في هذا التقرير الجديد الذي يتطرق للديانات التي تمارس الصوم غير الدين الإسلامي، تفرض طقوس الديانة اليانية نفسها بقوة، نظراً لتعدد أسباب وطرق صوم هذه الديانة الهندية والتي تختلف بشدة عن سائر الديانات.
وقبل أن نتطرق لأساليب الصيام عند اليانية، نتعرف على هذه الديانة القديمة والتي تعد إحدى أقدم الديانات في العالم.
إلى جانب الهندوسية والبوذية، تعد اليانية أو الجاينية واحدةً من أقدم ثلاثة تقاليد دينية هندية لا تزال موجودة وجزءاً لا يتجزأ من المعتقدات والممارسات الدينية في جنوب آسيا.
تعود معتقدات هذه الديانة لأكثر من 24 زعيماً لها، مع آخر زعيم لهذه الدورة واسمه ماهافيرا، والذي يوثق المؤرخون أنه عاش في القرن السادس قبل الميلاد.
وتنحدر كلمة اليانية من تعبير "جي"، الذي يعني "هزيمة"، وهي دلالة على مقاصد هذه الديانة بمحاربة ومقاومة الشهوات الجسدية للوصول إلى مرحلة التنوير.
أما الثوابت الدينية الرئيسية فهي اللاعنف وتعدد الجوانب وعدم التعلق والزهد (الامتناع عن الملذات الحسية).
يأخذ اليانيون المتدينون 5 عهود رئيسية هي:
- (اللاعنف)
- ساتيا (الحقيقة)
- أستيا (عدم السرقة)
- العفة الجنسية
- عدم التملك
أثرت هذه المبادئ على ثقافة اليانيين بعدة طرق، مثل اتباع أسلوب حياة نباتي في الغالب.
لهذه الديانة تقليدان فرعيان قديمان هما: سفيتامباراس وديغابماراس، مع وجهات نظر مختلفة حول الممارسات الزهدية والجنس والنصوص التي يمكن اعتبارها قانونية.
يقدر أتباع هذه الطائفة بنحو 5 ملايين يعيشون في الهند وكندا وأوروبا والولايات المتحدة، واليابان.
وتعتقد هذه الديانة أن الكون يتطور دون انتهاك قانون ثنائية الجوهر، وتتم كينونته تلقائياً من خلال أرضية وسطية بين مبادئ التوازي والتفاعل.
ممنوع قطف الثمار وقتل الحيوانات
أدى مبدأ اللاعنف تجاه جميع الكائنات الحية إلى تكوين ثقافة نباتية بامتياز، حسب ما نشرت موسوعة Britannica.
يمارس اليانيون أسلوب اللاكتو النباتي، ما يعني أنهم لا يأكلون البيض لكنهم يقبلون منتجات الألبان إذا لم يكن هناك عنف ضد الحيوانات أثناء إنتاجها.
يتم تشجيع النزعة النباتية إذا كانت هناك مخاوف بشأن الرفق بالحيوان، ولا يتم قطف الفواكه والخضار، بل ينتظرون تساقط ثمارها إرادياً.
ويتجنب الرهبان والراهبات وبعض الأتباع الخضراوات الجذرية مثل البطاطس والبصل والثوم لأن الكائنات الحية الدقيقة تتأذى عندما يتم سحبها من الأرض، ولأن قدرة البصلة أو الدرنة على الإنبات يُنظر إليها على أنها خاصية لكائن حي أعلى.
الصيام عند اليانية
كما يتجنب أتباع الديانة تناول الطعام بعد غروب الشمس، التزاماً بقسم المعلمين راتري-بهوجانا-تاياغا-فراتا. ويلتزم الرهبان بقسم أكثر صرامة من خلال تناول الطعام مرة واحدة فقط في اليوم.
يصوم اليانيون خلال المهرجانات، وتسمى هذه الممارسة أوبافاسا، ويمكن ممارستها وفقاً لقدرة الفرد.
أما النوع الثاني من الصيام عند اليانية فهو عبارة عن وجبة واحدة أو وجبتين فقط في اليوم، أو شرب الماء المغلي فقط لمدة 10 أيام، أو الانقطاع التام عن الطعام في الأيام الأولى والأخيرة من المهرجان الذي يستمر لـ 8 أيام.
يستمر صيام "اليوم الواحد" نحو 36 ساعة، ويبدأ عند غروب الشمس قبل يوم الصيام وينتهي بعد 48 دقيقة من شروق الشمس في اليوم التالي.
بين الناس العاديين وليس الرهبان، فإن الصيام أكثر شيوعاً لدى النساء، لأنه يظهر تقواها ونقاوتها الدينية، ويساعدها على ضمان رفاهية أسرتها في المستقبل، حسب معتقداتهم.
يتم ممارسة بعض الصوم الديني في مجموعات نسائية اجتماعية تدعم بعضها البعض.
أما الصيام الطويل فيحتفل به الأصدقاء والعائلات بمراسيم خاصة وجماعية.
صيام حتى الموت
ولعل أقسى أنواع الصيام عند اليانية، هو اختيار الصيام حتى الموت. ويعد هذا الموت الديني هجراً زاهداً للطعام والشراب، ويتم تدريجياً على مدى سنوات، عبر خفض كميات الطعام والشراب كخيار مقدس نحو الموت.
ويعتبر الياني أن هذا الصيام هو الطريقة المثلى لمسح كل الذنوب والكارما، وتحرير الروح من دورة الولادة والموت والبعث.
والكارما مادة تنتج سلسلة السبب والنتيجة والولادة والموت، وهي مادة ذرية وليست عملية، كما هو الحال في معتقدات الهندوسية والبوذية.
فلكل حدث سبب محدد -حسب معتقداتهم- وكل نفس بطبيعتها نقية، تمتلك معرفة ونعيماً وقوة لا نهائية؛ ومع ذلك، فإن هذه الملكات مقيدة طوال الوقت من خلال اتصال الروح بالمادة، وعليه التخلص تدريجياً من الكارما لتتحرر الروح.
وبينما يرى البعض في هذا الصيام القاسي أنه انتحار بطيء، يصرّ أتباع الديانة على أنه ليس انتحاراً وفق معتقداتهم، وهو ما يثير جدلاً قانونياً كبيراً في الهند.