يأتي ميلنا إلى التجميع والاحتفاظ بالأشياء من غريزة طبيعية لدى الإنسان منذ قديم الأزل، حينما كان يتحتم عليه تخزين الطعام للاستعداد للأوقات المقبلة.
وحتى اليوم، ارتبط تجميع المقتنيات وعدم التخلي عنها بمشاعر الأمان والانتماء لدى الكثيرين. وتُظهر الدراسات أن النظر إلى الأشياء التي نسميها "خاصة وعزيزة علينا" ينشّط نفس أجزاء الدماغ التي تُستخدم عند محاولة وصف وتعريف أنفسنا.
أعراض اضطراب التكنيز والخوف من التخلّي
عادة ما تتحول رغبة الاحتفاظ بالأشياء العزيزة إلى اضطراب عندما يصبح الشخص غير قادر على التخلُّص من أي شيء يمتلكه تقريباً، مهما بدا له غير مهم أو غير مُستخدم.
وبحسب مجلة "Fear Of" لعلم النفس، يعاني الشخص المصاب بالاضطراب بصعوبة في تنظيم الأشياء، كما يعاني من القلق والخوف الشديدين عندما يُطلب منهم التخلص من الأشياء القديمة وغير المرغوب فيها أو غير الضرورية.
ومن أعراض الاضطراب أيضاً الشعور بالضيق وارتفاع معدل ضربات القلب والتنفس السريع والشعور بالضيق الشديد والغثيان عند التفكير في التخلص من الأشياء.
ويتسبب هذا الاضطراب في أن يدّخر المصاب كل شيء حصل عليه، بما في ذلك الإيصالات والفواتير، المجلات القديمة، الملابس، الكتب، الأقلام، الصحف والمذكرات والتذاكر وحقائب التسوُّق وأدوات الأكل والألعاب وغيرها.
وفي معظم الحالات لا يقوم الشخص المصاب باستخدام أي من تلك المقتنيات، لكن خوفه الشديد من التخلص منها يدفعه إلى الاستمرار في جمعها وتخزينها باعتبار أنه "قد يحتاج إليها يوماً ما".
سبب المشكلة سلوكي أم أعمق من ذلك؟
كشفت الأبحاث الجديدة في هذا المجال أن مشكلة تكنيز المقتنيات ورهبة التخلُّص منها يحدث بسبب مشكلة في أدمغة الأشخاص المصابين.
وفي دراسة نشرتها مجلة Live Science العلمية عام 2009، اتضح وجود نشاط غير طبيعي في مناطق دماغ الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الاكتناز ورهاب التخلّي.
وكانت مناطق الدماغ التي تنشط في أدمغة المصابين بهذا النوع من الرهاب، هي المناطق المعنية بصنع القرار، في ظل ظروف غير مؤكدة، بالإضافة إلى تقييم المخاطر واتخاذ قرارات الاختيارات العاطفية.
وأوضح مركز الصحة العقلية الأمريكي "The Institute of Living" أن المريض بالاكتناز يعاني غالباً من الإعاقات النفسية الأخرى، مثل صعوبة الانتباه ومشاكل اتخاذ القرارات.
ورغم أن منازل ومساحات المكتنزين الخاصة كثيراً ما تكون مكدسة بالخردة والأشياء غير القيمة، فإن الاضطراب ينبع من الرغبة في الكمال، وهو مرتبط أيضاً بالخوف من اتخاذ القرار الخاطئ.
هل هو نوع من الوسواس القهري؟
اعتقد علماء النفس في الأصل أن الاكتناز هو أحد أنواع اضطراب الوسواس القهري "OCD"، لكن المزيد من الأبحاث والخبرة العلاجية أظهرت أن الاضطرابين لا يتداخلان تقريباً، وفقاً لمجلة LiveScience.
