يمكن أن تساعدك قدراتك في الحديث على الملأ وتوصيل فكرتك، في تحسين حياتك المهنية والعلمية وزيادة فرصك، كما يمكن أن تساهم في تناول القضايا التي تهمك مع أشخاص يحملون الاهتمامات نفسها ما يعود بالنفع عليك وعلى المجتمع.
ولكن الحديث أمام الجمهور يتطلب قدراً لا بأس به من الشجاعة والجرأة، وهو ما لا يتوافر بالضرورة لدى الجميع، إذ يعاني نحو 75% من الناس رهاب الحديث أمام الجمهور، وفقاً لمجلة Psycom للصحة النفسية.
ولا يُعد رهاب الحديث أمام الجمهور أو Glossophobia مرضاً خطيراً أو حالة مزمنة، لكنه المصطلح الطبي لحالة الخوف الشديدة من التحدث على الملأ أو أمام الجمهور، والتي تعادل في حدتها خوف الشخص من الموت أو أي خطر يهدد سلامته وحياته.
أعراض الإصابة بالاضطراب
يعاني المصاب برهاب الحديث أمام الجمهور من مشاعر قوية بالخوف والانزعاج والقلق، تصاحبها أعراض جسدية مثل الارتعاش الخارج عن السيطرة، والتعرق وجفاف الحلق، وسرعة ضربات القلب وأحياناً الإعياء والدوار الذي قد يتطور إلى الإغماء.
ويحدث ذلك نتيجة اعتقاد الدماغ أن الشخص يتعرض لخطر يهدد حياته. وعندما نتعرض للتهديد يحفز الدماغ إفراز الأدرينالين والمنشطات؛ للمساعدة على الهروب من الموقف أو للدخول في عراك، فيما يُعرف برد فعل Fight or Flight.
ويؤدي إفراز الأدرينالين المفرط هذا إلى زيادة مستويات السكر في الدم أو مستويات الطاقة، كما يرتفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، مما يؤدي إلى تدفق مزيد من الدم إلى العضلات.
ويصاحب تلك الأعراض عند الحديث أمام الجمهور، احمرار الوجه وتصلُّب العضلات وتسارع الأنفاس والشعور بالغثيان والرغبة الشديدة في الخروج من الغرفة أو الابتعاد عن الموقف الذي يسبب لك هذا النوع من التوتر مهما كلف الأمر.
ورهاب الحديث أمام الجمهور هو أحد أنواع اضطرابات الرهاب الاجتماعي، إذ يفوق اضطرابات القلق أو العصبية العرضية المعتادة؛ وذلك لأنه يتسبب بمخاوف قوية لا تتناسب مع ما تمر به أو تفكر فيه.
وغالباً ما تزداد اضطرابات القلق سوءاً بمرور الوقت وتراكم الخبرات السلبية، ويمكن أن تصل إلى درجة تتداخل مع القدرة على أداء العمل أو تسبب النظرة الدونية للذات وعدم تقدير النفس.
أسباب الإصابة بهذا النوع من الاضطرابات
توضح مجلة Healthline الصحية أن الوصول إلى جذور المخاوف وأسبابها يساعد بشكل محوري في علاج المشكلة.
1- تجربة سلبية سابقة:
أحد الأسباب الأشهر لدى المصابين بالخوف من التحدث أمام الجمهور أن يتم الحكم عليهم أو إحراجهم أو رفضهم؛ وذلك بسبب المرور بتجربة سلبية سابقة، مثل التقديم أمام زملاء الفصل دون استعداد مسبق لذلك.
وعلى الرغم من أن الرهاب الاجتماعي غالباً ما ينتشر في العائلات كسلوك متوارث، فإن العلم لم يتمكن حتى اليوم من معرفة سبب هذا التوارث.
ولا يرتبط الخوف من التحدث أمام الجمهور بجودة أو محتوى الخطاب بقدر ما يتعلق بكيفية شعور المتحدث أو تفكيره أو تصرفه عندما يبدأ التحدث في الأماكن العامة وفقاً لخبراته السابقة حول الموضوع.
2- أسباب فسيولوجية:
الخوف والقلق ينطويان على إثارة للجهاز العصبي اللاإرادي، استجابةً لمحفز قد يكون مهدداً للحياة، وتؤدي هذه الاستثارة المفرطة إلى الشعور بالخوف.
