تعد نوبات الفزع من أكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً بين البالغين، بحسب الرابطة الأمريكية للطب النفسي، ويعاني منه حوالي 40 مليون إنسان في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. يمكن أن يصيب اضطراب القلق أي إنسان، فلا فرق بين غني وفقير. فنجد العديد من الأغنياء والمشاهير يعانون منه رغم شهرتهم الواسعة وثروتهم الكبيرة.
مؤخراً، أعلنت عارضة الأزياء الأمريكية كيندال جينير في حديثها مع مجلة Vogue، أنها لطالما عانت من اضطراب القلق ونوبات الفزع منذ كانت في العاشرة من عمرها ولكنها لم تنتبه لذلك إلا عندما أدركت أعراضه. تقول جينير إنها إنسان رغم كل شيء، وإن ثروتها الهائلة والحياة المترفة التي تعيشها وامتلاكها لجسد يعتبره الكثيرون مثالياً وجذاباً للغاية لم يضمن لها راحة البال والسعادة كل الوقت. على العكس، فقد كانت تشعر في أحيانٍ كثيرة أنها تعاني من ألم جسدي كبير وانقطاع في التنفس للحد الذي تظن معه أنها بحاجة للذهاب للمشفى بشكل عاجل. إلا أنها علمت فيما بعد أنه ما كانت تعاني منه هي الأعراض الشهيرة لنوبات الفزع.
ما الفرق بين القلق الطبيعي واضطراب القلق؟
القلق شعور طبيعي ومفيد للإنسان، يحذره من المواقف الخطر ويساعده على تجنبها أو الاستعداد لها على أقل تقدير. قد يقلق الإنسان مما يحمله له المستقبل، وقد يصاحبه تشنج في العضلات. وكذلك الخوف، فهو رد طبيعي يبديه الإنسان في مواقف الخطر المباشرة سواء كان في موقف هجوم أو هرب على سبيل المثال.
أما اضطراب القلق فيختلف عن مشاعر القلق والتوتر والخوف العادية والتي لا تعيق حياة الإنسان الطبيعية؛ لأنه اضطراب نفسي يعيق الإنسان عن أداء مهامه اليومية بأريحية. فترى الشخص الذي يعاني منه يتجنب كل المواقف التي تثير لديه هذه المشاعر ويفقد قدرته على مواجهة المواقف اليومية العادية في العمل والدراسة وحتى بين أصدقائه وعائلته. يعد اضطراب الوساوس القهري واضطراب الهلع (أو ما يعرف بنوبات الفزع) من أكثر أنواع اضطرابات القلق انتشاراً. ولكن، اضطراب القلق له علاجات كثيرة فعالة تساعد من يعاني منه على تخطيه ومواصلة حياته بشكل طبيعي تماماً.
أنواع اضطرابات القلق
اضطراب القلق له عدة أنواع وأنماط تختلف شدة أعراضها من نوع لآخر ومن شخص لآخر:
1. اضطراب القلق العام (Generalized Anxiety Disorder)
هو شعور ملازم ومبالغ فيه بالقلق تجاه مهام يومية عادية، ويصاحب هذا القلق والتوتر بعض الأعراض الجسدية كالأرق وعدم الراحة وسرعة الإرهاق من أقل المهام، والصعوبة في التركيز، والانفعال السريع، وصعوبة السيطرة على مشاعر القلق.
2. اضطراب الوساوس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder)
وفقاً لوزارة الصحة الأمريكية، فإن اضطراب الوسواس القهري هو نوع من أنواع اضطراب القلق. يعاني معه صاحبه من أفكار متكررة وغير مرغوب فيها لدرجة تحولها لوساوس أو سلوكيات متكررة تصدر منه دون أن يكون واعياً عليها. أشهر هذه السلوكيات المتكررة هي غسل اليدين باستمرار نتيجة الخوف المستمر من عدم النظافة أو من العدوى، أو التحقق المتكرر من إغلاق الأبواب ونار موقد الغاز والفرن، أو التنظيف المستمر للأسطح على أمل منع الأفكار الوسواسية أو التخلص منها. ومع ذلك، فإن أداء هذه المهام بشكل مستمر، لدرجة أنها تصبح طقوساً فيما بعد، توفر راحة مؤقتة فقط. كما يزيد عدم القيام بها القلق بشكل ملحوظ.
3. اضطراب الهلع (Panic Disorder)
يعتبر العرض الأكثر شيوعاً عند من يعانون من اضطراب الهلع هي نوبات الفزع (panic attacks) المفاجئة والمتكررة وتستمر نوبة الفزع لدقائق معدودة تصيب الإنسان بسبب موقف أو شيء يستثير لدى الشخص مشاعر كثيفة من الفزع والخوف. يصاحب نوبات الفزع العديد من الأعراض الجسدية التي قد تكون خطرة في بعض الأحيان مثل: تسارع نبضات القلب وخفقانه المضطرب، التعرق، الدوار أو الإغماء، ارتجاف الجسم أو ارتعاشه، الاختناق وضيق التنفس، شعور بالغثيان وآلام بالبطن، والخوف من فقدان السيطرة.
