قد تجدين في إحدى الأمسيات أثناء مساعدة طفلك في الاستعداد للنوم أنه قد بدأ من حيث لا تدرين في الشعور بالخوف والارتباك من البقاء في مكان مظلم، ثم ما يلبث أن يطلب منكِ ترك النور مضاءً بجواره لكي يتمكن من النوم بأمان.
هذا الخوف الفجائي من الظلام يُعد أمراً طبيعياً تماماً لدى الأطفال الصغار، وهو يبدأ في وقت لاحق من طفولتهم المبكرة، ويكون مع اقترابهم من عمر ما قبل دخول المدرسة.
وفي العادة، يطلب بعض الأطفال في هذه المرحلة وجود أحد الوالدين بجوارهم أثناء دخولهم في النوم وإلا ظلوا مستيقظين طوال الليل، ما قد يجعلها تجربة مُرهقة للآباء والطفل على حدٍّ سواء.
الخوف من الظلام شائع بين أطفال العالم
الملايين من الأطفال حول العالم مقتنعون أن هناك شيئاً ما يتربص بهم في الظلام، وفي انتظار التهامهم فور أن يكونوا وحدهم في العتمة.
ويوضح الخبراء وفقاً لموقع Web MD الطبي بعض النظريات حول مصدر الخوف من الظلام الذي يبدأ في الظهور لدى الأطفال، لافتين أن الخوف جزء طبيعي من الحياة بالنسبة لنا جميعاً، بما في ذلك الصغار على وجه الخصوص.
إذ تميل تلك المخاوف إلى البدء عند تجربة شيء جديد، وبالنسبة للأطفال الصغار يحدث هذا كل يوم تقريباً.
أسباب خوف الأطفال من الظلام
تقول المعالجة النفسية جين بيرمان للموقع الطبي: "يميل الخوف من الظلام إلى التطور، في الوقت الذي يكبر فيه الأطفال بما يكفي لتكون لديهم قدرة على التخيُّل".
لافتة إلى أن الخوف من الظلام ينتشر عادة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وثلاثة أعوام، أي عندما يبلغون من العمر ما يكفي للتخيل، ولكنه العمر الذي يفتقر إلى الحكمة اللازمة لتمييز الخيال عن الواقع.
علاوة على ذلك، يبدأ شعور الطفل بالخوف في أوقات الفراغ التي يجلسون فيها من دون أي عوامل إلهاء تشغل عقولهم، ومثال ذلك الدقائق الطويلة قبل دخول الطفل في النوم. وبالتالي حينها يمكن بسهولة أن يصبح الظل الموجود في الزاوية المظلمة من غرفة نوم الطفل وحشاً بعدة رؤوس يريد أن يلتهمه.
ولهذا يتحول الطفل الذي يبدو أنه متكيف وطبيعي جداً أثناء النهار إلى طفل خائف ويعاني من القلق الشديد في الليل.
وكآباء وبالغين، نحن نعلم أنه لا يوجد شيء كامن في الظلام يتربص بنا، لكن الأطفال يتعاملون مع الواقع بشكل مختلف تماماً عن الطريقة التي نتعامل بها.
وقد يكون من الصعب للغاية تحديد أصل هذا الخوف ومحفّزاته. فهو ربما كان شيئاً ما تم مشاهدته على التلفزيون، أو تعليقاً أدلى به طفل أو شخص بالغ آخر، أو حلماً سيئاً لا يستطيعون تمييزه عن الواقع، أو في حالات أخرى ربما تسببت الأحداث العاطفية المهمة والمؤثرة في بدء خوفهم من الظلام.
الأطفال الصغار أيضاً قادرون على خلق روابط بين الأمور المختلفة، فمثلاً قد يفترض طفلك الصغير أن الوحش المختبئ في غرفة نوم الفتاة، في تلك القصة التي تقرأها له قبل النوم، يمكن أن يظهر في غرفته أيضاً، أو إذا كان أحد أشقائه أو أصدقائه خائفاً من الظلام، فقد يقرر طفلك الصغير أن هذا سبب كاف ليخاف من الظلام هو الآخر، بحسب Web MD.
كما أن التغيّرات القوية في بيئة الطفل، مثل الانتقال إلى منزل جديد، أو حصوله على شقيق جديد، يمكن أن تجعل الطفل يشعر بعدم الأمان والخوف، وركن الغرفة المظلم قبل النوم هو مادة مثالية لتحفيز مثل هذا الخوف.
