يفقد أغلب الناس، في مرحلة ما من حياتهم، الاهتمام بالأشياء التي كانت تثير اهتمامهم وتشعرهم بالاستمتاع والسعادة. لكن فقدان الاهتمام وعدم القدرة على الشعور بالمتعة قد يكون عرضاً صحياً خطيراً يشير إلى الإصابة باضطراب نفسي إذا ما تجاوز الدرجة الطبيعية أو تواصلت أعراضه لفترات طويلة.
ويعد اضطراب انعدام التلذذ أو "Anhedonia" عرضاً صحياً حاداً من المشاعر القوية بالخسارة؛ معه يصبح من المستحيل الحصول على المتعة من الأشياء التي كانت تثير الحماس ذات يوم، مثل الموسيقى أو العلاقة الحميمية أو تناول الطعام أو إجراء المحادثات مع شخص مقرّب أو أي نشاط ممتع آخر.
الاضطراب قد يكون عرضاً لأمراض أخرى
وبصرف النظر عن اضطراب الاكتئاب المعروف، يمكن أن يحدث اضطراب أنهيدونيا كجزء من حالات نفسية أخرى، بما في ذلك الفصام والذهان ومرض باركنسون، بالإضافة إلى فقدان الشهية العصبي والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات.
كما أن الاضطراب قد يلعب دوراً في رغبة الفرد المفرطة في الانغماس في سلوكيات محفوفة بالمخاطر للشعور بفورة الأدرينالين الممتعة لتحسين شعوره العام، مثل القفز بالمظلات أو الألعاب الخطيرة الأخرى.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، حظيت حالة انعدام التلذذ باهتمام متزايد، وذلك يرجع إلى أنه يتنبأ بمدى استجابة الشخص المصاب بالاكتئاب للعلاجات المتخصصة. إذ تميل مضادات الاكتئاب الشائعة إلى العمل بشكل أقل مع الأشخاص المصابين بالاكتئاب بسبب انعدام التلذذ مقارنة بمن يعانون من الاكتئاب دون انعدام التلذذ.
ونظراً لأن علاج الاكتئاب يمثل تحدياً كبيراً، هناك أدلة تشير إلى أن وجود انعدام التلذذ يزيد من خطر الانتحار لدى المصابين به.
أنواع الاضطراب اجتماعية أو جسدية
هناك نوعان رئيسيان من انعدام التلذذ هما انعدام التلذذ الاجتماعي وانعدام التلذذ الجسدي.
وعن انعدام التلذذ الاجتماعي فيكون بانعدام الاهتمام بالتواصل الاجتماعي ونقص الاستمتاع بالمواقف الاجتماعية بأنواعها. أما انعدام التلذذ الجسدي فهو عدم القدرة على الشعور بالمتعة الحسية المتعلقة باللمس والحواس، مثل الأكل أو التلامس أو ممارسة العلاقة الحميمة.
وبحسب موقع Healthline الصحي، تشمل أعراض انعدام التلذذ العامة ما يلي:
1- الانسحاب الاجتماعي.
2- قلة العلاقات أو الانسحاب من العلاقات الموجودة بالفعل.
3- المشاعر السلبية تجاه الذات والآخرين.
4- انخفاض القدرات والمهارات العاطفية، بما في ذلك تقليل التعبيرات اللفظية أو غير اللفظية على حدٍ سواء.
5- صعوبة التكيف مع المواقف الاجتماعية المختلفة.
6- الميل لإظهار مشاعر وهمية، مثل التظاهر بأنك سعيد في حفل زفاف أو في حفل عيد ميلاد مفاجئ لك، في حين أن مشاعرك الحقيقية هي عكس ذلك تماماً.
7- فقدان الرغبة الجنسية أو عدم الاهتمام بالعلاقة الجسدية الحميمة.
8- استمرار المعاناة من المشاكل الصحية، مثل الإصابة بالمرض بشكل متكرر.
تبعات الإصابة بـ"انعدام التلذذ"
تؤدي الإصابة باضطراب انعدام التلذذ، إلى تدهور علاقات الشخص بما في ذلك علاقاته مع أفراد الأسرة والمقربين من الأهل والأصدقاء. إذ مع غياب القدرة تماماً على الاستمتاع بأي شيء، من الصعب أن يكون لديك دافع لقضاء الوقت مع الآخرين.
