الحقيقة هي أن نصف الكوب فارغ فعلاً، ويبدو أن هذه الغيوم في السماد تُنذر بعاصفة وشيكة، ولا يتضح أن هناك أي أمل في الأفق القريب أو البعيد.
بهذه الطريقة يفكّر المتشائمون في الأمور من حولهم، وغالباً ما تنالهم الانتقادات والتعليقات الحانقة بسبب ميلهم نحو السلبية وتوقع الأسوأ في معظم المواقف.
وإلى جانب التأثير على الصحة العقلية قد تتعرض صحة المتشائم الجسدية للتبعات أيضاً.
وفي حين أن التشاؤم باعتدال يعد خطة للتفكير بعقلانية في الأمور، إلا أن انتهاجه كطريقة أصلية في التفكير ورؤية العالم من حولنا يرتبط بالمعاناة من أمراض القلق المزمن والاكتئاب واضطرابات النوم ونوبات الغضب والاضطرابات السلوكية وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
النظرة الواقعية مقابل النظرة التشاؤمية
قد يكون من المفيد فعلاً الحرص على اعتناق النظرة الواقعية، وبدلاً من اتخاذ مواقف إيجابية للغاية أو سلبية للغاية، التفكير الموضوعي الحريص هو بمثابة وصفة لصحة جيدة وسعادة نفسية، ولهذا ارتبطت المستويات المنخفضة من التشاؤم بصحة أفضل ومشاعر أخف وحالة نفسية جيدة.
بعبارة أخرى، يعتبر الشعور بالتشاؤم عاملاً خطيراً في الإصابة بأمراض القلب وحالات الصحة البدنية والعقلية الأخرى، لكن التفاؤل لن يمنع بالضرورة من الإصابة بهذه الأمراض.
وبدلاً من السعي الدائم للحصول على محفّزات للشعور الجيد، أو الاستسلام لوجهة نظر سلبية عامة، يجب أن يكون الهدف هو الشعور العام المعتدل من التفاؤل مع جرعة يومية بسيطة من التشاؤم.
تأثير طريقة التفكير على الإنسان
أحد الاختلافات الرئيسية بين كيفية تفكير المتفائل والمتشائم يتعلق بأسلوبهم في تفسير الأمور، أي الطريقة التي يفسر بها الناس ما يحدث في حياتهم.
المتفائل مثلاً سيأخذ الأحداث الإيجابية ويضخمها وسيقلل التأثيرات السلبية في الموقف، بينما المتشائم سيفعل العكس، ويقلل من أهمية الأمور الإيجابية مع زيادة التركيز على المجريات السلبية للأمور.
ويعتبر الميل إلى التقليل من أهمية وحجم السلبيات إحدى سمات المتفائلين التي تشجعهم على الطموح لأهداف كبيرة والاستمرار في المحاولة حتى بعد مواجهة النكسات.
كذلك يمكن أن ينتج عنها أيضاً شعور زائف بالأمان قد يتسبب في فشل المتفائلين في تصور ما هو ممكن أن يحدث من صعوبات والفشل في التخطيط لها.
وقد يقودهم ذلك أيضاً إلى الشعور بالدهشة والصدمة عندما لا تسير الأمور كما توقعوا.
ومع ذلك فإن هذه السمات -التقليل من السلبية وتعظيم الإيجابية- يمكن أن تساعد المتفائل خلال الأوقات الصعبة التي من الممكن أن تسبب الكوارث النفسية بالنسبة للمتشائم.
فالمتفائل قد يبحث عن حلول جديدة بدلاً من الخوض في المشاكل، وغالباً ما يكون لديه أمل في المستقبل، ويمتلك مهارات تأقلم سريعة لتجاوز الأوقات الصعبة.
وقد أشارت العديد من الدراسات وفقاً لموقع Very Well Mind المعرفي، إلى أنه من المهم للصحة الجيدة أن تكون أقل تشاؤماً من أن تكون أكثر تفاؤلاً.
بمعنى آخر، الاعتدال في التشاؤم صحي أكثر للإنسان سواء نفسياً أو جسدياً، بينما لا يعني الاعتدال في التفاؤل أي تبعات صحية ملحوظة.
تفسير علم النفس لسلوك التشاؤم
ينظر علماء النفس إلى التشاؤم والتفاؤل على أنهما طيفان يتأثران بشكل كبير بوجهات نظرنا وشخصياتنا وخبراتنا السابقة. وقد يكون المتشائم تماماً شخصاً متناهي الحزن والكآبة، وقد يكون المتفائل شخصاً غير واقعي ومنفصلاً عن العالم إذا ما تجاوز الحد المسموح به من الشعور.
وهناك العديد من الأسباب التي تجعل بعض الأشخاص يتمتعون بشخصية سلبية إلى حد ما وأكثر تشاؤماً، وتشمل: تأثير علم الوراثة، والديناميكية العائلية، والخبرات الماضية، والعوامل الاجتماعية والبيئية.
ويميل أولئك الذين لديهم توقعات أكثر تشاؤماً إلى الحصول على دعم اجتماعي أقل، ومرونة أقل، ومهارات أقل في التعامل مع التوتر، وميل أكبر للاكتئاب والإصابة بالتوتر واضطرابات القلق.
مميزات وفوائد التشاؤم
في بعض الأحيان قد يصبح المتشائمون قادة أفضل وأكثر نجاحاً، لاسيما عندما تكون هناك حاجة لإحداث تغيير اجتماعي يستدعى النظر بخوف لمجريات الأمور وتوقع الأسوأ للاستعداد له.