طريقة التعامل المثلى مع خوف الطفل من الظلام
يوضح موقع What To Expect التربوي أن هناك عدداً من القواعد التي يجب على الآباء اتباعها لكي يتمكن الطفل من تجاوز خوفه من الظلام، أو على الأقل تقليل حدّة الموضوع إلى حين زواله بشكل طبيعي أثناء نموه، وتشمل الخطوات التالية:
1- الإقرار بخوف الطفل، رغم أن الخوف من الظلام قد يبدو غير منطقي بالنسبة لك، فإنه حقيقي جداً للطفل، لذا فإن تجاهله لن يجعله يختفي، في الواقع يمكن أن يؤدي التجاهل أو الاستهزاء والتخفيف من معاناة الطفل إلى تضخيم المشكلة وتفاقمها، بدلاً من ذلك قل للطفل "أخبرني ما الذي يخيفك؟" ودعه يعبّر عن نفسه دون إنكار مشاعره، وكن مُطمئِناً له وقُل "سأكون قريباً إذا كنت بحاجة إليّ"، دون أن تسبب الكثير من الخوف أو تبالغ في الاهتمام أيضاً.
2- لا تبالغ في الاستجابة، عندما يناديك طفلك في منتصف الليل لا تصطحبه لينام بجوارك، ولمساعدته في التغلب على مخاوفه دعه يبقى في سريره الخاص، وحاول تهدئته وهو لا يزال في الظلام. وإذا كان طفلك الصغير لا يستطيع العودة إلى النوم من دونك فمن الأفضل لك أن تنام في غرفته بدلاً من أن ينام هو في غرفتك. وحاول فقط تجنب النوم في نفس الغرفة لأكثر من ليلة واحدة على التوالي، لأن ذلك قد يشجع طفلك على الاعتماد عليك في خلوده للنوم.
3- اللعب في الظلام، حاول إنشاء روابط ممتعة للطفل مع الظلام من خلال ألعاب البحث عن الكنز، بحثاً عن الأشياء المتوهجة في الظلام مثلاً، أو اللعب بابتكار الشخصيات باستخدام الظلال في غرفة مظلمة.
4- تمارين الاسترخاء. قبل النوم، أغمضوا عينيكم معاً في الظلام وتخيلوا مشهداً مريحاً، مثل اللعب على الشاطئ أو زيارة حديقة وممارسة نشاط الطفل المحبب إليه.
5- اترك القليل من الضوء مضاء، يمكن للضوء الليلي الخافت أن يختصر شوطاً طويلاً في التخلص من مخاوف الطفل تجاه الظلام. مع مراعاة اختيار ضوء واحد لا يتجاوز سطوعه من 4 إلى 7 وات، وتأكد من استخدام لمبة إضاءة طبيعية صفراء أو كهرمانية اللون، وتجنب المصابيح ذات اللون الأبيض أو الأزرق، لعدم التأثير على جودة نومه. أو ضع في اعتبارك ترك باب غرفة الطفل مفتوحاً قليلاً مع إضاءة الردهة، إذ قد يشعر بالراحة بوجود هذا النوع من "الوَنَس" .
6- طمأنة الطفل، أخبِر طفلك الصغير أنك بالقرب منه، وقم بإلقاء نظرة عليه كل 5 إلى 10 دقائق حتى يغفو تماماً؛ لكي يشعر بالأمان وهو نائم في الظلام.
7- استجب لخيال الطفل. إذا كان الطفل مقتنعاً بوجود وحش في خزانة ملابسه، أو اختباء حيوان مفترس تحت فراشة، فقوما بالبحث عنه معاً لتبديد مخاوفه. يمكنك أيضاً تعيين لعبة مفضلة لحراسة الطفل، كما يمكنك أيضاً تسليحه بمصباح يدوي أو عصا سحرية، وتخيلا معاً أنها قادرة على طرد الوحوش من الظلام.
8- الإطراء على شجاعته، قم بعمل بادرة كبيرة للطفل عندما يواجه مخاوفه مهما كانت الخطوة التي فعلها صغيرة.
وقد ترغب أيضاً في إنشاء جدول من لاصقات النجوم وعلّقه في مكان مرئي لمكافأة طفلك عند شجاعته ونومه بمفرده في سريره مع إطفاء الأنوار طوال الليل. كما قد يكون هناك احتفال صغير أو مكافأة بقطعة حلوى صحية لكي يشعر الطفل بالتحفيز.
هل هناك طريقة لتجنّب وقوع المشكلة؟
لحماية طفلك من مشكلة الخوف من الظلام، احذر تماماً أن يشاهد البرامج التلفزيونية والأفلام والكتب المخيفة له. وكذلك تجنب التهديدات والتخويفات التي قد تؤثر على الطفل وتخيفه، مثل استخدام الأشقاء الأكبر له قصص العفاريت لكي يثيروا خوفه، وفقاً لموقع What To Expect.
وأهم شيء هو عدم الاستخفاف بخوف الطفل من الظلام أو التعامل معه بالمنطق، لأنك إذا أخبرته أنه لا أساس لهذه المخاوف سيعتقد أنك لا تفهم ما يعاني منه ولن يمكنك حمايته.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المضايقة والاستخفاف لن تقوم سوى بتقويض احترام الطفل لذاته وتقلل ثقته في نفسه. وبدلاً من ذلك، طمئِن طفلك وأخبره أنه آمن وأنك بقربه، وأنه شجاع للغاية ويستطيع أن يكون قوياً، حتى في الظلام.