وتقترح الأبحاث، وفقاً لموقع Psychology Today للصحة النفسية، أن هناك أشخاصاً يعانون عموماً من قلقٍ أعلى عبر المواقف المختلفة، وبالتالي يكونون أكثر عرضة للشعور بالقلق من التحدث في الأماكن العامة أيضاً.
وعلاوة على ذلك، يعاني بعض الأشخاص مما يسميه الباحثون بحساسية القلق، أو الخوف من الخوف. وتعني حساسية القلق أنه إضافة إلى القلق بشأن التحدث أمام الجمهور، فإن الناس قلقون بشأن قلقهم من التحدث أمام الجمهور وكيف سيؤثر قلقهم على قدرتهم على الأداء في المواقف الصعبة.
لذلك، إلى جانب القلق بشأن ما إذا كانوا سيحققون أهدافهم عند الحديث، يشعر الأشخاص الذين يعانون من حساسية عالية للقلق، بالقلق أيضاً من أنهم سيكونون قلقين للغاية أمام الجمهور، ويشعرون بالذعر من الظهور كمتحدثين سيئين.
وفي دراسة أجراها المعهد الوطني للصحة العقلية بأمريكا، اتضح أن أدمغة الأشخاص الذين يعانون من القلق والرهاب الاجتماعي بأنواعه لديهم رد فعل أقوى عند قراءة أي تعليق سلبي موجه لهم.
لذلك قد يرجع رهاب الحديث للجمهور إلى أسباب فسيولوجية بحتة، بسبب تركيب الدماغ وحساسيته تجاه المحفزات المختلفة.
3- نمط التفكير وقلة الخبرة:
غالباً ما ينشأ الخوف عندما يبالغ الناس في تقدير مخاطر إيصال أفكارهم للآخرين، معتبرين الحدث تهديداً محتملاً لمصداقيتهم مثلاً، أو مستقبلهم الدراسي أو المهني.
ويمكن لوتيرة الأفكار السلبية المتتابعة مثل: أنا لست جيداً في التحدث أمام الحشود، أنا لست متحدثاً ذكياً، أنا ممل، سيكرهني الجميع وغيرها، أن تثير القلق لديك وتزيد من خوفك من التحدث في الأماكن العامة.
ويوضح موقع Very Well Mind المعرفي أنه لعلاج ذلك ينبغي الحديث تدريجياً أمام الآخرين، بداية بالحديث لعائلتك المجتمعة في مكان واحد، يليهم أصدقاؤك المقربون، ثم زملاؤك في الدراسة أو العمل.. وهكذا.
وتساعد عملية التدريب تلك في تسهيل مبدأ الحديث أمام الجمهور، وإكسابك مزيداً من الثقة بالنفس وبالتعبير عن نفسك وأفكارك بصورة سلسة. وتباعاً، ستبدأ في تتبُّع النهج نفسه للحديث أمام الجمهور، حيث يكون تركيزك منصبّاً ببساطة على مشاركة ما لديك من الأفكار والمعلومات.
4- انعدام المهارة وعدم الاستعداد:
أخيراً، هناك عامل آخر يساهم في الخوف من التحدث أمام الجمهور وهو مدى مهارتك بهذا المجال.
رغم أن كثيراً من الناس يعتبرون أنفسهم متحدثين جيدين بشكل طبيعي، فإنه يوجد دائماً مجال للنمو والتطور في هذه النقطة.
وبحسب Psychology Today، دائماً ما يكون الأشخاص الذين يعملون على تطوير وتحسين مهاراتهم بالتجربة والإخفاء ومعاودة التجربة، بدلاً من الاعتماد على المواهب الطبيعية، هم المتحدثين الأكثر تميزاً وتأثيراً.
كذلك إذا كنت تشارك أفكاراً لم تشاركها علناً من قبل، فقد تقلق أكثر بشأن كيفية استقبال وتقبُّل الناس لها، أو تخاف من محاولة البعض انتقادك أو إثبات أنك على خطأ.
