من الشائع أن نشعر بالراحة والاطمئنان عند الجلوس بالقرب من أحبتنا المقربين، وذلك لأن التواجد الحميم مع من نُحب يُشعرنا بالاطمئنان والأُنس والمودة.
لكن المثير للاهتمام أن رائحة من نحب أيضاً لها دور كبير في تحسين حالتنا المزاجية وتعزيز شعورنا بالراحة والاسترخاء، وهو الأمر الذي تناولته بعض الدراسات العلمية لكشف أسبابه وتأثيراته على الجسم.
لرائحة الزوج تأثيرات مهدئة للأعصاب
وفي دراسة علمية نشرتها مجلة APA PsychNet الطبية لعلم النفس، اتضح أن لرائحة ملابس أحبتنا وأفراد أسرتنا تأثيرات مهدئة قوية للحالة النفسية للشخص.
وفي الدراسة التي أُجريت عام 2018 على 96 امرأة، طُلب منهن شم إحدى الروائح الثلاث بشكل عشوائي، وكانت أول تلك الروائح للزوج، والأخرى لرجل عابر لا تربطه صلة بالسيدات، والثالثة كانت رائحة عابرة لأي شيء آخر.
وباختبار ردود فعلهن والعناصر التي أفرزها الدماغ في أجسامهن، اتضح بالفعل أن النساء اللاتي تنشّقن نفحة من ملابس أزواجهن قد شعرن بالراحة والهدوء والاسترخاء، وخفّت لديهن مستويات القلق والتوتر وعدم الراحة.
على الناحية الأخرى، شعرت السيدات اللاتي شممن ملابس رجل غريب بآثار عكسية تماماً، وشعرن بالتوتر وعدم الراحة بعدها.
هل ينطبق الأمر على الرجال أيضاً؟
وحول ما إذا كان الأمر ينطبق بنفس الطريقة على الرجال أيضاً، قال الطبيب وعالم النفس الأمريكي بيتر كلاين، وفقاً لصحيفة غارديان البريطانية: "غالباً ما تسمع عن امرأة ترتدي قميص زوجها، لكنك نادراً ما تسمع عن رجل يرتدي قميص زوجته! ولذلك تشير الأبحاث إلى أن النساء يتمتعن بحاسة شم متطورة بشكل أفضل، بينما يمتلك الرجال حافزاً بصرياً أكبر، لذلك من المرجح أن تؤثر رؤية ملابس الزوجات في حد ذاتها في تهدئة مشاعر وأعصاب الرجال".
وتتأثر درجة تأثر المرأة برائحة زوجها ونسبة الراحة والاسترخاء التي تشعر بها عند شم رائحته، وفقاً لتقارب الطرفين ومقدار هرمون السعادة أو الأوكسيتوسين الذي تفرزه عند التواجد معه ومقدار الحميمية المتبادلة بينهما.
لماذا نحب رائحة من نحب؟
يوضح أستاذ البيولوجيا السويسري كلاوس ويديكيند، وفقاً لمجلة Vice، أن البشر تمت برمجتهم وراثياً للتمييز من خلال الرائحة وحدها، بين الشخص الذي يُحتمل أن يكون شريكاً للحياة وبين الأشخاص العابرين.
ويقول أستاذ البيولوجيا المتخصص في تحليل مجموعة من الجينات تسمى جينات معقد التوافق النسيجي الرئيسي MHC، إن هذه الجينات تلعب دوراً مهماً في الجهاز المناعي للفقاريات، وغالباً ما يتم اختبارها لتحديد مدى ملاءمة الأفراد لزرع الأعضاء.
على سبيل المثال، إذا لم يكن المتبرع بالأعضاء لديه مجموعة مماثلة من معقد التوافق النسيجي الرئيسي فهناك احتمال أكبر ألا تنجح عملية الزرع. وفي البشر تحمل الفيرمونات التي يفرزها الجسم، وهي المسؤولة عن رائحة الإنسان الأصلية، علامات تساعد في تحديد جينات MHC لكل فرد.
عامل الرائحة في تعزيز المشاعر وتنشيط الذاكرة
وبينما يمتلك أغلبنا تقريباً تجارب في تنشيط الذكريات والمشاعر بسبب روائح معينة، فقد كانت هناك دراسات تبحث في الفوائد النفسية للتعرض لرائحة أحد أفراد الأسرة والأشخاص المقربين.
وأظهرت دراسة أجريت عام 2006 أن 80% من النساء و50% من الرجال يشمون عمداً رائحة الملابس المستعملة لأزواجهم إذا ما كانوا غائبين لظروف عمل أو سفر أو غير ذلك، موضحين أن تلك العملية تعزز شعورهم بالراحة والاسترخاء، وفقاً لمجلة Psychology Today النفسية.
وفي حين أن نتائج التجارب السالف ذكرها تشير بالفعل إلى تأثير "راحة الأحبة" على الحالة النفسية والمزاج العام، على الأقل بالنسبة للشعور بالتوتر أو عدمه على وجه الدقة، فلا يزال من غير الواضح سبب عدم انعكاس ذلك من خلال مستويات إفراز المخ للكورتيزول، وهو هرمون التوتر الرئيسي.
لذلك قد تكون هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث مستقبلياً لمعرفة ما إذا كان التأثير مرتبطاً بأي تغيّرات فسيولوجية في الجسم، وكذلك في معرفة أبعاد تأثير الروائح المريحة في المساعدة على توفير فوائد أخرى للدعم، مثل تعزيز جودة النوم وعادات الأكل الصحية.
هناك حاجة لمزيد من الأبحاث
وبحسب Psychology Today، فإن الطبيعة العالمية المتزايدة للحياة الحديثة تعني أننا غالباً ما ننفصل عن الحميمية والتقارب مع أحبتنا لساعات طويلة، بل وربما لأيام وأسابيع، بسبب السفر وظروف العمل القاسية وغيرها من الأمور.
لذلك قد يفكر البعض فيما إذا كان من الممكن أن يساعد شيء بسيط مثل استخدام ملابس أحبتنا المستعملة في التقليل من حدة وقع الانفصال عن تقارب أحبتنا وأفراد أسرتنا وتسهيل التعامل مع الوحدة.
وسيكون أي اكتشاف متعلق بتلك المسألة مثيراً للاهتمام بكل تأكيد.