استعاد رجل أعمى بصره جزئياً بفضل تقنية مبتكرة تجمع بين العلاج الجيني والتحفيز الضوئي، وهي أول مرة تتيح فيها هذه التقنية المسماة بـ"علم البصريات الوراثي" التوصل إلى استعادة جزئية للوظيفة البصرية عند البشر، ما يثير التفاؤل في أن يصبح المكفوفون قادرين على الرؤية.
هذا الرجل الذي ينحدر من بريتاني في شمال فرنسا يبلغ من العمر 58 عاماً، وكان قد فقد بصره بعدما أصيب بالتهاب في الشبكية الصباغي منذ ما يقرب من 40 عاماً، وهو مرض يصيب العين ويدمر الخلايا المستقبلة للضوء في شبكية العين، وفقاً لما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 24 مايو/أيار 2021.
وصل المريض إلى مرحلة لم يعد يستطيع فيها إلا إدراك وجود الضوء، لكنّ العلاج أتاح له تحديد مكان الأشياء ولمسها، وفقاً للدراسة التي نُشرت أمس الإثنين في مجلة "نيتشر ميديسين".
في الرؤية العادية تستخدم المستقبلات الضوئية في شبكية العين بروتينات الأوبسين، القادرة على التفاعل مع الطاقة الضوئية، والتي تنقل المعلومات المرئية إلى الدماغ عبر العصب البصري.
وسعياً إلى استعادة الحساسية للضوء، حُقن المريض بالجين الذي يشفر أحد هذه البروتينات ويسمى "كريمسون آر"، وهو يكتشف الضوء الكهرماني، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
انتظر المريض نحو خمسة أشهر من تلقي الحقنة، توخياً لإعطاء جسمه الوقت الكافي لإنتاج هذا البروتين بكميات كافية، ثم بدأ بإجراء تمارين مختلفة، مزوداً بنظارات مخصصة مجهزة بكاميرا.
هذه النظارات التي صممها الباحثون خصيصاً للدراسة تتيح إمكان عرض صور بلون العنبر على شبكية عين المريض.
وخضع الرجل لـ3 اختبارات في التجربة، الأول يقضي بإدراك وجود دفتر كبير وعلبة صغيرة تحوي مشبكات ورق وتحديد مكانهما ولمسهما، تمكن الرجل من لمس الدفتر في 92% من الحالات، لكنه لم يستطع ذلك في ما يتعلق بالعلبة إلا في 36% من الاختبارات.
أما الاختبار الثاني فقضى بعدّ أكواب على الطاولة، وانتهى إلى نجاح مرتين تقريباً من كل ثلاث مرات (63%).
تمثل الاختبار الثالث في وضع كوب على الطاولة ثم إزالته عنها بصورة متكررة، على أن يضغط المريض على زر يشير إلى وجود الكوب أو عدم وجوده على الطاولة، فيما كان نشاط دماغه يقاس باستخدام خوذة من الأقطاب الكهربائية.
واستطاع برنامج يفسر تسجيلات الأقطاب الكهربائية أن يرصد بدقة 78% ما إذا كان الكوب موجوداً أم لا، ما يؤكد "أن نشاط الدماغ مرتبط بالفعل بوجود جسم ما، وبالتالي فإن الشبكية لم تعد عمياء، حسبما أوضح البروفيسور بوتوند روسكا، أحد الباحثين الذين أداروا الدراسة.
من جانبه، قال معهد "لنستيتو دو لا فيزيون" (معهد النظر) التابع لجامعة سوربون الفرنسية، إن "المريض بدأ بعد سبعة أشهر بالإبلاغ عن علامات التحسن البصري"، مضيفاً أنه "بمساعدة النظارات، يمكن للمريض الآن تحديد موقع الأشياء وعدّها ولمسها".
بدوره، وصف كريستوفر بيتكوف، أستاذ علم النفس العصبي المقارن في كلية الطب بجامعة نيوكاسل، التجربة بأنها "تطور هائل لاستعادة الرؤية من خلال نهج مبتكر"، ونقلت الصحيفة البريطانية عنه القول إن الهدف الآن هو معرفة مدى نجاح هذه التجربة على المرضى الآخرين.
يؤثر اعتلال الشبكية أو التهاب الشبكية الصباغي على واحد من كل 3500 شخص، وفقاً لقاعدة بيانات "أورفانت" الأوروبية، ويمكن أن يبدأ في أي عمر، لكن وتيرة ظهوره تكون أكبر بين سنّي العاشرة والثلاثين.
تكثر الجينات المسؤولة عن هذا المرض، ولكن غالباً ما تسجّل لدى المصابين به بعض التحوّرات.