قد يشعر البعض بإحساس الذنب العارم والتقصير إذا ما كان محظوظاً للنجاة من أحد الكوارث الطبيعية أو الحوادث المؤلمة والحروب. وقد تبلغ حدة هذه المشاعر درجة قوية إلى حد يهدد سلامة الشخص وعرقلة قدرته على أداء مهامه اليومية بشكل طبيعي.
وتُعرف هذه الحالة باسم "عُقدة الناجين" أو "عقدة ذنب النجاة"، وهو نوع خاص من الشعور بالذنب يتطور لدى الأشخاص الذين نجوا من موقف يهدد حياتهم وسلامتهم الشخصية بينما راح ضحيته آخرون.
ووفقاً لموقع Healthline للصحة النفسية، يشعر الناجون بالذنب لأنهم نجوا بينما تضرر آخرون وعانوا التبعات المؤلمة للحادث القاسي، إذ يعتقدون أنه كان بإمكانهم فعل المزيد لإنقاذ الآخرين، أو على أقل تقدير أن يقللوا من معاناتهم.
بداية تعريف "عقدة ذنب النجاة"
وبينما تم استخدام تعريف "ذنب الناجين" في الأصل لوصف المشاعر التي عاناها اليهود الناجون من الهولوكوست في ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، فقد تم تطبيق التعريف أيضاً على عدد من المواقف التي تهدد الحياة بشكل عام، بما في ذلك حوادث السيارات والحروب والكوارث الطبيعية، بحسب موقع Medical New Today الصحي.
وتنتشر عقدة ذنب النجاة أيضاً لدى أولئك الذين تعافوا من الحالات الطبية الخطيرة. على سبيل المثال، وَصَف بعض الذين عانوا أمراض السرطان شعورهم بالذنب الشديد فيما يتعلق ببقائهم على قيد الحياة وتعافيهم، بينما مات آخرون عانوا نفس المرض.
هل شعور الناجي بالذنب اضطراب؟
وفي آخر إصدار من الدليل التشخيصي للأمراض النفسية DSM-5، يعتبر ذنب الناجي أحد أعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو ما يُعرف بـPTSD.
وقد يُنظر إليه على أنه أحد الأعراض المعرفية المرتبطة بالمزاج العام للمصاب باضطراب ما بعد الصدمة، والذي يشمل الشعور المشوه بالذنب والأفكار السلبية عن الذات والنظرة الدونية لها التي قد تصل إلى حد الإيذاء الذاتي.
وقد يعاني البعض اضطراب ذنب النجاة دون أن يعاني اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، كما يمكن للمصابين باضطراب ما بعد الصدمة أيضاً ألا يعانوا عقدة ذنب النجاة.
أعراض الاضطراب النفسية
تختلف مدة وشدة عقدة ذنب النجاة من مصاب لآخر. ويمكن أن تكون أعراض ذنب الناجي نفسية وجسدية وغالباً ما تحاكي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة. وتشمل الأعراض النفسية الأكثر شيوعاً ما يلي:
1- الشعور بالعجز والخوف الشديدين.
2- استرجاع الأحداث الصادمة.
3- التهيج والتحفُّز الشديدين.
4- عدم وجود الحافز النفسي لمختلف نشاطات الحياة.
5- تقلبات المزاج ونوبات الغضب الحادة.
6- التفكير الهوسي بالحادث المؤلم.
7- الأفكار والرغبات الانتحارية لمساواة المصاب نفسه بالذين لم يتمكنوا من النجاة مثله.
أعراض الاضطراب الجسدية
ويمكن أن تشمل الأعراض الجسدية الشائعة ما يلي:
1- التغيرات الحادة في الشهية.
2- صعوبة النوم.
3- الصداع المزمن.
4- الغثيان أو آلام المعدة.
5- تسارع نبضات القلب.
ويمكن أن يكون لشعور الناجي بالذنب تأثير خطير على حياة الشخص وأدائه اليومي الطبيعي، مما قد يشير إلى الحاجة إلى الاستشارة النفسية المختصة للتوصل إلى طرق فعالة لمساعدة المصاب على التعامل مع مشاعره بالذنب.
الشعور بالندم والاجترار المتواصل
بعد النجاة من الصدمة والحادث المؤلم كالنجاة من غرق سفينة مثلاً أو النجاة من الحرب، قد يشعر الناس بمشاعر الندم الشديد مثل مشاعر الذنب أيضاً.
وقد يفكر الشخص في الأحداث التي وقعت ويتخيل الأشياء التي كان من الممكن أن يفعلها أو كان ينبغي عليه فعلها وكان من الممكن لها أن تغير نتيجة الوضع في نهاية المطاف، وفقاً لاعتقادهم.
ويمكن أن تؤدي إعادة صياغة الأحداث إلى تفاقم الشعور بالذنب والندم، خاصةً إذا شعر الناس أن أفعالهم (أو تقاعسهم) قد فاقمت العواقب.
وفي كثير من الحالات يتأثر هذا النوع من "الاجترار" أو إعادة تخيُّل الموقف وتفاصيله وحَبْك نهايات وسيناريوهات مختلفة له، بما يُعرف باسم تحيز الإدراك المتأخر.
إذ ينظر الناس إلى الوراء ويبالغون في تقدير قدراتهم على معرفة نتيجة حدث معين. ونظراً لأنهم يشعرون أنه كان عليهم توقع ما حدث، فقد يصبح الناس مقتنعين بأنه كان ينبغي عليهم أيضاً تغيير النتيجة والقيام بأفعال أخرى غير تلك التي قاموا بها أثناء الكارثة.