وقد تجعلهم شكوكهم التشاؤمية أكثر مقاومة للدعاية والإعلام الكاذب.
وبحسب موقع Psychology Today لعلم النفس، غالباً ما يمكن ربط درجة التشاؤم التي يشعر بها الفرد أو المجموعة بالظروف السياسية والاقتصادية في حياتهم الشخصية ومجتمعهم.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد أثبت التشاؤم الدفاعي أنه استراتيجية معرفية مفيدة لبعض الناس، إذ وضعوا توقعات منخفضة ثم تفوقوا عليها من خلال الاستعداد الكامل لمجموعة واسعة من النتائج السلبية المتوقعة مقدماً.
كما يمكن أن تكون هناك بعض الفوائد الحقيقية لجرعة صحية من التشاؤم.
على وجه التحديد، غالباً ما يكون المتشائمون أكثر استعداداً للأوقات الصعبة وقد يتجنبون المخاطر التي قد يتجاهلها المفكرون، طرق أكثر تفاؤلاً.
وأظهرت الأبحاث وفقاً لـVery Well Mind، أن المتشائمين يميلون إلى توقع العقبات بسهولة أكبر لأنهم يتوقعون أن تسوء الأمور. وهذا يعني أنه من المرجح أن يخططوا لمواجهة الصعوبات.
كما وجدت دراسة نشرت عام 2013 في مجلة Research in Personality للبحث في علم الشخصيات، أن المفكرين السلبيين هم أيضاً أكثر عرضة لبناء شبكات أمان احتياطية، ويكونون أكثر استعداداً (عملياً وعاطفياً) عندما تسوء الأمور.
ووجدت دراسة أخرى أجريت عام 2013 في علم النفس والشيخوخة ونشرتها مجلة APA PshycNet العلمية، وجود علاقة بين التقليل من الرضا عن الحياة في المستقبل ونتائج صحية إيجابية مرتبطة بطول العمر لدى كبار السن.
وبعبارة أخرى، فإن التفكير في حياتك أنها لن تسير على ما يرام كان مرتبطاً ببعض الفوائد الصحية رغم المخاطر الصحية المعروفة.
مخاطر التشاؤم النفسية والصحية
هناك العديد من التبعات الصحية الخطيرة عند الإفراط في الشعور بالتشاؤم والسوداوية، وتشمل:
1- الاستغراق في الأفكار السلبية يضر بالصحة. تشير الدراسات العلمية وفقاً لـVery Well Mind، إلى أن النساء قد يكون لديهن معدلات أعلى من الاكتئاب بسبب عامل الاجترار والإفراط في التفكير واسترجاع الأحداث في الذهن، وهي المكونات الرئيسية للشعور بالتشاؤم.
2- يسبب التفكير السلبي المفرط مرض الاكتئاب والقلق، وتتمثل الأعراض الرئيسية لاضطرابات القلق في القلق المفرط، والاجترار، والتفكير في أسوأ السيناريوهات. وبالمثل فإن الحالة المزاجية السيئة والأفكار السلبية وتدني احترام الذات والقلق ليست فقط من سمات المفكرين المتشائمين، ولكنها أيضاً عوامل تؤدي إلى الاكتئاب المزمن والاكتئاب السريري.
3- آثار صحية سلبية. ترتبط النظرة السلبية والتشاؤم بعدد من المخاطر الصحية الأخرى، مثل أمراض القلب، فضلاً عن الوفيات الإجمالية.
4- يميل المتشائمون إلى أن يكون لديهم ضغط أكبر ومهارات أقل في التأقلم. وقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة Psychology & Health النفسية، عام 2017، أن التشاؤم عند كبار السن يرتبط بمستويات التوتر المرتفعة، والتركيز بشكل أكبر على الأجزاء الأقل إيجابية من الحياة، والميل للنظر إلى الحياة بمزيد من السلبية بشكل عام، ما يقلل مستوى الرضا عن الحياة والعُزلة وضعف الصحة العام.
على الجانب الآخر، لوحظ أن المتفائلين يتمتعون بمستويات توتر صحية وإدراك أعلى للرضا والقناعة والامتنان للحياة.
موازنة الجرعة الكافية من التشاؤم
يعتبر اتباع منهج "تمنّي الأفضل والاستعداد للأسوأ" هو الحل الأمثل للاستمتاع بالعديد من فوائد التفاؤل دون الوقوف بقلة حيلة وعدم استعداد لمجريات الأمور المستقبلية.
وللحصول على الفوائد التي يجب أن يقدمها التفكير المتشائم، ينبغي التفكير في الأشياء التي يمكن أن تسوء ومحاولة إيجاد خطط احتياطية وتقنيات تعامل طارئة للتعامل مع ما هو غير متوقع، وفقاً لـVery Well Mind.
بعد ذلك يمكن التركيز على الجانب الإيجابي مع مراعاة وضع خيارات بديلة احتياطية إذا ما ساءت الأمور فجأة.
وجدير بالذكر أن الإجهاد عندما نشعر أن متطلبات الموقف تتجاوز قدراتنا في التعامل معها هي أساس التبعات الصحية للتشاؤم على الجسم، لذلك يمكن أن تساعد دراسة الإمكانيات والموارد المتاحة في تقليل التوتر والشعور بالقوة.
وختاماً، من الضروري ممارسة تمارين اليقظة والحضور الذهني، وتقنية تتضمن التركيز على الحاضر بدلاً من القلق والاجترار بشأن الماضي أو التوتر والخوف مما يحمله المستقبل.