تحديد متى استقرت الجمجمة في مدينة هاربين، اعتمد فريق دولي، بقيادة البروفيسور تشيانغ جي في جامعة هيبي جيو الصينية، على تقنيات جيوكيميائية، وأرجعوا تاريخ العظام إلى 146 ألف عام على الأقل.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الجمجمة تمتلك مزيجاً فريداً من السمات البدائية والحديثة، خاصة أن الوجه، تحديداً، أكثر شبهاً بالإنسان البدائي، بالإضافة إلى أنها تضم ضرساً واحداً ضخماً.
والجمجمة، التي يبلغ طولها 23 سم وعرضها أكثر من 15 سم، أكبر بكثير من جمجمة الإنسان الحديث وبها حيز متسع، يبلغ 1420 مل، مقارنة بالدماغ البشري الحديث. ويضم الوجه، تحت القوس الحاجبية السميكة، تجويفين مربعين كبيرين، لكنه هش رغم حجمه الكبير. يقول سترينجر: "كان لهذا الرجل رأس ضخم".
بنية "رجل التنين"
في هذا الإطار، يرى الباحثون أن هذه الجمجمة تخص ذكراً يبلغ من العمر حوالي 50 عاماً يتمتع ببنية جسدية مذهلة. إذ كان أنفه العريض المنتفخ يمكّنه من استنشاق كميات هائلة من الهواء، وهو ما يشير إلى نمط حياة غني بالحركة والطاقة، في حين أن حجمه الهائل كان يساعده على تحمل البرد القارس في المنطقة.
بدوره، أشار البروفيسور شيجون ني، عالم الأنثروبولوجيا القديمة في جامعة هيبي، إلى أن بنية "رجل التنين" ضخمة وقوية، ومن الصعب تقدير طوله، لكن الرأس الضخم يُفترض أن يتطابق مع طول أعلى من متوسط طول الإنسان الحديث.
في حين أدخل العلماء بيانات من هذه الحفرية و95 جمجمة أخرى في برنامج يحدد الأصول الأكثر ترجيحاً لهذه الجماجم. ونظراً لدهشتهم، شكّلت تلك الجمجمة، وعدد آخر من الجماجم الصينية، نوعاً جديداً أقرب إلى الإنسان الحديث من إنسان نياندرتال، الذي يُعرف بـ"الإنسان البدائي" الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى.
10 أنواع مختلفة من أشباه البشر
كما يرى الباحثون الصينيون أن جمجمة هاربين مختلفة بدرجة كافية تجعلها من نوع مختلف من البشر لم يكُن معروفاً من قبل.
إلا أن البروفيسور كريس سترينجر ليس مقتنعاً بما ذهب إليه الباحثون الصينيون؛ فهو يعتقد أن هذه الجمجمة شبيهة بالجمجمة التي عُثر عليها في مقاطعة دالي في الصين عام 1978.
من جهته، ذكر مارك ماسلين، أستاذ علوم نظام الأرض في كلية لندن الجامعية UCL ومؤلف كتاب The Cradle of Humanity: "جمجمة هاربين البشرية القديمة توفر لنا أدلة جديدة على أن التطور البشري لم يكُن شجرة تطورية بسيطة بل كثيفة متشابكة. ونعلم الآن أنه كان يوجد ما يصل إلى 10 أنواع مختلفة من أشباه البشر في نفس الوقت الذي ظهر فيه نوعنا".
ماسلين أضاف: "يظهر التحليل الجيني أن هذه الأنواع تفاعلت وتزاوجت، وجيناتنا تحتوي على إرث العديد من هذه الأنواع الغامضة. لكن ما يدعو للتأمل هو أنه رغم كل هذا التنوع، ظهرت نسخة جديدة من الإنسان العاقل في إفريقيا منذ حوالي 60 ألف عام تفوقت بشكل واضح على هذه الأنواع الأخرى المرتبطة بها، ما تسبب في انقراضها".