لطالما شكلت السيطرة على النفس وكبتها عن الطعام نوعاً من الممارسة الروحانية في العديد من الأديان، والصين صاحبة الحضارة العريقة، مارست الصيام على طريقتها الخاصة، وإن شهدت تعديلات على مر الأزمان والعصور.
تعد الطاوية الديانة الشعبية للصينيين في المناطق الريفية منذ نحو 500 عام قبل الميلاد، ثم أصبحت الديانة الرسمية للبلاد في عهد أسرة تانغ.
هي فلسفة ودين في نفس الوقت، وتحرص تعاليمها على القيام بكل ما هو طبيعي والانسياب مع التدفق العام للكون أو ما يسمى طاو Tao، وهي القوة الكونية التي تتدفق عبر كل الأشياء وتربط فيما بينها تارة وتطلق سراحها تارة أخرى، حسب تعليم هذه الديانة.
نجمت هذه الفلسفة أو الديانة عن التأمل في الظواهر الكونية، وتطور الدين من إيمان بالتوازن الكوني الذي يحافظ عليه وينظمه الطاو.
وتنص تعاليم هذه الديانة على تقديس الأسلاف والروح منذ قرون حتى يومنا هذا.
يعد مؤسس هذه الفلسفة لاو تزو (500 عام قبل الميلاد)، وتم تطوير نصوصها وطقوسها من قبل فلاسفة أو كهنة آخرين عدلوا عليها في القرون اللاحقة.
وأفضل طريقة لعيش الإنسان، وفقاً للطاوية، هي الخضوع لكل ما تجلبه الحياة والتحلي بالمرونة، بحسب ما نشر موقع World History Encyclopedia.
إذا كان الشخص يتكيف بسهولة مع التغيرات في الحياة فسيكون سعيداً، أما إذا قاوم الشخص التغييرات في الحياة، فسيكون تعيساً.
ويعتبر الهدف المطلق للإنسان هو العيش في سلام مع "الطاو" والاعتراف بأن كل ما يحدث في الحياة يجب قبوله كجزء من القوة الأبدية التي تربط كل الأشياء وتتحرك فيها.
صيام الطاوية في الصين
كبعض الأديان الأخرى، نصت الطاوية على تطبيق بعض المحاذير على بعض أنواع الطعام لأسباب تتعلق بالخلود والحياة المتوازنة.
ودعت الطاوية المبكرة إلى تطبيق صيام بيجو أو bigu بهدف الخلود.
وتعني كلمة "بيجو" تجنب الحبوب؛ في هذا الصيام يُمنع تناول الأرز والقمح والشعير والذرة والرفيعة وما شابه، في حين يكتفي الصائم بتناول أغذية غنية ونيئة مليئة بالأعشاب الطبية والأملاح المعدنية.
يؤمن الطاويون بأن هذا الصيام يبطئ الشيخوخة ويزيل السموم من الجسم وينظف الجهاز الهضمي ويوازن طاقة الجسم.
نسخات متعددة من الصيام
وعلى مر التاريخ، كان لسادة هذه الديانة نسختهم الخاصة من صيام البيجو.
وبحلول أوائل القرن الرابع، ظهرت أكثر من 100 طريقة، منها ما احتوى على بذور ومكسرات ولحاء وجذور.
تاريخياً، اختار البعض أيضاً شرب ماء التعويذات (الماء الممزوج برماد التعويذات المحترقة). تقول الأساطير إنه على أعلى مستوى من التزهد، يمكن للكاهن أن يعيش على طاقة Qi أو تشي وحدها.
يقول النص الطاوي القديم المسمى "كتابات سادة هواينان":
"أولئك الذين يأكلون اللحوم هم شجعان لكنهم قساة.
أولئك الذين يأكلون Qi لديهم أرواح مشرقة وعمر طويل.
أولئك الذين يأكلون الحبوب أذكياء لكنهم يموتون مبكراً.
وأولئك الذين لا يأكلون على الإطلاق هم الخالدون".
وفقاً لما قاله السيد وانغ، وهو أحد فلاسفة هذا المذهب، فإن أحد أنواع صيام البيجو هو الامتناع عن الثوم والبصل أو غيرها من النباتات الفواحة. بالإضافة إلى ذلك، يتم تجنب الباذنجان، علماً بأن الطاويين نباتيون ولا يتناولون إطلاقاً منتجات الحيوانات أو الألبان.
ومن أجل فهم صيام الطاوية أو البيجو، من المهم معرفة سياقه.
ظهرت ممارسة البيجو عندما تسببت الاضطرابات السياسية في فرار الكثير منهم إلى الجبال، حيث واجهوا المجاعة.
بسبب عدم قدرتهم على تربية الماشية أو جني المحاصيل، قاموا بجمع العلف وجمع الأعشاب من أجل البقاء.
كما قللت النظم الغذائية التي اتبعوها سكان الجبال من خطر الإصابة بالأمراض من الطفيليات والبكتيريا.
ويروج بعض الخبراء الصينيين إلى خلوات البيجو كشكل من حميات إنقاص الوزن.
ومع ذلك، فهي أولاً وقبل كل شيء ممارسة روحية، ولا تتوافق مع أسلوب الحياة الحديث، حتى في الصين نفسها.