محفّزات الإصابة بعقدة ذنب النجاة
تحدث عقدة ذنب النجاة للأشخاص الذين مروا بحدث صادم بشكل عام. ومع ذلك، لا يشعر كل من يعيش في مثل هذا الحدث بالذنب.
وتتضمن العوامل التي تزيد من خطر شعور الشخص بالذنب بعد النجاة من حدث صادم ما يلي:
1- تاريخ سابق من الصدمات، مثل الطفولة المؤلمة.
2- المشاكل النفسية الأخرى، مثل معاناة القلق أو الاكتئاب.
3- التاريخ العائلي من المشاكل النفسية.
4- عدم وجود دعم من الأصدقاء والعائلة.
5- الإدمان بأنواعه.
وتشير الأبحاث إلى أن الناجين يمكن أن يمتلكوا معتقدات خاطئة حول دورهم في حدث معين، مما قد يؤدي إلى الشعور بالذنب بل حتى المسؤولية.
ويمكن أن تتضمن هذه المعتقدات أفكاراً مبالغاً فيها أو مشوهة مثل: اعتقاد القدرة على التنبؤ، أو منع نتيجةِ ما حدث، أو اعتقاد المسؤولية عن النتائج السلبية لما حدث، أو تخيُّل اقتراف تقصير معين تسبب فيما حدث من نتائج.
ويزيد وجود هذه المعتقدات من شدة أعراض اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، بما في ذلك الشعور بالذنب والضيق والعزلة والانطواء والاكتئاب الحاد.
كما قد يضع الأشخاص الذين يعانون تدني احترام الذات قيمة أقل لذواتهم. وعندما يواجهون تجربة البقاء على قيد الحياة في حين مات الآخرون، فقد يكونون أكثر عرضة للتساؤل عما إذا كانوا "يستحقون" هذه الفرصة الجديدة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بعدم الاستحقاق والشعور بالذنب والرغبة في أذى النفس.
علاوة على ذلك قد تتسبب مهارات التأقلم الضعيفة أو المنعدمة في أن يكون الناس أكثر عرضة لاضطراب ما بعد الصدمة وعقدة ذنب النجاة إذا ما كانت لديهم أساليب خاطئة في التعامل مع المشكلات، مثل تجنب التعامل مع الإجهاد والتهرّب من الأمور الجدية والتقليل من أهمية الأحداث.
طرق التعامل مع الاضطراب
إذا وجدت نفسك تعاني الشعور بالندم والذنب بعد حدث أليم، فهناك أشياء يمكن القيام بها للتحكم في تلك المشاعر. منها بعض استراتيجيات المساعدة الذاتية التي قد تكون فعالة لتحسين مشاعرك، مثل:
1- اسمح لنفسك بالحزن: من المهم أن تعترف بالخسارة التي وقعت وتتصالح مع رحيل الذين فقدوا على إثرها وأن تسمح لنفسك بالحزن عليهم كما ينبغي. وامنح نفسك الوقت وخذ الأشياء برفق ولا تتعجل.
2- افعل شيئاً إيجابياً: سواء كان ذلك لنفسك أو للآخرين، خذ هذه المشاعر القوية والمُرهقة ووجهها من أجل إحداث تغيير في العالم. في بعض الأحيان يكون مجرد القيام بأشياء بسيطة لشخص آخر ومساعدته هو العلاج الأمثل لمشاعر عقدة ذنب النجاة القوية.
3- التفكير بعقلانية والتركيز على العوامل الخارجية التي أدت إلى وقوع المصاب المؤلم: يجب عليك التدرب في تحويل تركيزك على المتغيرات الخارجية التي خلقت الموقف نفسه، لأن ذلك يمكن أن يساعدك على التخلي عن اللوم الذاتي الذي يساهم في الشعور بالذنب.
4- تدرب على مسامحة نفسك: حتى لو كانت أفعالك مسؤولة عن إيذاء شخص آخر بشكل أو بآخر، فإن تعلم كيفية مسامحة نفسك يمكن أن يساعدك على المضي قدماً واستعادة النظرة الإيجابية والعمل فيما بعد بشكل مؤثر إيجابياً في الآخرين لتعويض التقصير السابق.
5- اعلم أنها مشاعر طبيعية وشائعة: الشعور بالذنب لا يعني أنك مذنب فعلاً بارتكاب أي خطأ. لأن الحزن والخوف والقلق والحزن والشعور بالذنب هي ردود فعل طبيعية تماماً في أعقاب مأساة أو حادث مؤلم.
ومع ذلك من المهم الحصول على العلاج المناسب إذا كنت تعاني مثل هذه الأعراض الحادة، إذ لا يقتصر الأمر على مخاطره الصحية والعقلية فحسب، بل قد يتفاقم إلى درجة من الخطورة قد تهدد سلامتك وحياتك، خاصةً إذا كانت هناك أعراض أخرى لاضطراب ما بعد الصدمة.
وبحسب موقع Very Well Mind للصحة النفسية، ارتبط الشعور بالذنب المتعلق بالصدمات ارتباطاً وثيقاً بالأفكار الانتحارية لدى المحاربين القدامى بعد مشاركتهم في الحروب.
وقد تكون الأشكال الأخرى من العلاج النفسي والعلاج الجماعي ومجموعات الدعم والأدوية مفيدة أيضاً في علاج أعراض الذنب لدى الناجين.