كل هذه الأعراض تشعر الشخص بأنه تعرض لأزمة قلبية وأنه سيموت مما قد يزيد حدة نوبة الفزع. وفي العادة، الأشخاص الذين يعانون من نوبات الفزع يقلقون حيال المرة القادمة التي قد تصيبهم فيها نوبة الفزع وكيف يتعاملون معها ولهذا يعمدون إلى تجنب المواقف اليومية أو الأشياء التي تؤجج لديهم مثل هذه النوبات. وقد يتطور هذا القلق نفسه، أي القلق من الإصابة بنوبة فزع أخرى، إلى نوع أخر من الاضطراب النفسي وهو رهاب الأماكن العامة (agoraphobia).
4. اضطرابات الرهاب أو الفوبيا (Phobia-related Disorders)
الرهاب أو الفوبيا هو الخوف المفرط والمستمر من شيء أو موقف أو نشاط معين غير ضار بشكل عام كالخوف من الطائرات والعناكب والمرتفعات. في العادة، يعرف المرضى أن خوفهم مفرط، لكنهم لا يستطيعون التغلب عليه. تسبب هذه المخاوف هماً وقلقاً عميقاً لدي أصحابها إلى الحد الذي يدفعهم لفعل كل شيء لتجنب ما يخشونه يصل إلى حد التطرف.
5. الرهاب الاجتماعي (Social Anxiety Disorder)
يخاف الشخص صاحب الرهاب الاجتماعي من الاختلاط بالناس لقلقه الشديد من الإحراج، الرفض ممن حوله، الإهانة، والازدراء. كما يخاف من يعانون من هذا الاضطراب من التصرف على طبيعتهم أمام الناس خوفاً من أن يسهينوا بهم ويحكموا عليهم، وقد يُهيأ لهم أن من حولهم يسيئون لهم رغم أنهم لا يفعلون. تقول الدكتورة النفسية راماني دورفاسولا إن الاضطراب النفسي هنا يكون كعدسة مكبرة في مخيلة الإنسان تكبر كل شيء سلبي حتى تجعله مشكلة كبيرة مستعصية الحل. الأمثلة الأكثر شهرة للرهاب الاجتماعي هي الخوف الشديد من التحدث أمام جمهور من الناس، مقابلة أشخاص جدد، وتناول الطعام في الأماكن العامة.
6. رهاب الأماكن العامة (Agoraphobia)
من يعانون من هذا الاضطراب يخافون بشكل كبير من ركوب المواصلات العامة، التواجد في المساحات والأماكن المفتوحة وكذلك المغلقة، الانتظار في طابور طويل أو أن يعلقوا في زحام شديد، والخروج وحدهم من المنزل. السبب وراء خوفهم من هذه المواقف هو قلقهم من صعوبة بل واستحالة قدرتهم على الهرب إذا ما باغتتهم نوبة فزع ما سيحرجهم أمام الناس. وقد تتطور هذه المخاوف لتتحكم في صاحبها لدرجة لا يستطيع التحكم بها.
7. اضطراب قلق الانفصال (Separation Anxiety Disorder)
ينتشر هذا الاضطراب لدى الأطفال ومن الممكن أن تستمر الأعراض حتى البلوغ، ويتمثل في خوفهم الشديد من الانفصال عمن يحبون ويرتبطون بهم أو الخوف المتزايد وغير المبرر من أن يصيبهم مكروه فيفقدوهم. أعراض هذا الاضطراب هو القلق المتزايد من البعد عمن نحب بشكل يفوق ما يتطلبه الموقف، ورفض النوم في غرفة مختلفة أو خارج المنزل، ورفض الخروج من المنزل حتى لا يفارق من يرتبط به كأمه مثلا، وقد يرى كوابيس حول الانفصال في منامه.
نصائح تفيدك في التعامل مع والتحكم في اضطراب القلق
ينصح العديد من الأطباء والمعالجين النفسيين الناس بتثقيف أنفسهم حول نوع اضطراب القلق الذي يعانون منه حتى يتمكنوا من التعامل معه مواجهته فلا يتحكم في حياتهم. نذكر لكم هنا بعض النصائح التي قد تساعدكم:
1. قلل من المشروبات والأطعمة التي تحتوي على الكافيين كالشوكولاتة والقهوة والشاي والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة.
2. حافظ على نظام حياة صحي تمارس فيه الرياضة بانتظام وتأكل فيه بشكل صحي
3. خذ قسطك الكافي من النوم، فأغلب الاضطرابات النفسية تصاحب قلة النوم والعكس. لهذا اجعل راحتك ونومك أولوية.
4. انتبه لأفكارك السلبية وتحكم بها. قد يساعدك أصدقاؤك المقربون في تحليل أفكارك وتفكيكها حتى لا تظل أسيراً لرؤيتك السلبية للأمور.
5. اطلب المساعدة من مختص إذا تطلب الأمر وتذكر أن الحاجة للمساعدة لتجاوز ومعالجة هذه الاضطرابات لا يدعو شيء فيها للحرج.