ووفقاً لموقع Medical News Today الصحي، قد تؤدي الحالة أيضاً إلى رفض الدعوات والعزائم والتجمعات وحتى النشاطات الفردية كممارسة التمارين أو الانخراط في لعبة أو هواية معينة، وذلك لأن الشخص المصاب يشعر بعدم جدوى أي من تلك النشاطات والفعاليات.
كما يمكن للاضطراب أن يصيب الشخص بحالة قوية من القلق الاجتماعي. فيبدأ في الشعور بأن تلك النشاطات لا تناسبه، خاصة عند مقابلة الأشخاص الجدد، وهي الأمور التي حتماً ما ستؤثر في مستوى الأداء الوظيفي والقدرة على الإنتاج والابتكار والتفاعل في بيئة العمل.
كما تتدهور العلاقات الموجودة فعلياً مع الآخرين، وتهدد الشخص المصاب بفقدان الأصدقاء وحتى الزوج أو الزوجة، إذ يكون من الصعب بل المستحيل للمصاب أن يخبر أحبته بمشاعره العاطفية تجاههم، أو مدى استمتاعه بقضاء الوقت معهم. وحتى قد يفقد الشخص الشغف والرغبة في بذل أي مجهود من أجل التعبير عن نفسه لهم أو لإشعارهم بمشاعر طيبة، بما في ذلك انعدام الرغبة الجنسية الحميمة تجاه الطرف الآخر.
درجات متفاوتة من الاضطراب
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعض العلماء يعتقدون أن انعدام التلذذ له درجات متفاوتة ولا يكون بشكل قاطع كما سلف التوضيح خلال التقرير. فقد لا يشعر الشخص بالبهجة على الإطلاق فعلاً، أو قد يجد أن مشاعره الإيجابية غير قوية تجاه الغالبية العظمى من الأمور، بحسب Healthline.
بمعنى آخر، من الممكن أن يظل الشخص المصاب يحب تناول الآيس كريم أو يستمتع بالاستماع إلى موسيقى الجاز؛ الأمر فقط أن نسبة سعادته بتلك الأمور تناقصت بشكل كبير عما كانت عليه في السابق.
كيفية علاج المشكلة
يمكن أن يكون علاج اضطراب انعدام التلذذ غير سهل، إذ لا توجد طريقة واضحة للقيام بذلك. لكن تتمثل الخطوة الأولى بشكل عام في العثور على أي سبب غير معروف وراء الإصابة بالاضطراب، والتركيز على معالجة هذه المشكلة الأساسية أولاً، والأمل في أن تتحسن حالة انعدام التلذذ نتيجة لذلك، بحسب Medical News Today.
وغالباً ما تكون هذه الطريقة فعالة للعلاج، خاصةً عندما يتعلق الأمر باكتشاف إصابة الشخص بالاكتئاب.
وقد يجد الأشخاص الذين يتناولون الأدوية المضادة للاكتئاب (مثل مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية) أن انعدام التلذذ يتحسن لديهم جنباً إلى جنب مع بقية أعراض الاكتئاب.
ومع ذلك، لا يكون هذا هو الحال دائماً. ففي بعض الأحيان تخفف هذه الأدوية من المشاعر بشكل عام؛ ما قد يجعل المشكلة أسوأ.
وبحسب موقع WebMD الصحي، يعمل الباحثون في علم النفس على علاجات جديدة حالياً للأشخاص الذين يعانون من انعدام التلذذ والذين لا يتحسنون مع علاجات الاكتئاب المعروفة.
وأحد الأدوية الواعدة في هذا الخصوص هو الكيتامين، وهو عقار معروف بكونه حبوباً متداولة في الحفلات لزيادة الشعور بالنشوة، وهو يمتلك تأثيرات مضادة للاكتئاب. لكن هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث، إذ وجدت دراسة واحدة على الأقل أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب ثنائي القطب والذين يعانون من انعدام التلذذ قد تخلصوا بشكل مؤقت من هذه الأعراض في غضون 40 دقيقة من جرعة الكيتامين الأولى.