كيف يمكن تجاوز فوبيا الحديث أمام الجمهور؟
من أجل السيطرة على هذا النوع من الاضطراب ومحاولة تجاوزه؛ لتجنب أي تبعات سلبية على التطور المهني والدراسي أو في الحصول على فرص حياتية أفضل، حدد موقع Mayo Clinic الصحي عدداً من الخطوات التي يمكن اتباعها لتجاوز فوبيا الحديث أمام الجمهور والتقليل من حدتها، وهي:
1- اعرف أكثر عن موضوعك: كلما فهمت ما تتحدث عنه بشكل أفضل، وكلما زاد اهتمامك بالموضوع، قلَّت احتمالية ارتكاب الأخطاء. وحتى لو أخطأت، فستتمكن بالعلم من التعافي بسرعة ومعاودة التعامل بحكمة مع الموقف.
كذلك خذ بعض الوقت في التفكير بالأسئلة التي قد يطرحها الجمهور واجعل ردودك جاهزة بشكل مسبق.
2- كن منظماً: خطِّط بعناية قبل الموعد المحدد للمعلومات التي تريد تقديمها، وضمن ذلك أي مواد علمية أو سمعية أو بصرية. وكلما كنت أكثر تنظيماً، كنت أقل توتراً.
ويُنصح باستخدام بطاقات صغيرة لتذكيرك بالنقاط المهمة في حديثك. وإن أمكن، قم بزيارة المكان الذي ستتحدث فيه وراجِع المعدات المتاحة قبل العرض التقديمي وقم بتجربة الحديث مُتخيلاً وجود الجمهور.
3- التدريب مراراً وتكراراً: التدرب على الحديث أمام بعض الأشخاص الذين تشعر بالراحة معهم والحصول على آرائهم سيساعدانك في كسب الثقة بنفسك.
وقد يكون من المفيد أيضاً التدرب مع عدد قليل من الأشخاص غير المقربين. وضع في اعتبارك إنشاء مقطع فيديو لعرضك التقديمي؛ حتى تتمكن من مشاهدة نفسك ومعرفة كيف يمكن تحسين أدائك.
4- تشجَّع! الأمر ليس بهذا السوء: عندما تخاف من شيء معين، فقد تبالغ في تقدير احتمالية حدوث أشياء سيئة. ضع قائمة بمخاوفك المحددة، ثم تحدَّ كلاً منها عبر تخيُّل النتائج المحتملة والبديلة.
5- تخيَّل نجاحك: تخيَّل أن العرض التقديمي الخاص بك سوف يسير على ما يرام. يمكن أن تساعد الأفكار الإيجابية في تقليل بعض السلبية حول رهابك الاجتماعي وتخفيف بعض القلق.
6- التنفس العميق: يمكن أن يكون هذا مهدئاً جداً، إذ يميل البعض إلى كتم أنفاسهم من الخوف. لذا خذ نفَسين أو أكثر من الأنفاس العميقة البطيئة قبل الصعود إلى المنصة وأثناء حديثك تذكَّر أن تتنفس!
7- ركِّز على المادة والمعلومات وليس على الجمهور: يهتم الناس بشكل أساسي بالمعلومات الجديدة، وليس كيفية تقديمها. قد لا يلاحظون توترك على الإطلاق.
8- بعد الانتهاء من التجربة اعترِف بنجاحك وقم بتقدير إقدامك على الخطوة مهما كانت نتائجها، فذلك وحده يستحق التقدير.
قد لا يكون الأمر مثالياً، لكن من المحتمل أنك تنتقد نفسك أكثر من جمهورك. وتحقَّق مما إذا كان أي من مخاوفك المحددة قد حدثت بالفعل. وحتى لو حدثت، فالكل يخطئ. انظر إلى أي الأخطاء التي ارتكبتها كفرصة لتحسين مهاراتك.
9- يُنصح كذلك بالحصول على الدعم إذا كانت المشكلة أكبر من قدراتك في السيطرة عليها، وانضم إلى مجموعات الدعم مع المصابين بنوعية الرهاب نفسها.
وإذا لم تتمكن من التغلب على مخاوفك بالحديث والمشاركة مع الآخرين، ففكِّر في طلب المساعدة المتخصصة. العلاج السلوكي المعرفي مثلاً سيكون فعالاً في إكسابك مهارات تقلل لديك الخوف من التحدث أمام الجمهور.
10- وكخيار أخير، قد يصف لك طبيبك دواءً مهدئاً تتناوله قبل التحدث أمام الجمهور. ومع ذلك تذكَّر أن التوتر أو القلق في مواقف معينة أمر طبيعي تماماً، خاصة عند الحديث أمام الجمهور.