وفي دراسة بالرنين المغناطيسي الوظيفي عام 2012، تم إجراؤها على الدماغ بينما يتخذ الأشخاص قرارات بشأن الاحتفاظ أو التخلص من العناصر التي يريدون التخلص منها، اتضح أن صعوبة الانفصال عن المقتنيات يرجع في الأصل لأسباب عصبية. بعبارة أخرى فإن ميلنا إلى التمسك بالأشياء ينبع فقط من أجزاء يتم استثارتها في الدماغ.
دور التربية والنشأة في تعزيز الاضطراب
تعتقد خبيرة التنظيم والترتيب "كريستينا ديوك" في تصريحاتها لصحيفة "Daily Mail" أن الناس يريدون أن يعيشوا حياة أكثر تنظيماً، حتى وإن عانوا من اضطراب الخوف من التخلي والتخلّص من الأشياء.
ولفتت إلى أن الناس بشكل عام ورثوا عقلية معينة فيما يتعلق بالاحتفاظ بالأشياء أو التخلص منها، بناءً على ظروف أسرهم وكيفية نشأتهم.
وأوضحت "ديوك": "يتعلم الناس عادات سيئة من آبائهم، إذا كنت تفكر في الأجيال السابقة التي نشأت في زمن الحروب والفقر، فهم لم يكن لديهم المال ليضيعوه، كانت الأشياء باهظة الثمن، لذا أصبح من الضروري التمسك بالأشياء".
مشيرة أن الشخص في العادة يرتبط نفسياً بالأشياء، ويصنع لها قيمة معينة أكثر مما تستحقه بالفعل. وتابعت: "أعتقد أن الناس يستخفون بالجاذبية العاطفية التي تتمتع بها الأشياء، سواء كان ذلك مرتبطاً بذكرى أو إذا كان ذلك بسبب الشعور بالذنب بسبب إهدار المال".
وقالت "كريستينا ديوك" لـ"Daily Mail" إن التوتر والضيق الأكبر يحدث لأن الناس يريدون الحصول على مساحات أنظف وأكثر ترتيباً، ولكنهم يريدون أيضاً الاحتفاظ بأشيائهم. موضحة أن الأمر بمثابة عادة سيئة يجب التدرُّب على التخلُّص منها لمواجهتها بشكل فعّال.
كيفية البدء في مقاومة رغبة التكنيز
يوجد في عصرنا الحالي موضة واسعة نحو التبسيط، أو ما يُعرف بـ Minimalism.
وبينما تهدف عملية التخلص من الفوضى إلى تسهيل الحياة، قالت الكاتبة الأسترالية سارة ويلسون في كتابها "I Quit Sugar"، إن العملية تصبح أكثر سهولة كلما انغمس الشخص فيها.
ووضحت بحسب "Daily Mail": "كلما اشتريت أكثر، أردت الاحتفاظ بالمزيد من الأشياء، واستهلكت طاقة من اتخاذ القرارات.. وبالتالي يصبح الأمر كحلقة من الإرهاق لا المتعة".
وفي عدد من الخطوات التي من شأنها تسهيل عملية البدء في التخلّي والتخلُّص من المقتنيات غير المستخدمة أو المهمة، اقترحت الكاتبة استخدام تقنية الملصق والتاريخ.
وتتم بوضع العناصر التي لم تعد بحاجة إليها، ولكن لا يمكنك التخلص منها في كيس مكتوب عليه تاريخ مستقبلي. وفيه تقوم بإبرام عهد مع نفسك للتخلص منه إذا لم تكن قد استخدمته بحلول ذلك التاريخ المحدد.
وتضيف أنه ينبغي الالتزام بواقعية المساحات من حولنا.
على سبيل المثال، إذا كانت لديك خزانة ملابس صغيرة تتسع لـ100 قطعة من الملابس فقط، وكانت لديك 120 قطعة، يجب أن تتخلص من 20 قطعة اليوم بلا مناقشة. وباكتساب تلك المساحة الجديدة سيصبح من الأسهل والأمتع العثور على باقي ملابسك المفضلة واستخدامها فعلاً بدلاً من نسيانها وسط كل تلك الفوضى.